"عُمان بعيون الرحّالة الأوروبيين" جلسة حوارية بجامع السلطان قابوس الأكبر
كتب – خالد بن محمد البلوشي تصوير - عبدالواحد الحمداني
الخميس / 2 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 19:17 - الخميس 25 سبتمبر 2025 19:17
شهد جامع السلطان قابوس الأكبر جلسة حوارية نظمها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بعنوان 'عمان في كتابات الرحالة الأوروبيين'، استضافت الدكتور إبراهيم البوسعيدي أستاذ مساعد بقسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، وأدارت الحوار الدكتورة خلود بنت حمدان الخاطري، أستاذ مساعد بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية، تناولت الجلسة قراءة نقدية لمنهج الرحالة الأوروبيين، ودوافع سفرهم، ونماذج بارزة من كتاباتهم، ومردودها على فهم التاريخ والثقافة العُمانية، حضر الجلسة عدد من الأكاديميين والمهتمين بالتراث والتاريخ.
وعن ادب الرحلات اشار البوسعيدي الى أن الترحال والتنقل يعدان من أبرز السمات التي اتصف بها الانسان منذ وجوده على البسيطة، فهو دائم التنقل والحركة من مكان الى اخر بدوافع متعددة، فالترحال ليس وسيلة اكتشاف فقط بل هو جزء من حركة الحياة على الأرض، ويعد أدب الرحلات من أهم المصادر التاريخية التي يعتمد عليها في التدوين التاريخي كون الرحال يسجل، مشاهداته التي عايشها وعاينها عن قرب.
وأوضح أن موسوعة كامبريدج تتعامل مع أدب الرحلات كجنس أدبي تطغى عليه شخصية الكاتب ووجهة نظره، وهو ما يجعل قراءة هذه النصوص ضرورة نقدية قبل اعتمادها كمصدر تاريخي.
وسلط البوسعيدي الضوء على دوافع رحلات الأوروبيين إلى عمان، مشيراً إلى أن الموقع الاستراتيجي لعُمان جاء على مفترق طرق التجارة بين الهند والخليج وشرق أفريقيا لذلك كانت سبب بارز لجذب اهتمام القوى الأوروبية، خصوصاً البريطانية والفرنسية، وقيلهم البرتغالية موضحاً أن الدوافع ايضاً كانت سياسية واقتصادية وتداخلت مع دوافع دينية وثقافية، حيث أن كثير من الرحلات جرت تحت غطاء العلم، بينما حمل بعضها أهداف تبشيرية أو استخباراتية أو مبررات للتمدد الاستعماري.
استعرض البوسعيدي مجموعة من الرحالة كالبريطانيين الذين كان لهم النصيب الأكبر من التوثيق في القرن التاسع عشر، ومنهم جون فراير الذي زار مسقط عام 1677م وترك انطباعات سلبية بالنقد، وجون أوفنجتن الذي كتب عن التسامح العماني عام 1693م. وأوضح أن جيمس ولستد وصموئيل باريت مايلز كانا من المصادر الرئيسة لوصف الجغرافيا والقبائل والاقتصاد، مشيراً الى أن مايلز قدم تقارير وخرائط ساهمت في فهم كثير من المرافق والمناطق، كما زار عدد من التجار والدبلوماسيين والبحارة والعلماء الفرنسيين عمان وخاصة مسقط في القرن 19م واستعراض بعضا منهم مثل بيير ريمي أوشير-ايلوي التي أسهمت في توثيق الجانب النباتي والزراعي في سلطنة عمان، بينما قدّم رحالة من جنسيات أخرى مثل الإيطالي ماوريزي والألماني ماكس أوبنهايم ملاحظات أثرت في المكتبة الغربية عن عمان.
وأشار البوسعيدي في نقاشه الى أن الرحالة كانوا مهتمين بتقسيم البلاد الإداري، ووصف الأغوار والواحات ونظام الأفلاج، كما اهتموا بالتجارة البحرية، وحركة السفن والبضائع، وأوضح أن وصف الرحالة للأسواق وسفن الشحن والضرائب الملكية لم يقتصر على الوصف مثلما أورد باكنجهام ، بل قدم أرقاماً ومقاييس تفيد الباحث الاقتصادي إذا تمت مراجعة النص بسياقه.
وعن الجوانب الاجتماعية، أوضح أن الرحالة رصدوا مظاهر يومية متعددة كملابس الرجال والأزياء النسائية والعادات كالسبلة وقهوة المجلس، والتعليم التقليدي تحت ظل الأشجار، مشيراً إلى أن بعض الملاحظات حملت إشادة بتسامح المجتمع العُماني، ومنها شهادة جون أوفنجتن وبلجريف التي أكدت حسن التعامل مع غير المسلمين، فيما دوّن آخرون انطباعات متباينة عن جرأة بعض الفئات أو تحفظها، وذكر الدكتور إبراهيم أن قراءة هذه الملاحظات تعطي صورة حية عن الحياة الاجتماعية، لكنها لا تعفي الباحث من ضرورة التعامل النقدي مع الأحكام العمومية والانعزالات الفردية التي صوّرها بعض الرحالة.
وبين البوسعيدي أن هناك رصد لمغالطات وأخطاء في نصوص الرحالة، فأشار إلى أمثلة متعددة، منها تصريحات جون فراير عن صفة 'الغلظة' التي نسبت إلى العمانيين، مؤكداً أن هذه الأخطاء غالباً ما تنبع من قصر أفق الكاتب أو من تحامل أيديولوجي، وفي حالات أخرى من جهالة بالظروف المحلية أو اعتماده على رواية وسيطة متحيزة، داعياً الباحثين إلى ضرورة التثبت من المصادر المحلية والأرشيفات العمانية لتقويم مثل هذه الادعاءات، مؤكدًا أن القراءة النقدية تُمكن من استثمار مادة الرحالة بدون الوقوع في فخ الانطباعات الأحادية.
أما عن القيمة البحثية لكتابات الرحالة، فأشار الدكتور إبراهيم إلى دورها في كشف مواقع أثرية غابت عن المصادر المحلية أو ترجع إليها بأسماء مختلفة، كما أوضح أن صفحات الرحالة حفظت تفاصيل زراعية ونباتية (كما في حالة أوشير-ايلوي) وأسماء قرى وطرق قد تغيرت اليوم، مؤكداً أن الباحث العماني يستطيع الاستفادة منها كمصادر أولية إذا ما قارنها مع الوثائق المحلية والسير الشفهية والآثار الميدانية، وشدد على أن استخدام هذه المصادر ينبغي أن يكون مشروطا بمنهجية تضبط المعلومة وتتحقق من صحتها.
وأكد الدكتور إبراهيم على أن كتابات الرحالة تشكل مادة ثرية تدفع للتحقيق والنقد وليس للرفض أو القبول الأعمى، مشيراً إلى أن المهم هو تحويل هذه الإرث إلى أدوات معرفة تخدم فهمنا لتاريخ عمان وتثري حقل الدراسات الثقافية والاجتماعية، وأكد أن ثمة فرص بحثية كثيرة ما تزال بحاجة إلى استكشاف في أرشيف ومكتبات عالمية تملك مخطوطات وترجمات قد تضيف إلى الصورة التاريخية لعمان.