أعمدة

" صُوَر "

١ ـ سألت بائع 'الكميم' الوافد، الذي كنت أتردد على محله بسوق السيب منذ سنوات مضت، عن أجود ما لديه، بعد انقطاع طويل. استخرج الرجل مجموعة محدودة كان يخبئها في أدراج تحت طاولة العرض. إنها عادة بائعي ' الكميم' الذين يوهمونك أن المخبأ غالٍ.
اخترت ثلاثا منها وسألت عن الأسعار رد : ٩ ريالات، ١١ ريالًا، ١٢ ريالًا، أضفت ممازحًا : ' هيا أخرج من الأدراج السُفلية ذات الجودة العالية، فأنا أعرف أن لديك الأجود. أحنى قامته وفرد مجموعة جديدة، اخترت واحدة فقط، وبدون أن أسأله : ' ١٨ ريالًا ومع التخفيض الخاص لك سيكون 16 ريالًا'.
استوعب الرجل ما أرمي إليه، ودون أن ينتظر أي تعليق مني : 'منذ سنوات ونادر من يأتي ليبحث عن الجودة، الجميع يعرف أنها مُكلفة والناس يبحثون عن 'الكميم' زهيدة الثمن، ونحن أيضًا لم نعد نجلبها؛ لأنها ستظل بلا مشتر، هل تتصور أن الكثيرين اليوم، يستطيعون شراء ' كُمة ' بخمسين ريالًا؟ : 'خمسين ريال باباه، هذا فلوس واجد ، يجيب جونية أيش برابر، وشكر وتمات، وكرتون دجاج ومله ' إنته وين آآيش ؟'.
٢ ـ في محطة الوقود ، فتحت نافذة المركبة ، توجهت إلى الرجل الستيني الذي يقوم بمهمة تعبئة المركبات: ' عشرة ريالات صديقي'. أغلقت النافذة حتى لا تتسرب رائحة الوقود إلى الداخل، عاودت فتحها بعد دقائق معدودة، خفّضتُ صوت الإذاعة، سلمته بطاقة دعم الوقود، أعادها إليّ وهو يقول بعد أن شكرته : 'جزاك الله خير أخوي'، أحسستُ بالخجل الشديد، وبعض من المشاعر المختلطة وكثير من اللوم .
٣ ـ كنت أقف خلفه في الطابور، هناك حوار هادئ لا يكاد يُسمع دار بينه وبين المحاسب الشاب، بدا الرجل مُشكِكًا في سعر السلع التي جلبها، فجأة توقف سير الطابور، طلب الرجل من الشاب أن يذهب إلى حيث مكان السلعة في الأرفف ويحضر الملصق الذي دُوِن عليه السعر، فهو الأصدق إنباءً من المدونُ على برنامج الحاسوب الذي أمامه.
عاد المحاسب سريعًا، وفي يده الملصقُ الذي أجتثه من مكانه على طرف كيس الأرز، قال وكله امتنان : 'جزاك الله خير الوالد لو نته سكت وحاسبت ورحت، كنت أنا راح أدفع ٦٥ ريال من راتبي، والراتب كما نته تعرف 325 ريال.'
٤ ـ جاء في الرسالة التي تستعذب المرأة إرسالها، بين كل فترة وأُخرى في مجموعات الجارات التي تتناسل كل يوم، إن الأحوال لم تتحسن، بل تتجه نحو الأسوأ، مما يستدعي الاستمرار في حملة الدعم المتواصلة لأسرتها الفقيرة، التي تكفلت الجارات بدعمها.
تلعن المرأة في كل مرة في منشوراتها التي تقطر ألمًا الفقر والعوز والحاجة ، وتُذكرُ أنها ' لا تشحت ' ولا ' استحلت الطِلبة ' وأنها خجلى من تكرار فعلها لكنه الزمن الصعب وغلاء المعيشة وزيادة المتطلبات والفواتير.
بعد أيام من الحملة المحمومة التي لا تخلو من عاطفة أنثوية، شُوهدت المرأة تشتري ملابس جديدة وحقائب مختلفة الأحجام في أحد مجمعات مسقط التجارية، وقبلها سربت الجارات خبر حجزها تذاكر سفر تأخذ الأسرة ' المسكينة ' خارج الوطن ' فالسفر' ليس حراما على هذه الأسرة حلال لغيرها .'
النقطة الأخيرة ..
للمرة العاشرة أعاود النظر في المرآة، أتفحص ملامح الشخص الماثل أمامي بدِقة، هذا الرجل أعرفه، هذا الرجل لا أعرفه!! .