أعمدة

حمزاتوف .. أديب بحجم وطن

إذا ذُكرت الجبال في الأدب يسطع اسم الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف (1923-2003) إلى الواجهة، وإن ورد اسم الوطن فبالتأكيد يخفق اسم حمزاتوف عاليا كراية وطن حر وسعيد، وإن اشتهر أديب أكثر من شهرة وطنه فلن يتجاوز أحد الشاعر القادم من قرية (تسادا) بجبال القوقاز الذي نشر أكثر من 100 كتاب بلغته الآفارية الأم.

وبالرغم من تمثيله لبلده في مجلس السوفييت لمدة تقارب الربع قرن، إلا أنه قال: « قصيدتي ليست عضوا في الحزب الشيوعي». هو ذاته الذي وصفه الشاعر اللاتفي إدوارد ميجلايتس «بالمتفائل الحديدي الصلب».

منذ أيام عرضت القناة الروسية (RT عربي) الفيلم الوثائقي (البحث عن رسول) ضمن فعاليات مهرجان قازان السينمائي في دورته (21)، ثم عرضته القناة على شاشتها في يوم الثامن سبتمبر والذي يصادف عيد ميلاد الشاعر صاحب الديوان الشهير (داغستان بلدي). وكذلك إعلان ذات التاريخ يوما للغات شعوب روسيا؛ للحفاظ على التنوع الثقافي في روسيا الاتحادية مثلما حافظ الاتحاد السوفييتي أيضا على انتشار اللغات القومية للشعوب التي ضمها. ومنها جمهورية داغستان التي فتحها العرب في القرن السابع الميلادي، وظلت اللغة العربية لغة الثقافة فيها لعدة قرون، وكتب بها أدباء داغستان ومنهم حمزة تساداسا والد رسول حمزاتوف. بل يقال: إن المناضل الداغستاني إمام شامل (1797-1871) الذي خاض حروبا ضد القياصرة في حرب القوقاز الأولى كان يملك مكتبة عربية تضم مؤلفات في اللغة والأدب والشريعة.

قدّم الفيلم لأول مرة مادة خاصة بالشاعر الذي عاش أيامه الأخيرة في مدينة (ماخاتشكالا) أو محج قلعة أي القلعة المحج عاصمة جمهورية داغستان. واستضاف الفيلم الذي كتبت مادته الإعلامية أنيسة مراد، وأخرجه كريم مراد عائلة الشاعر، وتحدثتا عن زيارتهما للدول العربية، وارتباط والدهما بالثقافة العربية.

يُنسب إلى حمزاتوف بعض المقولات الشهيرة؛ إذ قال: «ظهر في روسيا الآن ما سموه بالسوق. صارت البندورة أغلى من البشر، وصار بالإمكان شراء كل شيء الضمير والبطولة، والموهبة والجمال. الأرض الأم. كلها صارت سلعا. وتبدلت مواقف كثيرين. يمكن للمرء في الواقع أن يُبدّل قبعته، لكن لا يمكن لرجل شريف أن يُبدّل رأسه».

يستوحي شاعر الإنسانية المفرط في الحب والحكمة أشعاره من عادات قريته؛ ففي كتابه (داغستان بلدي) يقدم لمحة عن استقبال الضيوف الذين يأتون بغير موعد سابق، ثم يربط العادة بفكرة تأليف الكتاب المذكور آنفا «وعندنا في الجبال ليس هناك ضيوف صغار وضيوف كبار، مهمون وغير مهمين. أصغر ضيف مهم بالنسبة لنا؛ لأنه ضيف وحسب، وأصغر ضيف يصبح أجلّ من أكبر رب بيت. إننا نستقبل الضيف عند عتبة بيتنا دون أن نسأله من أي بلد هو، ونقوده إلى صدر البيت الأقرب إلى الموقد، ونجلسه على الوسائد. الضيف في الجبال يظهر دائما على غير توقع، لكنه لا يفاجئنا أبدا، لا يباغتنا؛ لأننا ننتظره في كل يوم، كل ساعة، كل دقيقة، وكالضيف في الجبال أتتني فكرة هذا الكتاب».

يقدم رسول حمزاتوف دليلا على أن قيمة الثقافة والأدب ترتكز على القيمة الإنسانية النبيلة، والتعبير عنها بالكلمة الصادقة والضمير الحي وحب الخير، ونبذ الكراهية والحروب؛ إذ يقول «كثيرا ما أفكر أن الأرض كلها وطني.. بيتي .. بيتي

أينما وجدت المعارك والنار ورعد المدافع .. يحترق بيتي.. يحترق بيتي». هكذا يشتهر العبقري حينما يخلص لمهمته الإنسانية؛ فاسمه يتجاوز حدود موطنه، ولغته تُقرأ بكل اللغات، ومشاعره يفهمها من ينصت لسلام الفطرة البشرية المجبولة على الخير وتعميمه. 

محمد الشحري كاتب وروائي عُماني