الأسمدة الكيميائية: بين ضرورة الأمن الغذائي وأعباء الاستدامة البيئية
الأربعاء / 24 / ربيع الأول / 1447 هـ - 10:02 - الأربعاء 17 سبتمبر 2025 10:02
د. سيف بن علي الخميسي -
تشكل الأسمدة الكيميائية عِمادَ الزراعة الحديثة، حيث تسهم بشكل حاسم في تحقيق الأمن الغذائي العالمي عبر زيادة الإنتاجية. غير أن عمليات إنتاجها وتطبيقاتها تثير جدلا واسعا بين التأييد للمنافع التي تحققها والمعارضة للآثار البيئية المصاحبة لها. كما تعد الأسمدة الكيميائية حجر الزاوية في منظومة الأمن الغذائي العالمي منذ «الثورة الخضراء»، حيث تشير التقديرات إلى أنها مسؤولة عن إطعام ما يقرب من 50% من سكان العالم حاليًا. يتناول هذا المقال سلاسل القيمة والتقنيات الصناعية لإنتاج الأسمدة الرئيسية: النيتروجينية (عبر عملية هابر-بوش التي تستهلك 1-2% من طاقة العالم)، والفوسفاتية (التي تنتج 5 أطنان من نفايات الفوسفوجيبسوم لكل طن من حمض الفوسفوريك)، والبوتاسية، بالإضافة إلى خلائط الأسمدة المركبة ( NPK). وفي حين أن دورها في مضاعفة إنتاجية المحاصيل لا يمكن إنكاره، إلا أن بصمتها البيئية تمثل تحديًا هائلا. فهذه الصناعة مسؤولة عن حوالي 1.5% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وتعد المسبب الرئيسي لتلوث المسطحات المائية بالمغذيات (التخثث).
كما يحلل المقال الأثر البيئي لهذه الصناعة، مستعرضا استهلاكها المكثف للطاقة والمياه، وانبعاثات الغازات الدفيئة، وتوليد المخلفات، مع الإشارة إلى أطر العمل التنظيمية وأفضل التقنيات المتاحة للتخفيف من هذه الآثار. ويتناول الاتجاهات الحديثة الهادفة إلى «إزالة الكربون» من الصناعة، مثل استخدام الهيدروجين الأخضر وتقنيات استرداد المغذيات في إطار الاقتصاد الدائري. ويستعرض المقال الجدل المحتدم بين المؤيدين الذين يركزون على الكفاءة والإنتاجية، والمعارضين الذين يسلطون الضوء على تجاوز الحدود الكوكبية لدورات النيتروجين والفسفور. كما يناقش الاتجاهات الحديثة الواعدة مثل «الأمونيا الخضراء»، ومبادئ الاقتصاد الدائري التي قد ترسم ملامح مستقبل أكثر استدامة لهذه الصناعة الحيوية، التي تجاوز حجم سوقها 200 مليار دولار أمريكي. ويختتم المقال بموازنة لحجج المؤيدين (الدور في دعم الإنتاج الغذائي) والمعارضين (التلوث واستنزاف الموارد)، مقدما توصيات تستشرف مستقبلا أكثر استدامة لهذه الصناعة الحيوية، مع التركيز على منطقة الخليج كدراسة حالة ناشئة في مجال الأمونيا منخفضة الكربون وإنتاج الهيدروجين الأخضر.
الأسمدة الكيميائية
للإنتاج الزراعي الحديث
الأسمدة الكيميائية، أو المعدنية، هي مركبات مصنعة تمد النباتات بتراكيز عالية من العناصر الغذائية الأساسية لنموها. تنقسم هذه العناصر بشكل أساسي إلى المغذيات الكبرى (Macronutrients)، التي يحتاجها النبات بشكل أساسي وبكميات كبيرة، وهي النيتروجين (N)، والفسفور (P)، والبوتاسيوم (K). ويلعب كل عنصر من هذه العناصر دورًا لا غنى عنه. فالنيتروجين هو المكون الجوهري للكلوروفيل والأحماض الأمينية التي تبني البروتينات، والفسفور ضروري في مركبات نقل الطاقة (ATP) والحمض النووي (DNA)، بينما ينظم البوتاسيوم عمل الإنزيمات ويتحكم في حركة المياه داخل النبات، مما يعزز مقاومته للجفاف والأمراض. إلى جانب هذه الثلاثية الأساسية، توجد المغذيات الثانوية والدقيقة (Secondary and Micronutrients)، مثل الكالسيوم والكبريت والمغنيسيوم والحديد والزنك، التي رغم الحاجة إليها بكميات ضئيلة، إلا أن غيابها يمكن أن يعيق نمو النبات بشكل كبير. ولقد أحدث توفير هذه العناصر بشكل صناعي ثورة في الزراعة، وأسس لصناعة عالمية ضخمة قدرت قيمتها بأكثر من 215 مليار دولار أمريكي في عام 2023م، ومن المتوقع أن تستمر في النمو لمواكبة الزيادة السكانية العالمية التي يتوقع أن تصل إلى 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050م. ويتأثر إنتاج هذه الأسمدة بعوامل معقدة تشمل أسعار الطاقة، والجيوسياسية، والطلب العالمي على الغذاء. وتشير توقعات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى نمو مطرد في الطلب، مدفوعاً بزيادة عدد سكان العالم والحاجة إلى تكثيف الإنتاج الزراعي في وحدة المساحة، مع تحول متسارع نحو تبني ممارسات أكثر استدامة وكفاءة أعلى في استخدام المغذيات. في العام 2022م قدرِت كميات استخدام المغذيات غير العضوية بنحو 185 مليون طن من العناصر الثلاثة الأساسية مجتمعين، مسجلة تراجعًا نسبيًا عن عام 2021م نتيجة لتقلبات الأسعار والطلب. النمو طويل الأمد لا يزال قائمًا لكنه بات أكثر حساسية لأسعار الطاقة والمواد الأولية التي تدخل في صناعتها.
