أفكار وآراء

هل نحتاج إلى لجنة وطنية لمكافحة الاحتيال؟

أصبح الاحتيال من أبرز التهديدات التي تواجه الأفراد في أغلب دول العالم كما أن سلطنة عُمان ليست بمنأى عنه. وتتعدد أنواع وأشكال الاحتيال، ولعل الذي يتكرر بشكل يومي هو الاحتيال الإلكتروني الذي يستخدم التقنية والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها في الاستيلاء على أموال الأفراد من خلال الوصول إلى بياناتهم البنكية. ولكن أشد وأخطر أنواع الاحتيال الذي يكون على الملأ بإيقاع الناس باستثمار أموالهم وتوظيفها في مجالات استثمارية بإيهامهم بأنها آمنة، وتعطي أرباحا استثنائية تفوق معدلات الاستثمار في السوق. وقلنا بأنه أشد فتكا؛ لأن الضرر ليس في خسارة المال، ولكن بالحالة النفسية التي يتركها على الضحايا؛ لأنهم ذهبوا إليه بمحض إرادتهم، ومنهم من أسهم في الإيقاع بالآخرين ظانا منهم بأنه يساعدهم بينما هو يعمل على تبديد أموالهم. طبعا يسعى الجميع نحو الثراء، والحصول على عوائد استثمارية في فترات زمنية قصيرة. 

هناك جهود وطنية لمكافحة أشكال الاحتيال بكافة أنواعه عن طريق المؤسسات المصرفية والجهات الحكومية. ويأتي مركز الدفاع الإلكتروني والمركز الوطني للأمن السيبراني من أهم الجهات الفاعلة التي تعمل على التصدي لحالات الاختراقات الإلكترونية. ولكن رغم ذلك؛ فإن التقارير والوقائع تشير إلى ارتفاع جرائم الاحتيال خلال السنوات الماضية. وبالتالي يصبح الاحتيال هاجسا يوميا يؤرق الجميع؛ نظرا لآثاره الخطيرة على الفرد والمجتمع ما يتطلب تغييرا في آليات مكافحته. 

وإن تعددت أسباب الاحتيال، ولكن أهمها هو غياب الوعي والثقافة المالية لدى الأفراد مع الثقة العمياء بمنح البيانات والبطاقات الشخصية التي قد يساء استخدامها مع عدم التأكد من الجهات الرسمية أو المصادر الموثوقة لكل ما يصل للأفراد من أنواع الاستثمارات لأخذ الحيطة والحذر؛ لكي تكون هناك قناعة تامة عن الأشخاص أو الشركات التي تمارس تلك الأنشطة الاستثمارية. وإن كان التطور المذهل في التقنية‏ الرقمية هدفه التيسير على الأفراد في تدبير حياتهم العملية والمعيشية، إلا أن ذلك التطور عادة تصاحبه ثغرات إلكترونية، أو أن أنظمة الحماية الأمنية للحسابات والبيانات الشخصية ليست قوية، ويسهل اختراقها الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى خسائر، والاستيلاء على الأموال بطرق غير مشروعة، وتهريبها للخارج لصعوبة الوصول إليها. فكلما اكتشفت واقعة احتيالية تتكشف حالات كثيرة بنمط أكثر تعقيدا عن سابقاتها. 

من القضايا الاحتيالية التي انتشرت محليا وخارجيا هي الحادثة التي وقعت في يوليو من هذا العام بقيام سائحة صينية استخدمت شبكة اتصالات داخل السيارة تتجول بها في مسقط، وتقوم بإرسال روابط إلكترونية للأفراد؛ بقصد الاستيلاء على أموالهم. ولكن يقظة الجهات الأمنية حالت دون ذلك، فقبض عليها. هذا النوع من الاحتيال يعطي تقييما لدرجة الحماية التي تمنع من الوصول إلى الحسابات البنكية والمصرفية. هذا النوع من الاحتيال أيضا يكون عابرا للحدودن وعادة تكون للمحتالين شبكات دولية تقدم لهم الدعم التقني بطرق احترافية شديدة التعقيد. وبالتالي؛ الاحتيال أصبح تجارة رابحة للذين يريدون أكل أموال الناس بالباطل، فالمحتال لا يردعه أي معتقد ديني أو إنساني. 

والحالة الثانية وهي استثمار الأموال عن طريق تطبيق هاي شوبنج عُمان (Hishopping- Oman) والذي اكتشف لاحقا بأنه غير مرخص، ويقوم بجمع الأموال بطرق غير مشروعة؛ بقصد استثمارها. هذا النوع من الاستثمار يُعرف بالاستثمار «الشبكي أو الهرمي»؛ حيث يعتمد على جذب أموال المشتركين الجدد في الشبكة ليتم دفعها للمشتركين أنفسهم دون وجود بيع أو تجارة أو استثمار حقيقي لتلك الأموال المجمعة. بمعنى آخر تعتمد فكرة التطبيق على دعوة الأفراد للاشتراك في باقات معينة، وأهمها الباقة الذهبية التي قد تصل قيمتها مبلغ (300) ريال، وكلما جذب المشترك أفرادا آخرين حصل على نقاط أكثر. 

غالبا الاحتيال يحدث بشكل متخف؛ حيث يقوم المحتالون بإخفاء هوياتهم والعمل عن بعد سواء بالهاتف أو البريد الإلكتروني أو استخدام المواقع الوهمية للشراء منها؛ بقصد الحصول على المال بسرعة وفي وقت قصير جدا؛ خوفا من كشف مؤامرتهم. في نقيض ذلك؛ الشركة صاحبة التطبيق المشار إليه بدأت عملياتها مطلع هذا العام مع حملة ترويجية وتسويقية غير عادية لجمع أعداد أكثر من المشتركين؛ حيث تمكنت من الحصول على مشتركين وصل عددهم إلى (30) ألف مشترك خلال ما يقرب من سبعة أشهر. وفي اعتقادي بأن الشركة التي روجت للتطبيق المشار إليه حاولت محاكاة تطبيق (Shopee) الذي يسمح استخدامه في دول محددة -عند الدخول للموقع الإلكتروني-، وعددها إحدى عشرة دولة منها على سبيل المثال: سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا، ولكن ليس من بينها أية دولة عربية. 

المهم في الأمر بأن الترويج والتسويق لذلك التطبيق تم عن طريق مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى بعض الإذاعات المحلية الخاصة التي قامت بتغطية الحدث، وعمل لقاءات مع المشتركين في التطبيق والذين أشادوا بالفكرة، والبعض منهم ذكر أنه خلال شهر حصل على عشرة آلاف ريال من خلال دعوة أشخاص آخرين للاشتراك في التطبيق. ورغم وجود من حاول التشكيك في نزاهة الشركة فبمشاهدة كمية السحوبات التي تم الترويج لها مع الحضور الغفير من المشتركين وممثل من الجهة الحكومية المختصة التي تُشرف على السحوبات وراعي المناسبة الذي كان من أعضاء مجلس الشورى؛ فإن أغلب تلك الشكوك تكون لا قيمة لها. ومن خلال متابعتي لبعض الإعلانات التي نشرها بعض مشاهير التواصل الاجتماعي عن الشركة يظهر بجلاء مدى ضآلة المحتوى التسويقي. ولعل الفطين يفهم كيف أن تعرض الشركة جوائز تصل إلى الآلاف من الريالات؛ فكيف لها أن تحصل على هذا الربح أو العائد على الإنفاق الاستثماري في مدة زمنية بسيطة؟ وإن كان كل اللوم يلقى على أصحاب الدخول البسيطة بأنهم يسعون وراء الثراء السريع فماذا عن المرأة التي قامت بتجميع الأموال بقصد استثمارها من رجال أعمال وشخصيات عامة وجنسيات مختلفة استطاعت إقناعهم بالكسب السريع من خلال تجارة الذهب، وبطرق احترافية تمكنت من الاستيلاء على الملايين من الريالات من أكثر من (125) شخصا حسب ما تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي؟ الحالات الثلاث التي أشرنا إليها قصص واقعية، وليست من نسج الخيال، وإن كانت أغلب حالات الاحتيال تكون تحت الظل وفي الخفاء. ولكن عندما يصل الأمر إلى أن يكون الاحتيال على المكشوف، ويستمر لمدة شهور بترويج من مشاهير التواصل الاجتماعي؛ فإن الأمر يكون قد بلغ منتهاه، ولزم اتخاذ إجراءات صارمة؛ للمساءلة والمحاسبة، وفتح أكثر من لجنة لتقصي الحقائق، واتباع نهج الشفافية في كشف أنواع الاحتيال بكافة أشكاله؛ لحماية أفراد المجتمع أولا بأول حتى لا تكون قضايا الاحتيال تكتمل أركانها بالقبض على الجناة ومحاكمتهم، ولكن يجب أن تكون هناك إجراءات تنظيمية ورقابية ورصد لكل ما يتم الترويج له في السوق أولا بأول. 

هناك آثار مدمرة للاحتيال على بيئة الأعمال ونزاهتها، وذات تأثيرات سلبية على ضحايا الاحتيال من حيث خسارة أموالهم، وقد يكون البعض منهم باع الغالي والنفيس. كما أن الاحتيال يعمل ضغطا على مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات ولجان الزكاة التي لا تكف أموالها والتبرعات التي تتلقاها عن تغطية القوائم المحتاجة والمتعففة، فأنى لها أن تجد نفسها مع فئات أخرى من أصحاب الديون الذين وقعوا تحت فخ الحوادث الاحتيالية؛ من أجل السعي وراء الثراء السريع؟ نعم أصبحنا في أمسّ الحاجة إلى لجنة وطنية لمكافحة الاحتيال يكون لها تمثيل من جميع الجهات الحكومية والمحافظات؛ لوضع إطار عمل متكامل لمكافحة حالات الاحتيال التي أصبحت تنتشر في المجتمع كالهشيم، وتقضي على طموحات وأحلام الكثير من أفراد المجتمع. أيضا هذه اللجنة تكون لها الصلاحيات التنفيذية في إعداد خطة عمل للتوعية بوسائل الاستثمار الآمنة، ونشر الثقافة المالية، ووضع الحلول للكشف السريع لحالات الاحتيال، ومكافحتها بكافة الوسائل. صحيح أن أغلب حالات الاحتيال تكون مسؤولية فردية يجب على الأفراد التنبه لها، ولكن تركها دون علاج جدري له آثار كارثية على المجتمع والدولة وبيئة الاستثمار. 

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس