أعمدة

لحظة تاريخية

إذا لم نستطع أن نحدد مستقبل أجيالنا القادم، فإننا نزيد شدة العتمة التي رافقتنا خلال المائة عام الماضية، والتي أدت بنا كأمة إسلامية وعربية إلى هذا الضعف الذي سلمنا فيه أنفسنا إلى القوى الطامعة ونهبت من ثرواتنا وإمكانياتنا لقرون، وهذا الضعف يتضاعف اليوم بسبب تلك الحالة من الهوان الذي دمر مقدراتنا وحطم إمكانياتنا وأصبحنا لا حول ولا قوة لنا أمام كيان غاصب محتل يتعامل معنا وكأننا لا وجود مؤثر لنا في هذه المنطقة التي عشنا فيها منذ آلاف القرون وأقمنا فيها حضارات أنارت مسيرة الإنسانية.

اليوم هذه الأمة أمام مفترق طرق بعد الأحداث الأخيرة التي طالت الشقيقة قطر ويعقد على ضوئها اجتماع قادة العرب ومنظمة المؤتمر الإسلامي، للتشاور حول مآلات تصرف كيان الاحتلال على ما أقدم عليه قبل أيام في العاصمة القطرية، والذي يدخل المنطقة في توسيع مشروع «البلطجة»، وكيف يمكن الوقوف أمامه.

فاللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة اليوم تستدعي إيجاد آلية فاعلة لها على الأرض، وقدرة على التأثير والتخلي عن الشجب والبيانات والوعود، التي لا تزيد المعتدين إلا غرورا وتجاوزا للمنطق والواقع والشواهد كثيرة على تفعله في عديد الدول العربية.

لحظة تحتاج من القادة الحاضرين لهذا الاجتماع المهم تغيير المفهوم الذي ساد، إلى مفهوم يؤثر في المعتدي من خلال مسارات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وتجارية، وبناء حالة ردع أمني وعسكري موحد، ومنظومات مشتركة نستطيع أن نحمي من خلالها مصالحنا. وإن كنا غير قادرين حاليا على المواجهة العسكرية فهناك ما يمكن أن يكون بديلا لذلك.

أما أن تبقى الأمة تردد المواقف السياسية نفسها بعد كل حادثة تطول أي عضو منها، فإن ذلك يرسخ مبدأ الضعف والهوان، وهي القادرة بإمكانياتها على أن تكون أفضل مما عليه الآن.

اللحظة التاريخية تعني التغير في مفهوم المواجهة بوسائل عدة وقبلها الإرادة العربية الإسلامية الموحدة في نقل حالة عدم القدرة إلى القدرة على التغير، ويملك القادة العرب والمسلمون من الإمكانيات ما يجعلهم قوة مؤثرة في الساحة الدولية، من تعداد للسكان، والموارد الطبيعية والنفطية، والصناعات والقدرات العلمية والتخطيطية والعسكرية والأمنية، ولديهم من العقول والتصنيع والابتكار ما تزخر به هذه الأمة.

اليوم التحدي هو في البقاء وبناء مستقبل قادر على ردع المعتدين أمام الأطماع التوسعية؛ فالأمة وصلت إلى حالة من التراجع وليس أمامها خيار آخر غير أن تنهض من جديد أمام التحديات التي كانت تراها بعيدة ومحصورة في فلسطين السليبة. فلم تعد الأطماع اليوم في حدودها بل تجاوزتها إلى دول الجوار، ورغبة التوسع في هذه الأطماع تكبر يوما بعد آخر، حتى بلغت من شرق الوطن العربي حتى مغربه.

سالم الجهوري كاتب صحفي عُماني