أفكار وآراء

اعتماد آليات المساءلة والمحاسبة للجهات الحكومية

اجتماع مجلس الوزراء هذا الأسبوع كان دقيقا جدا بمتابعة الأداء الحكومي بشكل شامل وأيضا تطرق إلى جوانب متعددة قد تكون تفصيلية، ولكنها تعتبر الأساس في تجويد العمل الحكومي ومتابعة الوصول إلى النتائج المرجوة. ولذا؛ حسب ما ورد من نتائج اجتماع المجلس، فإن صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - اعتمد بداية هذا العام آليات المساءلة والمحاسبة لجميع الجهات الحكومية وفقا لنتائج أدائها السنوي. تجدر الإشارة إلى أن آليات المساءلة والمحاسبة تعتبر من المبادئ العامة التي يتم على أساسها تقييم الأداء، ليس فيما يخص الأفراد وإنما أيضا الجهات الحكومية بكافة قطاعاتها. كما أن الأداء الكلي للعاملين بالجهات الحكومية يؤثر تأثيرا مباشرا على الأداء المؤسسي أو الحكومي. وبالتالي، من الحكمة أن تم البدء في تطبيق منظومة الأداء الفردي وبعدها إطلاق منظومة الأداء المؤسسي، حيث إنهما منظومتان متشاركتان. فالبداية من الخطط الفردية للموظفين التي تستسقى من الخطط السنوية للوحدات والتي بعد ذلك تتم مواءمتها مع الخطة الاستراتيجية أو الخمسية للدولة. في نهاية المطاف، يجب أن تكون تلك الخطط تنفيذا لمستهدفات «رؤية عُمان 2040»، التي توضح المسار الذي نريد الوصول إليه في نهاية مدة الرؤية. 

بعد ثلاثة أشهر تقريبا تكون «رؤية عُمان 2040»، قد أكملت الربع الأول -خمس سنوات- من انطلاقها ونبدأ في الربع الثاني في بداية العام المقبل. وحسب مقاييس الأداء، فإن الأمل أن تكون الأولويات الوطنية وعددها اثنتا عشرة أولوية منها: التعليم بكافة قطاعاته، والصحة، والرفاه والحماية الاجتماعية، وسوق العمل والتشغيل قد تحقق منها ما يصل إلى (25 %) من مؤشرات الأداء في كل أولوية وطنية. والجميع يلاحظ أن هناك نموا مستمرا في أغلب تلك الأولويات -وإن كان ليس بنفس الدرجة-، ولكن ذلك النمو يحتاج إلى متابعة ليس بشكل سنوي وإنما فتري للوقوف على التحديات. كما أن رؤية عُمان اعتمدت منذ انطلاقها آلية محددة لتصعيد أية تحديات تعوق التنفيذ، وبالتالي، أي تأخير في تنفيذ البرامج والمشاريع الحكومية المضمنة في الخطة الخمسية الحالية أو القادمة، فإن الجهات الحكومية تكون تحت طائلة المساءلة والمحاسبة لتوضيح الأسباب ومعرفة أوجه الخلل والتقصير. 

المساءلة والمحاسبة الهدف منهما ضمان كفاءة الأداء وتحقيق الأهداف الوطنية. أيضا وردتا ضمن أحد أهداف «رؤية عُمان 2040»، المتمثلة في إيجاد نظام رقابي شامل يحمي المقدرات الوطنية. بشكل عام فإن المساءلة والمحاسبة لهما ارتباط بالحوكمة الجيدة لبيئة العمل الحكومي في أية دولة. على سبيل المثال، في دول الاتحاد الأوروبي يتم ربط أهداف التنمية المستدامة بمفاهيم المساءلة والمحاسبة، حيث إن عدم تطبيقهما قد يُسهم في الفشل في تحقيق تلك الأهداف. أيضا في الولايات المتحدة يقوم مكتب المساءلة الحكومي الذي يتبع الكونجرس بتعزيز المساءلة ومتابعة كفاءة أداء الوكالات الحكومية وطلب التقارير بقصد التقييم العام للأداء الحكومي وتعزيز قيم النزاهة والشفافية. 

اعتماد آليات المساءلة والمحاسبة يعتبر مكملا لمنظومة الأداء الفردي المؤسسي كما يأتي متوافقا مع الممارسات العالمية في أغلب دول العالم، وقد يكون لآليات المساءلة والمحاسبة ارتباط بما يعرف ببطاقة الأداء المتوازن (Balanced Scorecard) والتي هي إطار لإدارة الأداء الاستراتيجي للمؤسسات سواء كانت خاصة أو حكومية. تلك البطاقة تقيس الأداء من خلال أربعة محاور وهي: الجانب المالي، والعملاء، والعمليات الداخلية، وأخيرا، التعلم والنمو. وبالتالي، فإن جملة ما تم استعراضه في اجتماع مجلس الوزراء من نتائج متابعة وتقييم العمل الحكومي له علاقة بمحاور الأداء المتوازن. 

الجانب المالي، عبارة عن الميزانية السنوية التي تمنح للجهات الحكومية والتي تتضمن برامج وأهدافا ومشاريع تشغيلية وإنمائية، بحيث يتم تنفيذها حسب البرامج التنفيذية المعتمدة للجهات الحكومية. وبالتالي، المؤشرات المحققة لتلك البرامج تعطى المدى الذي تحققت معه تلك الأهداف. العائد على استخدام الميزانيات السنوية يجب أن يكون بكفاءة عالية، وهذا يتم من خلال التقارير المالية التي تعدها الجهات الحكومية والتي توضح في نهاية السنة المالية مدى تحقيق فائض أو عجز. ولا يكتفى بأن يتم صرف المخصصات المالية في الجوانب المعتمدة وإنما يجب أن يكون العائد على الإنفاق مرتفعا وهذا يحدده العملاء. وفي السياق الحكومي العملاء هم المواطنون أو المستفيدون من الخدمات الحكومية، الذين ينبغي معرفة مدى رضاهم عن الأداء السنوي للجهات الحكومية. الإجادة المؤسسية تتضمن أيضا مؤشرات تقيس معدلات رضا المستفيدين والذي يجب أن يكون مرتفعا، وإن كان رضا المستفيدين أقل من المؤشرات المحددة، فإن الجهات الحكومية يكون لازما عليها توضيح أسباب ذلك وآليات التحسين في المستقبل. 

كما أن منصة «تجاوب» والتي تدل على اتباع نهج الشفافية بين المواطنين والمقيمين والزائرين لسلطنة عُمان، حيث يمكنهم جميعا استخدام الخدمات التي تقدمها المنصة للتقدم بالبلاغات والاستفسارات والشكاوى. المنصة بمثابة أداة لتقييم أعمال الجهات الحكومية في مدى تمكنها من التجاوب السريع في كل ما يتم طرحه من مواضيع تخص العمل الحكومي. كما أن كثيرا من الجهات الحكومية تقوم بشكل فتري بتحليل ما يرد إليها لمعرفة معدلات الإنجاز والتي يتم نشرها بوسائل التواصل الاجتماعي. ولكن في الجانب الآخر، هناك بعض من الجهات الحكومية لا تتجاوب بكفاءة عالية. على سبيل المثال، الجهات الحكومية التي يرتفع بها معدلات الشكاوى يعطي مؤشرا على وجود خلل في الإنتاجية وفي أداء الوحدة الحكومية، وقد يقود ذلك إلى الحاجة نحو قيام الجهات الحكومية بإعادة النظر في العمليات الداخلية -تعتبر العامل الثالث لبطاقة الأداء المتوازن- لتقليل الوقت والتكاليف في تلك العمليات وأيضا تقصي الحقائق والتحقيق في حال وجود شكاوى في المعاملات اليومية أو المشاريع الحكومية والعمل على حلها أولا بأول دون تأخير. 

ثم نأتي للعامل الرابع وهو التعلم والنمو. الجهات الحكومية ينبغي لها ألا تبقى في نفس مستوى الإنتاجية وطريقة تقديم الخدمات، فهي مطالبة بالتعلم مع المستجدات الحديثة، على سبيل المثال، في قطاع التعليم، الصحة، ومنصات التوظيف والتشغيل لكي تقوم بتطوير خدماتها المؤسسية التي تقدمها للمستفيدين. هذا قد يتم بالاستمرار في تطوير الكفاءات البشرية واستدامتها وتعزيز ثقافة الابتكار المؤسسي. عليه في حال أشاد مجلس الوزراء بقطاعات معينة، فإن ذلك يدل على النمو والتطور وإن الجهات الحكومية استطاعت تحقيق أهدافها السنوية. عكس ذلك في حال أن مجلس الوزراء يطالب الجهات الحكومية -بشكل متكرر- التكامل فيما بينها، وتذليل الصعوبات المتعلقة بقطاع التشغيل والتدريب والذي هو هاجس يؤرق الجميع، والعمل على متابعة آليات السياسة الوطنية للمحتوى المحلي. فإن الجهات الحكومية المسؤولة تكون مطالبة بجهود مضاعفة مع تحقيق معدلات رضا عن الخدمات المقدمة للمواطنين بنسب أكبر للوصول إلى الطموحات الوطنية. 

نختم بالقول إن المرحلة المقبلة وفي إطار إعداد الخطة الخمسية الحادية عشرة فإنه ينبغي على الجهات الحكومية أن تتقبل جوانب النقد في القرارات التي تتخذها وتعمل على تقديم التوضيحات والاستفسارات لكل من يطلبها سواء كانت جهة حكومية أو مواطنا. أيضا العمل على تصحيح أية انحرافات في مسار العمل الحكومي لكي تنأى بنفسها عن إجراءات المساءلة. كما أن المحاسبة وهي المرحلة التالية للمساءلة، فإن على الجهات الحكومية والمسؤولين بها خاصة، أن يعملوا جاهدين على تنفيذ الخطط التشغيلية والاستراتيجية للجهات التابعة لهم بدقة مع متابعة تقييم البرامج التنفيذية المضمنة بتلك الخطط. كما أنه من المناسب الخروج من كآبة العمل الروتيني والمكتبي إلى تطبيق آلية التواصل المستمر مع المواطنين لتذليل الصعوبات التي تحول دون الوصول لمؤشرات الأداء المعتمدة، أيضا تجنبا لدواعي المحاسبة. 

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس