عبدالله العقيبي .. عن قسوة البدايات واصطياد الشعر في الحارات وعلى شواطئ ينبع
الأربعاء / 1 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 10:01 - الأربعاء 24 سبتمبر 2025 10:01
حسن عبد الموجود -
أصدر الكاتب السعودي عبدالله العقيبي مجموعتين قصصيتين هما «صوت الموجة»، و«يوتيرن»، وديوانين بعنوان «تبا.. كخطأ مقصود في ترجمة الأفلام» «ويهجم يهجم يهجم» إلا أنه يعتبر نفسه شاعرًا في الأساس. هذا الحوار محاولة للنبش في تكوين عبدالله، وعلاقته المدهشة بأبيه، وكيف أثَّر فيه المكان، وهل وجد الشعرَ في صخب مدينة جدة أم على سواحل ينبع الهادئة؟!
جدة قبل أربعة وأربعين عامًا، أي في عام 1982. الطفل عبدالله العقيبي ذو العامين يلهو مع أقرانه في أزقة الحارة، وسط عشش الصفيح على تخوم حي «الشرفية»، دون أن يشعر بصعوبة العيش، ودون أن يدرك أن هناك حياة أجمل يعيش الناس فيها على أسرَّة وثيرة، لا تؤلمهم لدغات البعوض، ولا ترعبهم الفئران. لم يفكِّر سوى في المرح مطاردًا حشرات أم أربعة وأربعين في شقوق الأرض. أبوه كان رجلًا بسيطًا أميًّا يعمل في مهنٍ شديدة التواضع، يذهب إلى سوق السمك صباحًا، ليدير عملية المساومة بين الصيَّادين والبائعين، وفي المساء يخلعُ عنه شخصية «الدلَّال» ويتحول إلى أرزقي في سوق السيارات المستعملة. (يتخضَّر) كما يحلو له أن يسمِّيها، لا يعرف عبدالله حتى الآن ما هو المعنى الدقيق للكلمة، لكن لأن الأب استخدمها كثيرًا ورثوها عنه، فأحيانًا يتّصل بأخٍ لا يعمل في وظيفة رسمية، ويسأله: ماذا تفعل؟ فيجيب: (أتخضَّر) ويكون مفهومًا أنه (يسترزق).
تعلّم عبدالله من أبيه القناعة والرضا وحب الحياة والحنان. أمن عقابه رغم شقاوته، فالأب طيب القلب لدرجة أنه كان يتألم إذا ذبحت الأم دجاجة، لكنه لم يأمن عقاب شقيقه الأكبر. وُلِد عبدالله في نفس يوم ميلاد ابنة ذلك الأخ، فقرر تربيتهما معًا. فارق السن الكبير جعله أبًا ثانيًا له. اعتقد الأخ الأكبر أنه يجب أن يتدخل حتى لا يفسد عبدالله، فالأب العجوز غائب في خيالاته وأحلام يقظته ومناجاته لله، وبالتالي استخدم معه كل أنواع العقاب، من الزعيق إلى الضرب بالعصا.
أبوه كان بمثابة الجد، جاء عبدالله للحياة حين كان يخطو بثباتٍ نحو السبعين، وقد عاش حتى وصل إلى الثالثة والتسعين، أي أنه تُوفي وعبدالله في منتصف العشرين من عمره، يقول: «اتّسم أبي بالهدوء والحكمة، وكان حكَّاء وصاحب تجربة، منه أخذنا مرويات العائلة، وقصص المغامرات. مرض أبي مرضًا قاسيًا أقعده آخر عقدٍ من حياته، وكنت أقضي له مصالحه، في تلك الفترة عاملني كصديق، وحكى لي بلا توقف، كمَن لديه مروية يريد تمريرها للسلالة من خلالي، مروية لها علاقة بتاريخ العائلة وانتقاله وهو طفل من ينبع إلى جدة مشيًا على قدميه».
أثناء اشتعال الثورة العربية في السعودية ضد الاحتلال العثماني عانى الناس من الجوع، خاصة في المدن الحدودية البعيدة، فلا العثمانيون ولا الإنجليز الذي حموا قائد الثورة الشريف الحسين بن علي اهتموا بتوفير الطعام والدواء، ودفعت المجاعة الناس لمغادرة ينبع في اتجاه جدة بحثًا عن كسرة خبز.