نشأة الأسمدة الكيميائية
وعلاقتها بالثورة الخضراء
تعود جذور صناعة الأسمدة الحديثة إلى أوائل القرن العشرين مع اختراع العالمين الألمانيين فريتز هابر (Fritz Haber) وكارل بوش (Carl Bosch) لعملية تصنيع الأمونيا الاصطناعية، وهي إنجاز حصلَا عليه على جائزة نوبل وقد غير مسيرة التاريخ البشري.
ومع منتصف القرن العشرين، شكلت الأسمدة الكيميائية، إلى جانب أصناف المحاصيل عالية الإنتاجية وتحسين تقنيات الري، الركيزة الأساسية لما عرف بـ«الثورة الخضراء» (Green Revolution) التي قادها العالم نورمان بورلوغ. وقد أنقذت هذه الثورة ملايين البشر من المجاعة وزادت الإنتاجية الزراعية بشكل غير مسبوق، لا سيما في دول العالم النامية، مما عزز الدور المحوري للأسمدة الكيميائية في نظم الإنتاج الغذائي العالمية.
قبل القرن العشرين، كانت خصوبة الأراضي تعتمد على مصادر عضوية محدودة كالسماد الحيواني والبقوليات كمثبت للنيتروجين، ومصادر معدنية نادرة مثل (ذرق الطيور Guano)، مما جعل الإنتاج الزراعي مقيدًا. نقطة التحول التاريخية لاختراع عملية (هابر-بوش Haber-Bosch Process) في عام 1909م كانت الإنجاز الذي مكّن البشرية لأول مرة من تثبيت النيتروجين الوفير في الغلاف الجوي وتحويله إلى أمونيا على نطاق صناعي هائل. هذا الاختراق التكنولوجي هو الذي أشعل فتيل «الثورة الخضراء» في ستينيات القرن الماضي. فعندما تم الجمع بين هذه الأسمدة النيتروجينية الرخيصة والمتوفرة، وأصناف القمح والأرز الجديدة عالية الغلة التي طورها علماء مثل نورمان بورلوغ، شهد العالم طفرة إنتاجية غير مسبوقة.
على سبيل المثال، تضاعفت إنتاجية القمح في الهند ثلاث مرات بين عامي 1965 و2000م، وهو إنجاز أنقذ مئات الملايين من براثن المجاعة وما كان ليتحقق بدون الأسمدة الكيميائية.
الأسمدة النيتروجينية.. من الهواء إلى الحقل
تهيمن الأسمدة النيتروجينية على السوق العالمي، حيث يصل إنتاج الأمونيا، وهي المركب الأم، إلى حوالي 185 مليون طن متري سنويًا. تبدأ سلسلة القيمة المعقدة لإنتاجها بالغاز الطبيعي، الذي يخضع لعملية (إصلاح البخار والميثان SMR) عند درجات حرارة شديدة الارتفاع لإنتاج غاز تخليقي مكون من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون. بعد ذلك، تأتي خطوة تفاعل انزياح الماء والغاز لزيادة إنتاج الهيدروجين، قبل أن يفصل الهيدروجين النقي ويضخ مع النيتروجين المستخلص من الهواء إلى قلب العملية (مفاعل هابر-بوش). وتحت الضغط والحرارة الهائلين وبوجود محفز قائم على الحديد، يتحد العنصران لتكوين الأمونيا. تستخدم الأمونيا المصنعة كقاعدة لإنتاج مجموعة من الأسمدة الأكثر استقرارًا وسهولة في الاستخدام. المنتج الأكثر شيوعًا هو اليوريا، التي تتميز بمحتواها النيتروجيني الأعلى (46%) وتكلفتها المنخفضة، ولكنها عرضة لفقدان جزء من نيتروجينها عبر تطاير الأمونيا إذا لم تخلط جيدًا بالتربة. البديل الآخر هو نترات الأمونيوم، وهي أقل عرضة للتطاير ولكنها تتطلب طاقة أكبر في الإنتاج وتحيط بها مخاوف تتعلق بالسلامة والتخزين. ولمزيد من المرونة، تم تطوير محاليل اليوريا ونترات الأمونيوم السائلة التي تجمع بين مزايا كلا النوعين وتوفر سهولة فائقة في التطبيق الميداني. تجدر الإشارة هنا إلى أن عملية هابر-بوش وحدها تستهلك ما يقرب من 1-2% من الطاقة العالمية وتنتج حوالي 1.4% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. عند تطبيق الأسمدة النيتروجينية يحدث فقدان عبر: التطاير (volatilization) كأمونيا، وغسيل النترات (leaching) إلى المياه الجوفية، وانبعاث أكسيد النيتروز(N₂O) أثناء التحلل الميكروبي -وهو غاز دفيئ له قدرة احتباسية أعلى بكثير من ثاني أكسيد الكربون (CO₂)- وتقدر الانبعاثات المباشرة من إنتاج الأمونيا على مستوى عالمي بنحو 450 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون (CO₂) سنويًا (قيمة مرجعية لقطاع الأمونيا الكمي)، فيما تعزى الانبعاثات الإضافية نتيجة الكهرباء والتطبيقات الحقلية (انبعاثات N₂O من التربة عند تطبيق النيتروجين). تشير عدد من المراجع إلى أن الحد من خسائر النيتروز (N₂O) يتطلب تحسين الممارسات الزراعية (الجرعات الملائمة، التوقيت، الأسمدة ذات التحرر المتحكم).
الأسمدة الفوسفاتية..
استخلاص «عنصر الحياة» من الصخور
يعتمد العالم في تأمين احتياجاته من الفوسفور على صخور الفوسفات، وهي مادة خام تتركز احتياطياتها في عدد محدود من البلدان، وعلى رأسها المغرب الذي يمتلك أكثر من 70% من الاحتياطيات العالمية، تبدأ عملية التصنيع بتعدين المادة الخام وتنقيته، حيث يتم استخراج صخور الفوسفات من المناجم السطحية ثم غسلها وتنقيتها لإزالة الشوائب العالقة بها. ولرفع (تركيز الفوسفات P₂O₅) يدخل الخام المركز في ما يسمى بـ«العملية الرطبة»، حيث يتفاعل مع حمض الكبريتيك لإنتاج حمض الفوسفوريك، وهو المادة الوسيطة الأساسية. هذه العملية، رغم كفاءتها، تولد تحديًا بيئيًا هائلًا يتمثل في إنتاج كميات ضخمة من الفوسفوجيبسوم كمنتج ثانوي، حيث ينتج أكثر من 250 مليون طن منه سنويًا ويكدس في أكوام عملاقة تشغل مساحات شاسعة. يستخدم حمض الفوسفوريك المنتج لاحقًا لتصنيع مجموعة متنوعة من الأسمدة الفوسفاتية عالية التركيز. من بين هذه المنتجات السوبر فوسفات الثلاثي (TSP)، الذي يتميز بتركيزه العالي من الفوسفور مقارنة بالسوبر فوسفات الأحادي (SSP). ومع ذلك، فإن الأسمدة الأكثر هيمنة في السوق اليوم هي (فوسفات الأمونيوم الثنائي DAP) و(فوسفات الأمونيوم الأحادي MAP)، ويرجع ذلك لقيمتها المزدوجة؛ فهي لا توفر الفوسفور فحسب، بل تحتوي أيضًا على نسبة مهمة من النيتروجين، بالإضافة إلى قابليتها العالية للذوبان في الماء، مما يجعلها متاحة بسهولة لجذور النباتات. من التحديات البيئية الكبرى المرتبطة بهذه الصناعة هي إنتاج كميات هائلة من النفايات الصلبة المعروفة باسم «الجبس الفوسفوري» (Phosphogypsum)، والتي تحتوي على شوائب مشعة ومواد ثقيلة، مما يتطلب معها إدارة دقيقة ومكلفة.
الأسمدة البوتاسية..
كنوز ملحية من باطن الأرض
يستخرج البوتاس، المصدر الرئيس للبوتاسيوم، من رواسب ملحية قديمة تكونت من تبخر البحار في عصور جيولوجية غابرة، وتتركز عمليات تعدينه في دول قليلة مثل كندا وروسيا وبيلاروسيا والصين. هناك طريقتان رئيسيتان لاستخراجه؛ التعدين التقليدي، حيث يتم حفر أنفاق عميقة تحت الأرض للوصول إلى طبقات الخام الصلبة واستخراجها. أما في التعدين بالذوبان، فيتم ضخ الماء الساخن في الرواسب لإذابة أملاح البوتاسيوم، ثم يسحب المحلول الملحي إلى السطح لاستخلاص البوتاس النقي عبر عمليات التبخير والتبلور، وهي طريقة أقل تأثيرًا على السطح ولكنها أكثر استهلاكًا للطاقة والمياه. يتربع (كلوريد البوتاسيوم MOP) الأسمدة البوتاسية، حيث يمثل أكثر من 90% من الاستهلاك العالمي بفضل محتواه العالي من البوتاسيوم وتكلفته المنخفضة. ومع ذلك، فإن وجود الكلوريد يجعله غير مناسب لبعض المحاصيل الحساسة التي تتأثر جودتها أو نكهتها سلبًا، مثل البطاطس والتبغ وأنواع معينة من الفواكه والخضروات، لهذه المحاصيل عالية القيمة، يُستخدم كبريتات البوتاسيوم (SOP) كبديل ممتاز، فهو يوفر البوتاسيوم بالإضافة إلى عنصر الكبريت المهم، ولكنه يباع بسعر أعلى نظرًا لتعقيد عملية إنتاجه. يعد استخراج البوتاسيوم أقل استهلاكاً للطاقة مقارنة بالنيتروجين، ولكنه يتطلب إدارة كبيرة ومستمرة للمياه والنفايات الملحية الناتجة.
الأسمدة المركبة (NPK)..
الغذاء المتكامل للنبات
لتوفير تغذية متوازنة، يتم تصنيع أسمدة NPK المركبة التي تحتوي على العناصر الثلاثة الرئيسية في حبيبة واحدة. يتم ذلك عبر نهجين مختلفين؛ النهج الأول هو الخلط الفيزيائي (Bulk Blending)، حيث تخلط الأسمدة الأحادية معًا ميكانيكيًا، وهي طريقة مرنة ومنخفضة التكلفة ولكنها قد تؤدي إلى انفصال الحبيبات أثناء النقل، مما يتسبب في توزيع غير متجانس للمغذيات في الحقل. أما النهج الثاني والأكثر تطورًا فهو التصنيع الكيميائي (Complex Fertilizers)، الذي يضمن أن كل حبيبة تحتوي على النسب المحددة من (N وP وK)، مما يوفر تغذية موحدة ومتسقة لكل نبتة. تتجاوز جودة الأسمدة المركبة مجرد تركيبها الكيميائي، لتشمل خصائصها الفيزيائية التي يتم تحسينها عبر تقنيات التحبيب المتقدمة، مثل الكبس أو التحبيب في الأسطوانات الدوارة، لإنتاج حبيبات صلبة ومقاومة للغبار تسهل عملية نثرها. علاوة على ذلك، ولمواجهة تحدي فقدان المغذيات، تم تطوير (الأسمدة ذات الكفاءة المحسنة EEF). وتعمل هذه الأسمدة المبتكرة عبر آليات مختلفة؛ فبعضها بطيء أو مضبوط الإطلاق، حيث تغلف الحبيبات بمواد بوليمرية تتحكم في إطلاق المغذيات بشكل تدريجي. والبعض الآخر يعرف بالأسمدة المستقرة، حيث تضاف إليها مثبطات كيميائية تبطئ العمليات الميكروبية في التربة، مما يقلل من فقدان النيتروجين عن طريق التطاير أو الغسل ويضمن بقاءه متاحًا للنبات لفترة أطول ، كما تهدف إلى الحد من الفاقد في البيئة وتحسين امتصاص النبات وبالتالي رفع الكفاءة الزراعية بشكل عام.
الأثر البيئي ودورة حياة
الأسمدة الكيميائية
إن البصمة البيئية لصناعة الأسمدة الكيميائية عميقة ومتعددة الأوجه، وتمتد من استخراج المواد الخام إلى ما بعد استخدامها في الحقول. تبدأ المشكلة باستهلاكها الهائل للطاقة، خاصة في إنتاج الأمونيا، مما يجعلها مسؤولة عن حوالي 1.5% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. إنتاج الأمونيا مسؤول عن نسبة كبيرة من استهلاك الطاقة الصناعي (قدر أن صناعة الأمونيا تمثل نحو 2% من إجمالي استهلاك الطاقة النهائي العالمي)؛ وفرق الطاقة بين الأمونيا التقليدية والهيدروجينية/الخضراء هائل ويعتمد على مصدر الهيدروجين. يضاف إلى ذلك انبعاثات أكسيد النيتروز (N₂O)، وهو غاز دفيئ فائق القوة، أثناء إنتاج حمض النيتريك ومن التربة بعد التسميد ، إضافة إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن استهلاك الوقود الأحفوري. ينتقل التأثير بعد ذلك من الغلاف الجوي إلى المسطحات المائية عبر ظاهرة التخثث (Eutrophication)، التي تؤدي إلى نفوق الأحياء المائية واختلال النظم البيئية، حيث يؤدي تسرب النيتروجين والفوسفور الزائد من الحقول إلى ازدهار كثيف للطحالب التي تستنزف أكسجين الماء عند تحللها، مما يخلق «مناطق ميتة» شاسعة خالية من الحياة المائية. أخيرًا، يمتد الأثر إلى التربة نفسها؛ فالاستخدام المفرط للأسمدة النيتروجينية يمكن أن يؤدي إلى تحمض التربة، بينما تتسرب النترات بسهولة إلى المياه الجوفية، مما يهدد جودة مياه الشرب وصحة الإنسان. وأخيراً، هناك مشكلة المخلفات الصلبة، وأبرزها الجبس الفوسفوري الذي يخزن في أكوام ضخمة تشكل خطراً دائماً على التربة والمياه الجوفية بسبب محتواها من الشوائب المشعة والمواد الثقيلة. وللتخفيف من هذه الآثار، توصي وثائق أفضل التقنيات المتاحة (Best Available Techniques)- (BAT/BREF) التابعة للاتحاد الأوروبي بتبني تقنيات متطورة مثل محفزات الأكسدة المتقدمة للحد من انبعاثات النيتروز (N₂O)، وتحسين كفاءة الطاقة في العمليات، وإيجاد سبل لإعادة استخدام أو تدوير النفايات الخطرة.
السلامة البيئية والامتثال واللوائح
الأمونيا (NH₃) ونيترات الأمونيوم تعتبران مادّتين خطرتين كمواد سامة ومسببة للاحتراق وأحيانًا كمكونات مرتفعة المخاطر في الحوادث الانفجارية (حادثة بيروت عام 2020م دقت ناقوس الخطر لإدارة مخزون نيترات الأمونيوم) . ونظرًا للتعامل مع هذه المواد الخطرة، تعمل صناعة الأسمدة ضمن إطار تنظيمي صارم يهدف إلى حماية العمال والمجتمعات والبيئة. حيث تفرض على المرافق التي تنتج أو تخزن الأمونيا، وهي مادة سامة وقابلة للاشتعال، برامج مفصلة لإدارة المخاطر، مثل برنامج (RMP) في الولايات المتحدة، لضمان وجود خطط لمنع الحوادث والاستجابة لها. كما تخضع نترات الأمونيوم، بسبب قابليتها للاستخدام في صنع المتفجرات، لرقابة أمنية مشددة. يتكامل هذا النهج الصارم للسلامة مع المعايير البيئية، حيث يلزم المصنعون بتبني أفضل (التقنيات المتاحة BAT)، كما هو محدد في وثائق مرجعية مثل (BREF) الأوروبية. تضع هذه الوثائق معايير دقيقة لكفاءة الطاقة، وحدودًا قصوى للانبعاثات، ومتطلبات لمعالجة النفايات، مما يدفع الصناعة باستمرار نحو تبني عمليات أكثر نظافة واستدامة. كما تخضع منشآت تصنيع الأسمدة في العديد من الدول لمعايير صارمة وشاملة للغاية في مجال السلامة والامتثال البيئي، نظرًا لتعاملها مع مجموعة من المواد الخطرة والقابلة للاشتعال أو الانفجار. يأتي على رأس أولويات السلامة الصناعية تطبيق بروتوكولات صارمة لإدارة مخاطر الانسكاب الكيميائي أو الانفجار، خاصة في وحدات تصنيع الأمونيا ونترات الأمونيوم، وذلك من خلال تركيب أنظمة كشف وإنذار متطورة وأنظمة إطفاء آلية. كما تلتزم هذه المصانع بمعايير انبعاثات صارمة تحدد الحدود القصوى المسموحة لانبعاثات الغازات مثل أكاسيد النيتروجين والكبريت والجسيمات الدقيقة، وكذلك المعايير الخاصة بجودة المياه الناتجة عن العمليات الصناعية قبل تصريفها. ويتوسع نطاق التنظيم إلى عمليات النقل والتخزين، حيث يتم تطبيق بروتوكولات دولية صارمة مثل مدونة (IMSBC) لنقل المواد الكيميائية الخطرة بحراً، كما يتم تصميم صوامع التخزين وخزاناتها وفق مواصفات هندسية عالية ومقاومة للزلازل والكوارث الطبيعية لضمان عدم تسرب المواد المخزنة.
الاتجاهات والابتكار..
نحو صناعة مستدامة
لمواجهة الضغوط البيئية والاقتصادية، تتجه صناعة الأسمدة الكيميائية بقوة نحو الابتكار. يتمحور المسار الأول حول إزالة الكربون من عمليات الإنتاج، والهدف النهائي هو «الأسمدة الخضراء».
يتحقق ذلك بشكل أساسي عبر استبدال الهيدروجين «الرمادي» (المنتج من الغاز الطبيعي) بالهيدروجين «الأخضر» (الناتج عن التحليل الكهربائي للماء باستخدام الطاقة المتجددة)، مما يؤدي إلى إنتاج «أمونيا خضراء» خالية من الكربون. وتعد «الأمونيا الزرقاء»، التي يتم فيها التقاط الكربون وتخزينه، خطوة انتقالية مهمة. وتقود مشاريع عملاقة في مناطق مثل الشرق الأوسط هذا التحول العالمي. المسار الثاني الموازي هو تبني مبادئ الاقتصاد الدائري، الذي يهدف إلى «إغلاق حلقة المغذيات». يتجلى ذلك في تقنيات استعادة الفوسفور والنيتروجين من مياه الصرف الصحي ومخلفات الغذاء والروث الحيواني ، وتحويلها من ملوثات إلى سماد عالي القيمة على شكل ستروفايت. وفي الوقت نفسه، ينمو سوق الأسمدة الحيوية والمحفزات الحيوية، التي تستخدم كائنات دقيقة مفيدة مثل البكتيريا والفطريات لتعزيز قدرة النبات على امتصاص المغذيات من التربة بشكل طبيعي، مما يقلل من الحاجة إلى الأسمدة الكيميائية التقليدية ويعزز صحة النظام البيئي الزراعي. وتعد تقنية بلورة الستروفيت (فوسفات أمونيوم المغنيسيوم) إحدى التقنيات الواعدة لاستعادة الفوسفور، وهو مورد غير متجدد. كما يزداد الدمج بين الأسمدة الكيميائية التقليدية والأسمدة الحيوية (Biofertilizers) والمحفزات الحيوية (Biosimulants)، والتي تستخدم كائنات دقيقة (مثل بكتيريا تثبيت النيتروجين، والفطريات الميسرة للفوسفور) لتعزيز كفاءة امتصاص النبات للمغذيات من التربة أو الأسمدة المضافة، مما قد يقلل من الجرعات المطلوبة. وتبرز عدة تقنيات واعدة، أبرزها استخدام الهيدروجين الأخضر (Green Hydrogen)، أي الهيدروجين المنتج من التحليل الكهربائي (Electrolysis) للماء باستخدام الطاقة المتجددة (شمسية أو رياح)، كمدخل في عملية هابر-بوش التقليدية، مما يؤدي إلى إنتاج «أمونيا خضراء» (Green Ammonia) خالية من انبعاثات الكربون. الأسمدة متحكمة التحررcontrolled)-release fertilizers) والأسمدة النانوية (nanofertilizers) والأسمدة الحيوية (biofertilizers) تبشر بخفض الجرعات المطلوبة وزيادة كفاءة الامتصاص، لكنها بحاجة إلى تقييم بيئي وصحي طويل الأمد.
اقتصاديات صناعة ..الأسمدة وسلاسل الإمداد
تتسم صناعة الأسمدة الكيميائية بحساسية عالية وغير مسبوقة لتقلبات أسعار المدخلات والعلاقات الجيوسياسية، مما يجعل اقتصادياتها معقدة ومتغيرة، مما يجعلها عالية في رأس المال وشديدة الحساسية لتقلبات أسواق الطاقة والسياسة العالمية. يتطلب بناء مصنع حديث استثمارات رأسمالية ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات وفترات إرجاع طويلة، مما يجعل قرارات الاستثمار محفوفة بالمخاطر وتخضع لتحليلات معقدة لجدواها الاقتصادية على المدى الطويل، بينما تخضع تكاليف التشغيل بشكل مباشر لأسعار الغاز الطبيعي المتقلبة. فعلى سبيل المثال، أدت أزمة الطاقة في أوروبا عام 2022م إلى ارتفاع هائل في تكاليف الإنتاج لدرجة أجبرت العديد من المصانع على الإغلاق المؤقت. تتفاقم هذه التقلبات الاقتصادية بسبب المخاطر الجيوسياسية، حيث تتركز المواد الخام الأساسية في عدد قليل من البلدان؛ فسيطرة روسيا وبيلاروسيا على حوالي 40% من إمدادات البوتاس العالمية تعني أن أي عقوبات أو نزاعات في تلك المنطقة يمكن أن تعطل سلاسل الإمداد العالمية وتسبب صدمات سعرية حادة، مما يهدد في نهاية المطاف الأمن الغذائي في الدول التي تعتمد على الاستيراد.
العامل الأكبر في هذه المعادلة هو سعر الغاز الطبيعي، حيث أنه المكون الأساسي والأكثر تأثيراً في تكلفة إنتاج الأمونيا، وبالتالي فإن الدول ذات الاحتياطيات الكبيرة والوصول إلى غاز رخيص، مثل روسيا والصين والهند ودول منطقة الخليج، تحتكر بشكل كبير حصة الإنتاج العالمي وتتمتع بميزة تنافسية عالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن أسعار خام الفوسفات والبوتاس تخضع لتقلبات السوق العالمية، ولكن الأهم من ذلك هو تركز الاحتياطيات العالمية منها في عدد قليل جدًا من الدول (المغرب والصين للفوسفات، وكندا وروسيا وبيلاروسيا للبوتاس)، مما يخلق مخاطر جيوسياسية كبيرة على استقرار سلاسل الإمداد العالمية ويعرضها لصدمات العرض.
تمثل منطقة الخليج العربي، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، لاعبًا عالميًا رئيسيًا وصاعدًا في سوق الأسمدة، لا سيما النيتروجينية، وذلك بسبب توافر عدة عوامل تنافسية حاسمة. يأتي في مقدمتها وفرة احتياطيات الغاز الطبيعي الذي يباع بأسعار محلية مدعومة، مما يمنح منتجي الأمونيا في المنطقة ميزة تكلفة غير متوفرة للكثير من المنافسين العالميين. كما يساهم الموقع الاستراتيجي للمنطقة، القريب من أسواق الاستيراد الكبرى في آسيا وإفريقيا، في خفض تكاليف النقل وتعزيز القدرة التنافسية. ولكن الأهم من ذلك هو الرؤية المستقبلية الطموحة التي تقودها حكومات هذه الدول، حيث تتصدر السعودية وعُمان والإمارات مشاريع ضخمة ومبكرة على مستوى العالم في مجال الأمونيا الزرقاء (Blue Ammonia) منخفضة الكربون باستخدام تقنيات التقاط الكربون وتخزينه والأمونيا الخضراء، بهدف واضح وهو التحول من مراكز إمداد عالمية للطاقة التقليدية إلى مراكز رائدة لإمداد العالم بالطاقة النظيفة والأسمدة المستدامة، كما يتجلى في مشروع «هيليوس» الضخم في السعودية. ولطالما كانت سلطنة عمان، بفضل مواردها من الغاز الطبيعي وموقعها الاستراتيجي، لاعبًا مهمًا في سوق الأسمدة النيتروجينية. ولكن التحول الحقيقي يكمن في تبنيها لـ«رؤية عُمان 2040»، التي تضع الطاقة المتجددة والتنويع الاقتصادي في صميم استراتيجيتها. تستثمر السلطنة حاليًا بشكل مكثف في مشاريع الهيدروجين الأخضر العملاقة في مناطق مثل الدقم وصلالة، مستفيدة من إمكاناتها الفائقة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وسلطنة عمان تتمتع بموارد طاقة متجددة واستثمارات استراتيجية في المشاريع الخضراء، مثل مشروع هيدروجين صلالة (الهيدروجين الأخضر) الذي يستهدف مليون طن أمونيا متجددة سنويًا، ومشاريع أخرى في منطقة الدقم الاقتصادية. هذه المشروعات تهدف للاستفادة من البنية الأساسية البحرية والقدرة المتوفرة على الكهرباء المتجددة لتمكين تصدير الأمونيا الخضراء عالميًا. يشكل هذا مسارًا لخفض انبعاثات قطاع الأسمدة وإيجاد فرص اقتصادية جديدة للبلاد. هذه الاستثمارات لا تهدف فقط إلى تصدير الهيدروجين كمادة خام، بل إلى بناء سلسلة قيمة صناعية متكاملة. هذا التوجه الاستراتيجي يضع سلطنة عمان في موقع فريد يؤهلها لتكون مركزًا عالميًا رائدًا للأسمدة منخفضة الكربون، مما يعزز أمنها الاقتصادي ويجعلها مساهمًا رئيسيًا في تحقيق أهداف الاستدامة العالمية.
جدل التأييد والمعارضة..
موازنة بين المنافع والأضرار
يدور حول الأسمدة الكيميائية جدل عميق يعكس التوتر بين الحاجة الملحة للغذاء وصحة الكوكب. يرى المؤيدون أنها بوليصة تأمين لا غنى عنها ضد الجوع العالمي؛ فبدونها، ستنخفض الإنتاجية الزراعية بشكل كارثي، مما قد يستلزم تحويل مساحات شاسعة من الغابات والموائل الطبيعية إلى أراض زراعية لتلبية الطلب، الأمر الذي ستكون له عواقب بيئية وخيمة. كما يستند المؤيدون إلى حجج قوية فيما بينهم وذلك في أن الأسمدة الكيميائية هي عماد الأمن الغذائي العالمي، حيث تشير التقديرات إلى أنها مسؤولة عن إنتاج ما يقرب من 50% من الغذاء العالمي، وأنه لا يمكن توفير الغذاء لعدد سكان العالم المتزايد الذي تجاوز 8 مليارات نسمة بدونها. كما يؤكدون كفاءتها الاقتصادية مقارنة بالمصادر العضوية، حيث توفر مغذيات مركزة وبأسعار معقولة وسهلة النقل والتطبيق على نطاق زراعي واسع، ناهيك عن دورها في تحسين القيمة الغذائية للمحاصيل ومكافحة سوء التغذية. في المقابل، يستند المعارضون لاستخدام الأسمدة الكيميائية إلى مفهوم «الحدود الكوكبية»، الذي يحذر من أن النشاط البشري قد دفع بالفعل دورتي النيتروجين والفسفور إلى ما بعد النطاق الآمن لاستقرار الأرض، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الاستخدام المفرط وغير الفعال للأسمدة. من وجهة نظرهم، فإن المكاسب الإنتاجية قصيرة المدى تأتي على حساب استقرار النظم البيئية التي تدعم الحياة على المدى الطويل. كما يرون أن التكلفة البيئية لهذه الأسمدة باهظة للغاية، وتشمل تلوثاً واسعاً للمياه الجوفية والسطحية بمركبات النيتروجين، ومساهمة كبيرة في أزمة تغير المناخ عبر انبعاثات الغازات الدفيئة، وفقدان التنوع الحيوي. كما يشيرون إلى أن الاستخدام المفرط والمستمر للأسمدة الكيميائية على المدى الطويل يؤدي إلى تدهور صحة التربة وبنيتها، عن طريق تمليحها وتقليل محتواها العضوي، وقد يخلق دورة من الفقر للمزارعين الصغار الذين سيصبحون معتمدين على مدخلات خارجية باهظة الثمن. وما بين التأييد والمعارضة يخلص الفكر العلمي المعاصر إلى أن الحل الوسط لا يكمن في رفض الأسمدة الكيميائية تماماً، وهو أمر غير واقعي، بل في الاستخدام الرشيد والمتكامل من خلال تبني نهج الإدارة المتكاملة للمغذيات (INM) الذي يجمع بين المصادر الكيميائية والعضوية والحيوية، وتطبيق تقنيات الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture) التي تسمح بتطبيق الكمية المناسبة من السماد، في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب باستخدام تقنيات حديثة مثل الاستشعار عن بعد ونظم التوصيل الموجهة (GPS)، والاستثمار في تطوير وتحسين كفاءة الأسمدة (NUE) للحد من الفاقد وزيادة نسبة ما يمتصه النبات.
خلاصة القول إن الأسمدة الكيميائية تظل أداة لا غنى عنها في الوقت الراهن لضمان الأمن الغذائي العالمي وإطعام عدد سكان العالم المتزايد، لكن النموذج الحالي لتصنيعها واستخدامها أثبت أنه غير مستدام بيئياً على المدى الطويل. لذلك، يجب أن تتوجه كافة الجهود نحو الانتقال إلى نموذج أكثر اخضراراً واستدامة. فبينما يتجه العالم نحو تعداد سكاني يقارب 10 مليارات نسمة، لم يعد التحدي يقتصر على إنتاج المزيد من الغذاء، بل على إنتاجه بطريقة تحافظ على النظم البيئية التي نعتمد عليها. وبالتالي فإن تحقيق هذا التوازن يتطلب تحركًا منسقًا وشاملاً من جميع الأطراف. إذ يجب على صناع القرار وضع سياسات تحفيزية، كآليات تسعير الكربون، لتسريع التحول نحو الأسمدة الخضراء، ودعم المزارعين في تبني تقنيات الزراعة الدقيقة. وفي الوقت نفسه، يجب على قطاع الصناعة والباحثين تكثيف الاستثمار في الجيل القادم من التقنيات، مثل المحفزات الكهربائية لإنتاج الأمونيا النظيفة وتوسيع نطاق الحلول الحيوية. أما المجتمع الزراعي، فهو مدعو إلى تبني تحول جذري في الممارسة، من مجرد تطبيق الأسمدة إلى إدارة دقيقة للمغذيات، استنادًا إلى البيانات والتحليلات لضمان استخدام كل كيلوغرام من السماد بكفاءة قصوى. كما يجب تسريع وتيرة التحول الأخضر في الصناعة من خلال دعم مشاريع الهيدروجين الأخضر وتقنيات التقاط الكربون واستخدامها عبر الحوافز والاستثمارات الجريئة في البحث والتطوير. أخيراً وليس آخراً، يتطلب تعزيز التعاون والتنسيق الدولي بين الدول المنتجة والمستهلكة لتسهيل نقل التكنولوجيا والخبرات وضمان استقرار سلاسل إمداد المغذيات في ظل التحديات الجيوسياسية المتصاعدة. إن المستقبل يكمن في الانتقال من ثقافة «الكم» إلى ثقافة «الكيف»، حيث تصبح الأسمدة الكيميائية جزءًا من نظام زراعي دائري ذكي متكامل، يحافظ على الموارد الطبيعية للأرض ويجمع بين أفضل ما في الحلول الكيميائية والبيولوجية والرقمية ويوفر الغذاء بصورة عادلة ومستدامة للأجيال الحالية والقادمة.
د. سيف بن علي الخميسي مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي - وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه