المقاطعة خيار الشرفاء
الأربعاء / 1 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 19:11 - الأربعاء 24 سبتمبر 2025 19:11
في وقت يشتد فيه الحصار على أبناء «غزة»، ويمتد البلاء عليهم، وتهب شعوب الغرب، وحكومات العالم لنجدتهم، بينما يتفرج العرب على المشهد بخجل، ويكتفون بدور المندد بالانتهاكات الصهيونية، دون أن يتحرك منهم جفن، ويكتفون بالقصف الإعلامي، والإدانات بأشد العبارات، والاستنكارات، والشجب، والتنديد، ويضعون الحسابات السياسية قبل الأخلاقية، والوطنية، ويعيدون إنتاج فيلم «الضعف العربي»، بل لا يقف دور بعض العرب عند هذا الحد، ويتعداها إلى دعم الكيان المحتل، وإعانة العدو على أبناء جلدتهم، ويفضّلون بطونهم، وغرائزهم الاستهلاكية على الوقوف ولو بأقل القليل إلى جانب أخوتهم في الدم، والدين، والمصير.
ويرفع الداعمون العرب شعارات انهزامية لا تليق بشعوب حضارية، ولا ترقى لمقامات الإنسانية، حيث يستخفون بمقاطعة المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني، ويعتقدون أن ذلك مجرد مزايدات إعلامية، بل ويدعون إلى رفض المقاطعة، تحت ذريعة أن من يعمل في هذه المحلات، والمطاعم هم أبناء البلد، وأنه يجب دعمهم حتى لا ينقطع رزقهم، ونسي هؤلاء أن أسباب الرزق لا تنقطع، وأن عائدات، أو بعض عائدات هذه الفروع تعود إلى الشركة الأم، التي هي بدورها تعيد إرسال هذه الأموال إلى الصهاينة، على شكل سلاح، أو مساعدات مجانية، التزاما منها بدعم الكيان.
لقد أثبتت المقاطعة جدّيتها، وفاعليتها بسبب الشرفاء من المسلمين، ومن شعوب العالم الحر، الذين رفضوا أن يكونوا جزءا من هذه السلسلة المجرمة التي تغذي الإبادة، والقتل في غزة، وتكبدت المطاعم، والمحالّ، والشركات الداعمة خسائر مالية ضخمة، لم تكن في حسبان أصحابها، وأغلقت أفرع كثيرة في دول العالم أبوابها، وقلّصت شركات أخرى عدد فروعها، وسبّب ذلك ضغطا ماليا، ومعنويا عليها، بل وتراجع بعضها عن الدعم ـ ولو ظاهرا ـ، وزادت خسائر بعض المطاعم عن مئات الملايين في أوروبا والولايات المتحدة، وتراجعت أسهم شركات أخرى، وهذا يدل على فاعلية المقاطعة، وأنها لم تكن عبثا كما يتوهم البعض، ويروّجون له.
وفي المقابل المخجل، أن بعض محال الأكل السريع ما زالت صامدة في الدول العربية، وما زالت تمد يدها لمساعدة الكيان، ليس بسبب قوتها، وثباتها، بل بفضل دعم بعض أبناء العرب والمسلمين لها، والذين يمدونها بأسباب الحياة، واستعاضت هذه المطاعم طلبات الزبائن المباشرة، وتحولت إلى الطلبات غير المباشرة، عن طريق التوصيل إلى المنازل، وهو ما يثير علامات استغراب من أولئك الذين فضّلوا بطونهم، وغرائزهم الاستهلاكية على المساعدة، ـ ولو بأقل القليل ـ في مد يد العون لإخوانهم، بل وساعدوا بكل إصرار وترصد على مساندة العدو، ومدّه بأسباب الحياة، والنجاة، من خلال دعم الشركات الملطخة يداها بقتل الفلسطينيين، وإبادتهم.
لم تكن الشعوب العربية أكثر خذلانا، وانهزامية من هذا الوقت الذي يثور فيه العالم كله سياسيا، وشعبيا، ـ باستثناء الولايات المتحدة ـ، ضد الكيان المجرم، والذي تجرأ على دول عربية لم يكن يحلم يوما أن تصل إليها يداه، وها هو اليوم يعربد، ويتحدى، ويضع كل البلدان العربية تحت مجهر القصف دون خوف، أو تردد، لأنه يعلم يقينا أن هناك من العرب من يدعمه سرا، وعلانية، بل ويتمنون أن تفتتح الشركات والمطاعم الإسرائيلية أبوابها في بلدانهم، كي ينعموا بالأكل الصهيوني ولو كان ذلك على جماجم وجثث الفلسطينيين، ولكن تذكروا دائما أن المقاطعة هي سلاح الشرفاء في هذا العالم، فلا تلتفوا لمن هم خارج نطاق الإنسانية، والضمير.
مسعود الحمداني كاتب وشاعر عُماني