حاصر الموتُ والد عبدالله، لكن خاله اصطحبه في رحلة مجنونة وشاقة إلى جدة سيرًا على الأقدام. سارا بلا توقف لأيام حتى وصلا. سلَّمه الخال إلى أسرة من الحضر ليعمل لديهم مجاودًا، أي ساعيًا يقضي لهم مشاويرهم وطلباتهم. وضعوا أمامهما الطعام، ونام الصغير بينما يأكل من شدة التعب، وحين استيقظ لم يجد الخال. لقد تبخَّر، ولم يعرف عنه شيئًا حتى سمع بعد سنوات أنه مات. أدّى الخال رسالته بإيصاله إلى بر الأمان. أكرم الحضرُ الصبيَّ الصغير ولكن حين وصل إلى سن البلوغ طلبوا منه المغادرة، فلا يصح أن يختلط بنسائهم بعد الآن، وهكذا بدأ يبحث عن جماعته، وعرف من رفاقه أنهم يعيشون في حي الشرفية بعد أن جاؤوا مثله إلى جدة في رحلات متفرقة سيرًا على الأقدام. هناك بنى لنفسه عشة صفيح وبدأ حياته القاسية، وفي ذهنه فكرة واحدة. إذا رزقه الله بأبناء سيعلِّمهم أفضل تعليم. يقول عبدالله: «آمن أبي بتلك الفكرة وهو بين الحضر. قال لنفسه إن الفارق بيننا وبينهم أنهم يحرصون على تعليم أبنائهم، ولا يمكن أن أدع أولادي يعانون كما عانيت. حكى لي القصة وكان يسرح كثيرًا وفي عينه ذلك الفزع من الوجود، ومن تقلبات الأيام. لولا أبي ما كنت ولا كانت العائلة الكبيرة، وتلك القسوة التي واجهها تلهمني على الدوام».
انتقل عبدالله مع أسرته وهو دون الخامسة إلى حيٍّ للطبقة الوسطى اسمه «النزهة» بالقرب من مطار جدة. صار جيرانهم مدرسين ومهندسين وموظَّفين في المطار بعد أن كانوا عتَّالين وحدادين ونجارين. يحكي: «لعبت الصدفةُ دورًا رائعًا في علاقتي بالكتب. عرفت من ابن الجيران وصديق الطفولة المقرب أن أباه صحفي، اصطحبني ذات يومٍ إلى بيته، وهناك ذهلتُ لمرأى مكتبتهم، سألت نفسي: متى جمع أبوه كل هذه الكتب والمجلدات وكم صرف ليقتنيها؟ سحبتُ كتابًا بترددٍ لكن صديقي ساعدني بمحبة. طالعتُ الغلاف، وبعض الصفحات الداخلية، وسألته إن كان بإمكاني استعارته، فهمس في أذني: طبعًا لكن لا تخبر أبي»!
في تلك المكتبة عرف كتب التراث، والشعر الحديث، خاصة دواوين نزار قباني، وكذلك الروايات. يقول: «كانت مكتبته مليئة بشتى المعارف، كتب ومجلات وصحف يومية وشرائط أفلام. صار بيت صديقي ملاذي، ولو دخلت مكتبتي الآن ستجد أنها صورة من تلك المكتبة».
يضحك قائلا: «الكتب في كلِّ مكان حولنا، تكاد أن تطردنا خارج البيت. الحكاية تبدو مضجرة، لكن هذا ما أنا عليه. وأسرُّ لك بأن أسئلة أبنائي عنها تعجبني، مرة كنا نرتِّبها وننفض عنها الغبار، أنا واثنان منهم، أحبَّا أن يختبراني، كلما ناولني أحدهما كتابا يسأل عن محتواه، فأجيب بسرعة، ولما ثقل عليَّ الأمر، نظرت إليهما فضحكا، أخبراني باتفاقهما على امتحاني، قلت لهما: وهل نجحت؟! قالا: لم نكن نصدق أنك قرأت كل هذه الكتب! قلت لهما كما قال أحد الكتَّاب -أظنه أمبرتو إيكو- «قرأتها مرة واحدة فقط»، ضحكنا وبدأنا نتحدث عن جماليات المكتبة. اتفقا معي لكن أحدهما لم يقع في غرام القراءة حتى الآن، أتذكر الآن أن صديقي وابن جارنا الصحفي رغم وجود مكتبة أبيه الضخمة ليس قارئا، بل أظنه استغرب فكرة أنني قارئ. أعتقد أن العلاقة مع الكتب لا ترتبط بالضرورة بتحصيل المعرفة، وإنما بفتنةٍ ما، شيء سحري وجدته أنا في المكتبة، بينما يمكن أن يجده غيري في الطبيعة، لا أود أن أبدو كمن يتنصَّل من مديح المكتبة، لكن بالفعل أظن أن التعلق بها طابع شخصي، أشتركُ فيه مع كثيرين حول العالم، لكن البعض لديه طابع شخصي آخر، وهو منسجم معه، ويعده وسيلة معرفة، السفر مثلًا ومشاركة الناس شتى المعارف، أنا لا أنسجم معها لكنني لا أنكرها».
