يوسف زيدان يسرد "الحصيد" بمرآة الحب والتاريخ والسياسة
يفتح باب الأسئلة الفلسفية في زمن الانفجار
الاحد / 5 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 19:38 - الاحد 28 سبتمبر 2025 19:38
أن تجتمع في الرواية معاني مختلفة بين الجانب السياسي، والفلسفي، والتاريخي، والرومنسي فأنت أمام قدرة مميزة لكاتب يستطيع أن يجمع بين كل ذلك معا في قالب متماسك، وبأسلوب سردي مقنع، يأخذك من عمق الواقع، نحو فضاء الخيال.
رواية 'الحصيد' أحد هذه الروايات للكاتب يوسف زيدان، والتي تغوص في عمق ما جرى خلال العامين السابقين على انفجار الثورات ً العربية، والتي جعلت عددا من الدول حصيدا، صدرت في هذا العام عن دار الشروق.
يقف القارئ طويلا مع معنى 'الحصيد' رغم أن الرواية لا تميل من خلال القراءة الأولى لها، أنها ستنتهي ب حصاد مثمر، وإنما كان الحصيد هو ما تبقى من أثر (الجفاف واليباس والاضمحلال، والرماد)، حيث فسر ذلك كاتبها في أحد الجلسات الحوارية حول الرواية قائلا معنى كلمة الحصيد عكس معنى الحصاد، فالحصيد هو لفظ قرآنى يعنى الدمار عكس معنى الحصاد السعيد.
ملخص الرواية
الرواية تحكي قصة 'بهير' الشاب المصري البهائي الذي ينحدر من أسرة متوسطة الحال، بـ« يارا» الفتاة اللبنانية ذات الأصول الدرزية، لقاء كان هدفه الحصول على وظيفة طالما كان ينتظرها 'بهير' ولكن اللقاء ينتهي بوظيفة وقصة حب، كانت تسير في بدايتها نحو نهاية سعيدة –كما تصورها بهير-، ولكن يستبد به القلق من احتمال رفض أهلها له بسبب تباين المستوى الاجتماعي والاقتصادي بينهما، ولكن هواجسه تتضاعف حينما يظهر صديقه المقرب «أنو» المهووس بعقيدة «الأنوناكي» التي تفسر نشأة الحضارات وغموض التاريخ الإنساني، بعد أن تنجذب إليه يارا وتبدأ بالوقوع في غرامه. وبينما يسعى بهير لإنقاذ حبه من الانهيار يقع تفجير كنيسة القديسين ليلة رأس السنة ليُفجر معه حياة الأبطال الثلاثة.
تتقاطع أحداث الرواية ببعضها، في جو معبئ بالسياسة غير المصرح بها، وكعادة 'يوسف زيدان' يدمج في كتاباته بين السرد التاريخي مع الواقع المعاصر، فاستطاع أن يتطرق لأحداث وأفكار سياسية بأسلوب مبطن، ومنح الرواية عمقا فكريا من خلال سير الأحداث، ولعل أبرز حدث في الرواية هو انفجار كنيسة القديسين الذين كان قبيل الثورة المصرية، وكان بشكله البارز في الرواية سببا في انشقاق العلاقات الاجتماعية التي تربط أبطال الرواية، وسببا في حدوث ثغرة سياسية ودينية أدت لمنحى آخر في الأحداث، وكأن الانفجار لم تكن أثرا على شعب بأكمله وإنما أثرت على شخوص الرواية الثلاثة، وهنا تكمن جمالية العمل الروائي في جعل الشخوص هم رمز لشعب كامل، وما يحدث لهم هو جزء للكل، وتعكس الرواية الفترة التاريخية التي سبقت الثورات العربية، مما يجعلها قراءة ضرورية لفهم التحولات العميقة التي مرت بها المنطقة العربية.
أسلوب زيدان في الرواية
يوسف زيدان لا يكتفي بسرد الأحداث، ولا يهتم بتسارع وتيرتها، بقدر ما يهتم بالتفاصيل اللغوية، والمعاني المبطنة، والسرد الجزل، والقدرة الفذة على الوصف الشكلي والمكاني، بصورة تمكن القارئ من الشعور بأنه يرى الأحداث بعينيه، كما أن يفسر الكثير من العواطف والمعاني المبطنة في دواخل الإنسان، وعمقه الوجودي.
