أفكار وآراء

الضربة الإسرائيلية على قطر تتجاوز مفهوم «الدفاع عن النفس»

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

أقدمت إسرائيل على شن ضربة جوية استهدفت من خلالها قياديي «حماس» وذلك في العاصمة القطرية الدوحة في التاسع من سبتمبر، وخلفت الضربة 6 قتلى، وفق بيان تم الإعلان عنه، ومن ضمن القتلى ابن أحد قادة حماس البارزين.

وسرعان ما صدرت الإدانة على المستوى العالمي، وبدورها صرحت الحكومة القطرية أن ما قامت به إسرائيل هو «تعدٍ واضح للمبادئ التي ينص عليها القانون الدولي»، وهو الأمر الذي كرره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكذلك رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، وعدد آخر من حكام الدول.

حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» قد وصف العملية الإسرائيلية على قطر بأنها «انتهاك صريح للسيادة القطرية وسلامة أراضيها»، وكذلك أعرب كل من رئيس وزراء المملكة المتحدة ورئيس وزراء أستراليا عن أن ما قامت به إسرائيل انتهاك لسيادة قطر.

وكذلك استنكر دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أقوى حليف لإسرائيل، هذا الهجوم، وقال: «إن هذا القصف الذي قامت به إسرائيل من جانب واحد على قطر، وهي دولة تتمتع بالسيادة وحليف قريب للولايات المتحدة الأمريكية وتعمل باجتهاد وشجاعة من أجل التوسط للسلام وتتعرض للمخاطر، لا يخدم مساعينا نحو تحقيق السلام».

ولكن، ما رأي القانون فيما قامت به إسرائيل، فهل يمكن أن يكون قانونيًا هجوم إسرائيل على أفراد من حماس موجودين على أراضي دولة أخرى؟

لقد زعم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الهجوم على قياديي حماس الموجودين في قطر كان ردًا على قيام حماس بإجراءين، الأول إطلاق النار في القدس أسفر عنه مقتل ستة إسرائيليين، وهجوم آخر تبنته حماس على معسكر للجيش الإسرائيلي في غزة أودى بحياة أربعة جنود، وقال: «لقد نسبت حماس هذين الإجراءين، وهؤلاء القادة هم من تم استهدافهم في قطر الذين خططوا لهذين العملين، وهم من احتفل بهجوم السابع من أكتوبر».

في حين أن ميثاق الأمم المتحدة، البند الثاني من المادة الرابعة، يحظر بشكل صريح استخدام القوة ضد «السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي» للدول الأخرى.

ويمكن استخدام القوة من خلال أمرين، الأول الحصول على إذن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والثاني وجود مبرر مقنع بأن استخدام القوة يهدف إلى الدفاع عن النفس، وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

فهل يعني ما قامت به إسرائيل ضد سيادة دولة قطر يعتبر دفاعًا عن النفس، إذا ما اعتبرنا أن حماس فعلًا قامت بالهجومين في القدس وغزة كما ادعى نتنياهو؟

وقد أكدت محكمة العدل الدولية أن الجواب في هذه المسألة «معقد»، مؤكدة بشكل متكرر أن سيادة الدول أمر في غاية الأهمية في القانون الدولي، لذلك حددت المحكمة أن استخدام القوة في الدفاع عن النفس إنما يكون في الدولة نفسها أو في الدولة المعادية فقط، وليس من صور استخدام القوة في الدفاع عن النفس أن يكون هجومًا على «أفراد» من الدولة المعادية أو من جهات غير حكومية كالمنظمات والجماعات وهم موجودون على أراضي دول أخرى.

يكرر التاريخ حادثة 11 سبتمبر في عام 2001، حيث ادعت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى أنها تستطيع استخدام القوة في الدفاع عن النفس ضد الهجمات غير الحكومية، كهجمات الجماعات والمنظمات الإرهابية، والتي تحتمي وتعمل في أراضي دول أخرى، وإن كانت تلك الدول ممثلة في حكوماتها غير متورطة بما قامت به الجماعات الإرهابية التي تقيم على أراضيها.

وردًا على هذه التطورات، طرح «دانيال بيثليهم» وهو خبير في القانون الدولي ومستشار للسياسة الخارجية لدى الحكومة البريطانية، عددًا من المبادئ الهادفة إلى تقييد هذا التبرير ضمن حدود المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

هذه المبادئ، المعروفة باسم «مبادئ بيثليهم»، لا تزال محل جدل واسع، حيث ترى أن المادة 51 يمكن أن تشمل الهجمات الفعلية أو الوشيكة التي تقوم بها الجماعات الإرهابية، ولكن بشرطين صارمين، أولًا أن يكون اللجوء إلى القوة في إطار الدفاع عن النفس هو الخيار الأخير بالفعل «الضرورة»، وأن يكون ذلك متناسبا مع حجم التهديد «التناسب».

وإضافة إلى ذلك، فإن القاعدة العامة تقضي بأن استخدام القوة على أراضي دولة أخرى يتطلب موافقة تلك الدولة، والاستثناءات الوحيدة تضيق في حال توفر اعتقاد معقول وموضوعي بأن الدولة المستضيفة تتواطأ مع تلك الجماعة، أو أنها غير قادرة أو غير راغبة في إيقافها، مع غياب أي خيار آخر معقول بخلاف القوة.

وتزعم إسرائيل بأن قيادات حماس المقيمة في الخارج، في دول مثل قطر ولبنان وإيران، ما زالت جزءًا من القيادة التي تدير الهجمات ضد الجنود الإسرائيليين في غزة والإسرائيليين.

غير أن هذا وحده، وفقًا لمبادئ «بيثليهم»، لا يكفي لتبرير اللجوء إلى «الدفاع عن النفس» باعتباره أداة هجوم، فباعتراف نتنياهو نفسه، كان الهدف من الضربة في قطر هدفًا انتقاميًا، لا إجراءً وقائيًا يهدف إلى منع هجوم قائم أو وشيك.

كما يمكن أن تُطرح تساؤلات حول مدى مراعاة مبدأ «التناسب»، خاصة في ظل السياق الدبلوماسي المرتبط بضرب دولة ذات سيادة، وما قد يترتب عن ذلك من أضرار على المدنيين، لاسيما في حي بالعاصمة الدوحة يضم العديد من المساكن الدبلوماسية.

أما استهداف قادة سياسيين أثناء اجتماعهم في دولة ثالثة وهي هنا دولة تلعب دور الوسيط فيثير بدوره تساؤلات حول ما إذا كان استخدام القوة هو الوسيلة الوحيدة الممكنة للتعامل مع تهديد حماس في هذه الحالة؟

وإلى جانب ذلك، تقتضي هذه المبادئ أن تقدم إسرائيل ما يثبت أن قطر إما متواطئة مع حماس، أو أنها غير قادرة أو غير راغبة في إيقافها، وأنه لم يكن هناك أي سبيل آخر فعال أو معقول للرد على الوضع.

فقطر تستضيف المكاتب السياسية لحماس منذ عام 2012، وكانت أحد أبرز الداعمين الماليين للحركة منذ وصولها إلى السلطة في غزة، لكن في الوقت نفسه، لعبت قطر دورًا محوريًا في الوساطة منذ هجمات السابع من أكتوبر.

إن هذه الحقائق تجعل من الصعب الادعاء بأن قطر غير راغبة أو غير قادرة على تقييد نشاطات حماس من أراضيها، كما أن دورها الوسيط يوحي بوجود بديل فعّال ومعقول لاستخدام القوة لمواجهة تحركات حماس.

وبغياب إذن مجلس الأمن الدولي، فإن الضربات الإسرائيلية على قطر تعد انتهاكًا للسيادة الإقليمية، بل وربما عملًا عدوانيًا وفق ميثاق الأمم المتحدة.

ويعزز هذا التوصيف النهج الضيق الذي تبنته محكمة العدل الدولية بشأن «الدفاع عن النفس» في مواجهة القائمين على العمليات الهجومية من المقيمين في دول غير دولهم، إلى جانب تشديدها على متطلبي «التناسب» و»الضرورة»، وهما شرطان لا يبدو أنهما تحققا في هذه الحالة.

شانون بوش أستاذ القانون المشارك في جامعة إديث كوان بأستراليا

نقلًا عن آسيا تايمز