تنقَّل عبدالله مع الأسرة دائما بين مدينتين. كان الأب يصطحبهم من جدة إلى ينبع، حيث تعيش جدته لأمه آخر أعوامها، ليقضوا الصيف كاملًا عندها. وربما بسبب شيخوختها لم تصبح مصدرا للحكاية مثل بقية الجدات، لكن ينبع الصغيرة جعلتهم يعيشون أحلاما جميلة كل يوم، إذ يصطحبهم أبناء الخالة للبحر في رحلات صيدٍ رائعة، شاركوه معهم إعداد الطُعوم والصنَّارات والشِّباك، ومن خلال أحاديثهم عرف أنواع سمك البحر الأحمر، الهامور والناجل والشعور وأبو عدس. ثم يعودون في نهاية اليوم بحملهم متهللين ليسكتوا قرقرات بطونهم في حفلات الشواء. يقول: «تلك الرحلات الصيفية أفادتني، فبعد تخرجي من الجامعة استلمت تعييني في «ينبع» مدرسا للغة العربية، ما جعلَ معرفتي عميقة بالجو العام وبطابع الناس فيها، الناس يعرفون بعضهم، حتى أنهم يحفظون أرقام سيارات جيرانهم، لو جاء غريب يبدو مكشوفا مثل قرموط في سرب بياض. تلك المدينة أسرتني فلم أغادرها، وحين يسألني إخوتي: متى تعود إلى جدة؟ ألا تشعر بالحنين إليها؟ أقول: أنا مرتاح في «ينبع». لحسن الحظ أنهم زهقوا من سؤالي، أو ربما احترموا في قرارة أنفسهم خياري في العزلة. لقد صرت ذلك الإنسان الذي يملك مكتبة ضخمة، ويكرِّس حياته للقراءة والكتابة، ولا يمكن أن أضحِّي بمدينة تمنحني ذلك الكنز».
ويضيف: «قلبي موزَّع بين جدة وينبع، جدة مستودع الذكريات، وفيها حصلت الأمور المدوية، ربما المخزية أيضا، فيها خليط من المشاعر المعقدة، حب وألفة مع كراهية وقسوة، فيها مقبرة السلالة، كما أن فيها بستان الشوق، لكنها تغيَّرت كثيرا، اختفى بيت العائلة، هذا الأمر كان بمثابة اختفاء نجم في السماء، لا يمكن أن أصف لك مقدار الأسى الذي حصل عندما جئت في زيارة ولم أجد المنزل، لقد باعه الورثة، واشتراه مطور عقاري. كم كان منظر غياب البيت مفزعا. أما «ينبع» فقد جعلتني أصنع علاقة صحية مع المدينة، بلد ساحلي، شوارع بلا ازدحام، ليست مغرية لشخص يهتم بتكوين العلاقات والأعمال، لكنها مثالية لي لأنها أعطتني فرصة ألا أكون مرئيا، هي فرصة جيدة لإعادة التفكير والتأمل بعيدا عن صخب العائلة الكبيرة، والارتباط بالذات أكثر».
أسأله ماذا كان أول كتاب قرأته؟ فيجيب: «سأكون كاذبا لو قلت إنني أستطيع أن أتذكر الكتاب الأول، لكن الدهشة الأولى كانت شعرية لا سردية، ولم تكن قصيدة، بل مجموعة دواوين لنزار قباني، وفي فترة الجامعة تلقيت الدهشة الثانية، أقصد الشعر التراثي ولم يطل تعلقي به، فأحد الأساتذة درَّسنا مادة الأدب الحديث، وعرَّفنا على قصيدة النثر. هنا توقف مؤشر بوصلتي إلى الأبد، فقد عرفت انتمائي».
ما التكوين الذي جعلك شاعرًا لا روائيًا؟ يقول: «أعتقد أنه المجاز. الشعر موجود كما تعلم في تكويننا جميعا لكن بنسب وظروف مختلفة، الناس العاديون قد يستخدمونه في حياتهم اليومية دون أن يفكروا في تدوينه، أما نحن فندونه».
متى حاول عبدالله أن يكتب قصيدة لأول مرة ومَن شجَّعه؟ يقول: «لا أذكر البدايات بالتحديد، وكل فترة تولد فيَّ ذاكرة جديدة. الشاعر يولد كل يوم. تستيقظُ من النوم، وتحاول ترتيب وجودك وتتأمل حياتك. تعيد اكتشاف العالم، ولأنك شاعر تعبِّر بالشعر، الملحن يفعل ذلك أيضاً، لكنه يدندن، ويحوِّل ما يدندنه إلى لحن، وكذلك الفنان التشكيلي، مرة قرأت عن سلفادور دالي أنه كان يرسم مباشرة فور استيقاظه، ربما لأنه حاول أن يرسم أحلامه وكوابيسه قبل أن ينساها. لهذا حين تسألني عن أول قصيدة ربما أقول لك هي القصيدة التي كتبتُها قبل عدة أيام على جهازي المحمول».
ويضيف: «أما ما يخصُّ التشجيع، فصدقًا يخيفني، لذلك أراوغه كثيرًا، أشعر بالطمأنينة حين أبقى في الظل وسط تجاهل الأقران التام. أترك إدارة الدفة للشاعر داخلي، لا أدري إلى أين يأخذني، ولا أود أن أعرف، أود أن تكون علاقتي به جادة على هذا النحو، وكأنها مسألة مصيرية، وأن أكتب عند الضرورة. لأكون أمينًا معك لا أريد من الشعر شيئًا على الإطلاق، أنا ممتن لوجوده وهذا يكفيني، ولا يهمني التشجيع، لأنه لا يزيدني أو ينقصني».
لكل شاعر قصة حب عنيفة، وفي مجتمع كان منغلقًا حتى فترة قريبة لم يكن مسموحًا بالحب إلا من طرف واحد. يقول: «لأجعلك ترتاح، أنا لا أستطيع أن أعيش بلا حب، ولكي ترتاح أكثر الحب من طرف واحد هو الحب الذي أعترف به أصلاً، ربما تجد هذا المعنى متكررًا في جميع قصائدي، الحب شأن شخصي، وأنعم أداة لتعذيب الذات، من أوائل الدهشات، قول نزار: «الحب في الأرض بعض من تخيلنا * لو لم نجده عليها لاخترعناه»!
أسأله: هل حقق لك ديوان «يهجم يهجم يهجم» ما تبتغيه؟ يجيب: «قلت لك أنا لا أريد من الشعر شيئًا، أنت لا تصدقني ربما. حسنًا. بماذا ترد لو قلت لك إنني نسيت الديوان، وأنت الآن تذكرني به؟! الشعر ما زال يهجم يهجم يهجم، أحيانًا أتمنى ألا يفعل ذلك، أود أن أهجم أنا بدوري على الحياة. الشعر غريب في مواجهة الحياة. الأصدقاء خدعوني وقالوا لي إنه ديوان جيد، وأنا سعيد بخداعهم هذا. لقد عشت فترة طويلة لا أُطلِع أحدًا على قصائدي، أغلقت الباب تمامًا، وكانت هجمة الشعر قاسية جدًا عليَّ، وسألت نفسي: إلى متى تصده؟! ثم قررت أن أفتح له الفضاء. في قرارة نفسي أعلم أنني ألعب، وأن اللعبة انطلت على الأصدقاء ودفعوني إلى طباعة الشعر، وأنا أعلم أنهم يلعبون أيضًا، إنها دوخة حرة كما يقول كيركجارد. هو يأخذها إلى بُعدٍ فلسفي بينما نحن نستعملها في الشعر، إنها حفلة سيرك».
يقترب عبدالله من أعوامه الخمسين، وهو يضع قدمًا في جيل التسعينيات وقدمًا في جيل الألفية. يعلق: «ليست لديَّ حساسية من فكرة الجيل، لكنها أمور تخدم البحث الأكاديمي، شخصيًا أنا غير معني بها، لكن إذا أردت الحقيقة أخبرك بأن حساسيتي الشعرية تنتمي إلى جيل التسعينيات، أحب طبيعة انفعالهم الشعري، رغم أني عمريًا لست منهم، هل تعرف ذلك الشخص الذي يحب مجالسة الأشخاص الأكبر عمرًا؟ أنا واحد ممَّن يكرهون جيلهم الحقيقي، هناك تفاصيل فنية كذلك، حساسية جيل التسعينيات مفعمة بالشباب، تحس أن قصيدتهم لديها ذلك العداء المحبَّب مع البلاغة، كما أنهم لا يكبرون يا أخي، أنا أحب أن أكون منهم، وأريد أن أبدو أصغر دائمًا».
عبدالله ناقد صعب. كل مقال له يثير الغبار والقلق، فهو يستهدف الكتَّاب الكسالى، ولا يخجل أن يذكر أخطاءهم على الملأ.. فهل يزجر الناقد داخله الأديب؟ وهل يلطِّف الأديب داخله شخصية الناقد؟ يقول: «النقد أعطاني الكثير، فتح مداركي، ولم يكبلني، أنت تعرف أين أجدت وأين أخفقت سلفًا، بهذا المفهوم لا يعود النقد قيداً، يستحيل إلى معرفة بالصناعة، وأنا أحب النقد جدًا، ويمتعني كما يمتعني الشعر تماماً، لكن النقد حسب فهمي هو الحوارية المستمرة، النقد هو محاولة لتفسير الجمال، ربما تفسير القبح أيضاً، كما أن النقد عملية انغماس في النص، وهذا أشد ما يمتعني فيه. لذلك لا زاجر ولا مزجور، ببساطة عملية تفكير متعمقة في النص، والأشخاص الذين لديهم حساسية من النقد عليهم أن يراجعوا أنفسهم».
أسأله: مَن أفضل شاعر وروائي عربي على قيد الحياة؟ فيجيب: «لا أعرف، أنت تجبرني على اجتياز الصعب. الحقيقة هناك كثيرون، شعراء وروائيون من أجيال مختلفة، ومن أنماط أسلوبية مختلفة، لكن بالمجمل لا أستطيع تحديد تجربة كاملة، الأعمال المفردة هي ما يلفت انتباهي، وأعتقد أنني في يوم من الأيام سأجمع تلك الأعمال المفضلة في مكتبة خاصة، ومعها الأغاني والأفلام. نحن نظلم أنفسنا حينما نفضل تجربة كاتب، لا أصدق التفضيل بالجملة، أحب أن أنتقي شيئًا من هنا وشيئاً من هناك، هذا هو الطبيعي، أليس كذلك؟».
ما تصرفات الأدباء التي تستفزك؟ يقول: «يستفزني أي أديب يتعامل مع الفن بجدية، أفضل أن ينقل هذه الجدية إلى النص، كثيرون يصنعون هالة حول أنفسهم بالجدية المفرطة، ودائمًا ما أقول لو كانت حقيقية سنجد انعكاسها في النص».
ماذا يتوقع عبدالله من الكاتب؟ يجيب: «من الكاتب: لا شيء، أما من الكِتاب: أن يكون جميلًا، ومخلصًا للفن». ومتى تقول لنفسك: لن أكون هذا الشخص؟ يضحك ويقول: «لا أعرف صدقًا، هذا السؤال يفجر أمامي كل عيوبي التي أعرفها بالفعل، وأعرف أنني حتى أموت سأظل أعالجها، وبالمناسبة ربما أكون عرفت تلك العيوب في نفسي من اشمئزازي منها لدى الآخرين، فشكرًا لكل إنسان ظهر منه تصرف مخجل أو لا إنساني، فقد وضعني أمام مرآتي مباشرة، وأنا الآن أحاول ترقيع عيوبي».
أسأله أخيرًا: ما حلمُك للأدب؟
فيقول: «مَن أنا لأحلم للأدب؟! أنا أقلُّ من ذلك، فقط أتمنى ألا يستثمره أشرار العالم»!
حسن عبدالموجود صحفي وقاص مصري