كما أن زيدان رغم مفرداته المنتقاة، وأسلوبه الجزل في السرد، إلا أن فكرته التي تتقاطع في معانيها بين الواقعية والخيال، بين الحاضر والتاريخ، يستطيع أن يقدمها كمادة سلسة لفكر القارئ دون مبالغة ولا غموض، بل بكل شفافية ووضوع وسهولة، على الرغم أن الرواية فلسفية بالدرجة الأولى، ولكنه استطاع التواري برمزية عالية، من خلال الشخصيات والسرد الروائي المثالي للكاتب.
قال د. خالد فتحي في مقال نشر في رأي اليوم حول رواية الحصيد: 'يغوص بنا زيدان مباشرةً في قلب هذا 'الحصيد'؛ مقدما اللقاء الأول بين 'بهير' و'يارا' في الجمعة الأولى من عام 2010. اختيار لا يخلو من دلالة، فهذا التاريخ يحيل بوضوح إلى الزمن الذي سبق اندلاع ثورة يناير المصرية بعام واحد فقط، كأنما يهمس زيدان في أذن قارئه: تمعّن جيدا... هذه ليست مجرد حكاية حب عابرة، بل هي تأريخ دقيق للهشاشة التي مهدت للانفجار'.
شخصيات الرواية
بهير: انطوائي، مهمش، ذو شخصية ضعيفة ومنقاد كثيرا، ليس لديه اهتمامات سياسية ولا ثقافية، ويهرب من واقعه للحب الذي يظنه بالسهولة التي يكتفي فيها بإبهار الطرف الآخر حتى وإن كانت كل المعطيات لا تكشف عن نهاية سعيدة للحب.
يارا: الفتاة التي تتمتع بمقومات كثيرة لتكون المثالية لدى كثر، جمال وثقافة وعلم ومال، ولكنها رغم بحثها عن حريتها إلا أنها تصطدم بالواقع الذي تعود فيها لإطارها المغلق دون حرية ولا حب.
أنو: هو النقيض التام لشخصية بهير، والذي يحاول بهير أحيانا أن يتقمصه، غاضب ومتمرد، يخوض في الحياة شتى أنواع التجارب، ويملك من الثقافة الواسعة ما يفتح له أبواب الرغبة في الخروج عن كل المعتقدات: دينيا، سياسيا، اجتماعيا.
عمق السرد الروائي
يعتمد زيدان في روايته 'الحصيد' على مخاطبة القارئ الذي لا يقرأ للمعرفة فقط، بل للفهم والبحث في العمق، واكتشاف معاني الرمزية في الرواية، لابد من التأمل والتفكير والفهم، فالسطحية لا تعني أنك اكتشفت معاني الرواية الحقيقية، بل أنت أمام سرد روائي بحاجة لفهم المستور وسماع المسكوت عنه.
وعلى الرغم من أن بعض القراء يميلون لقراءة الروايات التي تكتفي بالحدث المباشر، والحبكة الواضحة، أكثر من تلك التي تحتاج لتأمل واستنتاج، لهذا لا تعد مثل هذه الروايات هي جاذبة أو محفزة للقراءة.
تجدر الإشارة إلى أن مؤلف الرواية يوسف زيدان؛ هو مفكر وروائي مصري مرموق، حصل بعد الدكتوراه على درجة الأستاذية في الفلسفة وتاريخ العلوم. صدر له حتى الآن أكثر من سبعين كتابًا، تنوَّعت بين الإبداع الروائي والمجموعات القصصية والبحوث التاريخية والفلسفية. نالت أعماله جوائز دولية عديدة، منها: جائزة 'عبد الحميد شومان' للعلماء العرب الشبان (الأردن)، جائزة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية (الكويت)، جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في مجال الفقه الطبي وأصول فن تحقيق المخطوطات.. ونالت روايته الأشهر 'عزازيل' عدة جوائز عالمية: الجائزة العالمية للرواية العربية/البوكر (2009)، وجائزة أنوبي (2012)، وجائزة بانيبال (2013).