أفكار وآراء

الكيان المنبوذ وانتصار الحق الفلسطيني

شهدت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة الاثنين حدثا تاريخيا ليس فقط من خلال الاعتراف المتواصل من دول العالم بالدولة الفلسطينية كدولة مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، ولكن من خلال ظهور الكيان الصهيوني ككيان منبوذ عالميا؛ حيث إن هناك اكثر من ١٤٥ دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية خاصة الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا والبرتغال وكندا وغيرها من الدول. ومن هنا جاءت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والمؤتمر الدولي الخاص بحل الدولتين الذي كانت المملكة العربية السعودية وفرنسا قد بذلتا جهودا سياسية مقدرة حتى يصبح واقعا من خلال بيان نيويورك. وقد نجح المؤتمر الدولي بشكل لافت من خلال عشرات الكلمات من قيادات العالم والتي أدانت الإبادة الجماعية التي تقوم بها حكومة نتنياهو المتطرفة وعصابات المستوطنين على مدى عامين. 

إن الانتهاكات الخطيرة التي قامت بها حكومة نتنياهو المتطرفة فاقت التصورات والاعتبارات الانسانية والاخلاقية، ومن هنا ظهر الكيان الصهيوني منبوذا في قاعة الأمم المتحدة والعالم يدين تلك الانتهاكات. ولعل من المفارقات التي تشهدها الساحة الدولية وعلى الأراضي الأمريكية أن تظل إدارة ترامب منبوذة هي الأخرى؛ حيث بقيت إدارة ترامب تدافع عن الباطل وعن الإبادة الجماعية التي تقوم بها حكومة نتنياهو. ومن هنا فان اجتماع الرئيس الأمريكي ترامب أمس مع عدد من القيادات العربية والإسلامية هو جزء من الشعور بالحرج، وأن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت عقبة كبيرة في وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإنقاذ أرواح المدنيين. ولعل استخدام مندوبة واشنطن لحق النقض في جلسة مجلس الأمن الدولي للتصويت على قرار وقف إطلاق النار هو خطوة تنم عن سياسة أمريكية سلبية تعزز فقد المصداقية. وهناك شعور دولي حتى من الدول الغربية بأن الدور الأمريكي حول السلام يتراجع، وأن هناك نهجا أمريكيا لدعم الغطرسة الصهيوينية خاصة سياسات نتنياهو المتطرفة. 

وعلى ضوء ذلك؛ فإن الحق الفلسطيني انتصر أمس في قاعات الأمم المتحدة، وأصبح الكيان الصهيوني منبوذا ليس فقط من الحكومات، ولكن من الشعوب في الشرق والغرب على حد سواء. كما أن الأصوات الشعبية داخل الكيان الصهيوني أصبحت تندد بسياسة نتنياهو وحكومته المتطرفة. وعلى ضوء ذلك؛ فإننا نشهد انعطافا تاريخيا لانتهاء الاحتلال، وهو الأمر الذي شهدته جنوب أفريقيا خلال الفصل العنصري الذي تواصل على مدى عقود حتى تحررت جنوب أفريقيا من الاستعمار. إن الاحتلال الإسرائيلي هو آخر احتلال بشع في التاريخ الحديث، ورغم قسوته على مدى ثمانية عقود إلا أن الشعب الفلسطيني أثبت إرادته الوطنية وإيمانه العميق بحقه في أرضه، وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. 

لقد استفاق العالم علي همجية الكيان الصهيوني العنصري؛ حيث شاهد العالم عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية والتي سوف تبقى وصمة عار على قيادات الكيان الصهيوني على مر التاريخ، وأن نتنياهو وحكومته المتطرفة لا بد أن ينالوا العقاب العادل بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة. 

الرئيس الأمريكي ترامب أثبت أنه أحد أسوأ الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أصبح انحيازه السافر لصالح الكيان الإسرائيلي مثار سخط الشعب الأمريكي خاصة الأجيال الجديدة. كما أن تخليه عن الحلفاء في المنطقة العربية جعل مصداقيته في أدنى مستوى. ومن هنا فإن البحث عن تحالفات أخرى هو أمر استراتيجي؛ لأن مصداقية الرجل أصبحت في مهب الريح. كما أن هناك مشكلات داخلية تواجه الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث سياسات الرسوم الجمركية ضد عدد من دول العالم. 

إن اجتماع ترامب مع عدد من القيادات العربية والإسلامية هي الفرصة الأخيرة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو مطلب شعوب العالم بما فيها الشعب الأمريكي، وحتى على صعيد الإسرائيليين. كما أن الشرعية الدولية تنادي بوقف نزيف الدم الفلسطيني في قطاع غزة، ووقف جرائم الكيان الصهيوني، ونتنياهو الذي أصبح مطلوبا كمجرم حرب من قبل محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل الدولية. 

إن المشهد السياسي في الأمم المتحدة أمس كان مشهدا تاريخيا، وتأكيدا على عدوانية الكيان الصهيوني، وعلى عدالة القضية الفلسطينية التي تستحق الإنصاف والعدل من المنظومة الدولية بعد كفاح أسطوري من الشعب الفلسطيني على مدى عقود مارس خلالها الاحتلال الإسرائيلي أبشع صنوف الانتهاكات والقتل والتعذيب وسرقة الأراضي الفلسطينية، وإطلاق قطعان المستوطنين ضد مقدرات الشعب الفلسطيني. وعلى ضوء التطورات المختلفة على صعيد القضية الفلسطينية؛ فإن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية هو تصميم دولي على أن الوقت حان لقيام الدولة الفلسطينية من خلال حل الدولتين، وهو الحل الواقعي والمنطقي لإنهاء الصراعات والحروب في المنطقة، وأمام الرئيس الأمريكي ترامب فرصة تاريخية لإنهاء الحرب والإبادة الجماعية في قطاع غزة، ويسجل موقفا إيجابيا في ولايته الثانية والأخيرة. 

لقد سجل العالم موقفا مشرفا من معظم دول العالم من خلال الاعتراف بالحق الفلسطيني والدولة الفلسطينية. والأمر يحتاج إلى تحركات وإجراءات دبلوماسية، وضغط اقتصادي على الكيان الصهيونيز والأمل أن يكون اجتماع ترامب مع عدد من القيادات العربية والإسلامية نهاية الحرب والإبادة الجماعية التي تقوم بها حكومة نتنياهو المتطرفة في قطاع غزة ضد الشعب الفلسطيني، وضرورة انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، ودخول المساعدات لإنقاذ الشعب الفلسطيني في غزة، وأن تكون المرحلة القادمة هي مرحلة السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط، وانتهاء الصراع بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وأن يسود السلام والاستقرار منطقة الشرق الأوسط. 

عوض بن سعيد باقوير صحفـي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة