هل سبق أن وجدت نفسك تشتري شيئًا فقط لأنك في مزاج سيئ؟ هذه ليست مجرد عادة عابرة، بل هي عملية نفسية معقدة تحدث داخل دماغك وتُعرف بـ «علاج المزاج بالتسوق». 

ففي تلك اللحظة يستخدم عقلك هذه الوسيلة للهروب من ضغوط الحياة عبر إفراز هرمون الدوبامين، هرمون المتعة والمكافأة. هذا الشعور اللحظي يجذبك نحو التسوق، لكنه في الوقت نفسه يزرع عادة الشراء الاندفاعي التي تقوّض أهدافك المالية على المدى الطويل. 

داخل عقلك يدور صراع خفي بين مركزين رئيسيين يتحكمان في قراراتك المالية: اللوزة الدماغية التي تمثل مركز الخوف، والقشرة الجبهية الأمامية التي تمثل مركز المنطق. فعندما تواجه مشكلة مالية كفاتورة متأخرة، تتعامل معها اللوزة الدماغية وكأنها حالة طوارئ فتدفعك إلى التصرّف باندفاع وتهوّر، متجاوزة بذلك التفكير المنطقي للقشرة الجبهية. ولهذا السبب تجد نفسك أحيانًا تتجنب مواجهة فواتيرك أو تتصرف بغير وعي فتفشل في الالتزام بميزانيتك حتى وإن كانت لديك إدارة مالية حكيمة. 

ولمزيد من التعقيد، يعتمد عقلك على طرق مختصرة تُعرف بالتحيزات الذهنية عند معالجة المعلومات واتخاذ القرارات، وهي التي قد تفسد اختياراتك المالية دون أن تشعر. فقد يجعلك تحيز الخسارة تتجنب الاستثمار، بينما يدفعك تحيز التأكيد إلى البحث فقط عن المعلومات التي تؤكد قناعاتك المسبقة، أما تحيز الحاضر فيجعلك تفضّل الإشباع الفوري على حساب أهدافك المالية المستقبلية. 

لكن الخبر الجيد هو أنك بمجرد أن تدرك كيف يعمل عقلك يمكنك أن تبدأ في إعادة برمجة سلوكك المالي بوعي أكبر. من خلال التوقّف قليلًا قبل الشراء واعط نفسك مهلة أربعًا وعشرين ساعة قبل اتخاذ أي قرار كبير، فهذا الوقت القصير يسمح للقشرة الجبهية باستعادة السيطرة وإعادة التفكير بهدوء. واجه مشاكلك المالية خطوة بخطوة، فبدلًا من الهروب من فواتيرك قسّمها إلى مهام صغيرة يومية يسهل التعامل معها، فذلك يقلل من القلق ويعيد إليك شعور السيطرة. 

والأجمل من ذلك أن تغيّر نظام المكافآت في حياتك بحيث تحتفل بكل إنجاز مالي صغير، سواء كان ادخارًا ناجحًا أو سداد جزء من دين، ليعتاد دماغك على ربط مشاعر السعادة بالإدارة المالية الحكيمة بدلًا من الشراء الاندفاعي. 

في النهاية، عقلك أداة مذهلة لكنه قد يضعك أحيانًا في فخاخ مالية دون قصد. ومن خلال وعيك بتأثير العاطفة على قراراتك، يمكنك أن تتعامل مع المال بحكمة وتتحرر من دوامة التسوق الاندفاعي لتستعيد السيطرة على مستقبلك المالي. 

حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية