أعمدة

«قمة» الحلم العربي

خرجت القمة العربية الإسلامية «الطارئة» بقرارات نارية، وخطابات ساحقة، ماحقة، وكلام مؤثر، موجع، يضع يده على الجرح، ويصف الحل الناجع لكل المشاكل التي تحيط بالمنطقة، ويبتر أصابع، ويد، ورِجل كل من يفكر في إهانة الكرامة العربية، أو يعتدي على المقدسات الإسلامية، وكانت العبارات محددة، عملية، لا لبس فيها، ولا تهاون، تخترق الآذان، وتزلزل الأركان، وتعيد الواقع، وتحدد الأهداف المعلنة، وغير المعلنة، ووقع الخطاب على رأس العدو الصهيوني وقع الفأس على شجرة طفيلية، وجاء مهددا بأشد عبارات التهديد، والوعيد للكيان الذي عاث فسادا في الأرض، والعرض، وانتهك لأعوام طويلة كل المواثيق الإنسانية، والقوانين الإلهية، وصار عبئا على العالم كله، وحان الوقت لمحاسبته. 

لم ينم قادة «الكيان» ليلة إذاعة البيان، وظلت وجوههم شاحبة، وفرائصهم مرتعدة، ينتظرون ساعة الصفر، ويتهيأون لساعة زوال كيانهم، موقنين أن رحيلهم آتٍ لا محالة، وعودتهم إلى ديارهم الأصلية قادم لا شك فيه، واستخدم العرب لأول مرة عبارات مرعبة، واضحة، جعلت العدو يستنفر قواته، ويعد عدته، وينام هلعا في الملاجئ، ويولول طلبا للنجدة الدولية، ويتوسل طالبا التفاوض، ومستجديا الوسطاء كي يوقفوا هذا الزئير القادم من المحيط العربي الإسلامي، خاصة في البند الذي طالبت فيه القمة دولها بشحذ الهمم، وحشد القوات «المسلحة»، ورفع راية الحرب، والاستعداد لأيام صعبة، وطويلة، وحرب ضروس ستعيد خارطة العالم العربي إلى ما قبل مائة عام، ولتنهي زمن هذا الكابوس المرعب. 

وفي ظل هذه القرارات الطارئة، والاستثنائية الغاضبة، قطعت الدول المطبّعة صلاتها بالكيان المحتل، وسحبت سفراءها، ومزقت اتفاقياتها، وأوقفت علاقاتها التجارية والعسكرية معه، وجمّدت صفقات الأسلحة الضخمة مع الدول التي تساند الصهاينة، ورفعت شعار «الوحدة العربية» من جديد، وبدأت في تغيير لغة الخطاب مع الولايات المتحدة، واستبدلته بلغة المصالح والندية، لا لغة التبعية كما كانت من قبل، وحذرتها من نتائج الغضب الإسلامي، ودعتها إلى سماع الصوت المزلزل للجيوش العربية وهي تهتف للقدس، وللعروبة، وللكرامة المهدورة، وهددت الدول النفطية بقطع النفط والغاز عن كل دولة تدعم الكيان الغاصب، أو تسانده، أو تنحاز إليه، ورفعت عبارة «من لم يكن معي فهو ضدي»، وليس في الأمر رجعة حتى تعود الحقوق إلى أصحابها، ويعود «المهجّرون» إلى أرضهم، مما جعل الولايات المتحدة والدول الداعمة إلى إعادة حسابات مصالحها. 

كان بيانا عاصفا، غاضبا، فاعلا، خرج من عباءته تحالف عسكري أمني عربي إسلامي، مستعد لتدخل عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من فلسطين، وطرد العدو الغاصب من الأراضي العربية المحتلة، ومحو أوهامه التوسعية، وإعادة المستوطنين من حيث أتوا من شتات الأرض، ولذلك اليوم الموعود دعا البيان الدول العربية إلى إنشاء مصانع السلاح الخاصة بها، وضخ أموالها في سبيل استعادة هيبتها، وبث الرعب في قلب العدو، وداعميه، لإغاثة أهل فلسطين، وإنقاذ القدس العظيمة من براثن الغاصبين، واستعادة الأراضي المحتلة بالقوة، لا بمفاوضات الاستسلام، والاستجداء، ووقف الهمجية الإسرائيلية التوسعية، والتحرك الفعلي قبل ذلك لتسوية الخلافات بين الدول الأعضاء، حتى تكون الأرض مهيأة لأي عملية عسكرية قادمة، دون أي خلافات حدودية، أو مذهبية، أو طائفية. 

«كان ذلك البيان المتخيّل، «قمة» الحلم العربي الشعبي، حلم مؤجل بقدر البؤس العربي، والصورة الباهتة التي انطبعت في أذهان العالم كله عن القمم العربية الإسلامية التي لا رجاء في نتائجها». 

مسعود الحمداني كاتب وشاعر عُماني