ثقافة

15ورقة ترسم خريطة المحافظة المعرفية والتجارية وتبرز دورها المحوري عبر العصور

 

تغطية - فيصل بن سعيد العلوي -

تختتم غدا اعمال ندوة 'ظفار في ذاكرة التاريخ العماني' التي تنظمها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالتعاون مع محافظة ظفار، بمشاركة واسعة من الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالشأن التاريخي، وقد شهد اليوم الثاني من الندوة تقديم خمس عشرة ورقة بحثية رسمت صورة بانورامية لتاريخ محافظة ظفار وتحولاته، فاستعرضت مسارات دينية واجتماعية مثل طريق الحج الظفاري ومظاهر الحياة اليومية، ووقفت على التحديات البيئية المرتبطة بالموقع الجغرافي وسبل التكيف والاستدامة، وتتبعت ملامح التطور الاقتصادي خلال النصف الاول من القرن العشرين، كما ناقشت الاوراق الارث البحري والملاحي وصناعة السفن، وابرزت دور الموانئ الظفارية في الشبكات التجارية الاقليمية والدولية، بما يعزز فهم مكانة ظفار في الذاكرة الوطنية وصلاتها الحضارية عبر العصور.

وفي الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور سليمان بن عمير المحذوري، قدم الدكتور صالح بن سعيد الحوسني، خبير شؤون الحج بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ورقة بعنوان «طريق الحج الظفاري والعادات المرتبطة به.. دراسة وصفية»، تناولت الطريقين البري والبحري اللذين سلكتهما قوافل ظفار عبر العصور، ورصدت المحطات التي يتوقف عندها الحجاج ومرافئ الحج على طول المسارات. وأشار «الحوسني» إلى الجوانب الجغرافية والاجتماعية والثقافية المؤثرة في تلك الطرق، مبينا العادات والتقاليد والأعراف التي تصاحب الرحلة منذ الاستعداد وحتى العودة.وأكد «الحوسني» أهمية توثيق الطرق المستخدمة إلى الحج بوصفه إضافة جديدة في البناء المعرفي لطرق الحج التاريخية إلى مكة المكرمة، مع بيان مدى تفاعل أهل ظفار مع تلك الطرق والمحطات واستعداد القوافل للرحلات الطويلة. كما أوضح «الحوسني» ما نشأ عن تلك الرحلات من جوانب حضارية وثقافية أسهمت في تشكيل الذاكرة الاجتماعية للمنطقة، وأشار «الحوسني» في نتائج ورقته إلى تحديد مسارات الحج الظفاري وتطورها عبر العصور، وتوثيق المحطات التي تقف فيها القوافل، ووصف الظروف الخاصة برحلات الحج والصعوبات التي تعترضها.

الظواهر الطبيعية

وفي الجلسة نفسها قدم الدكتور علي بن سعيد البلوشي، أستاذ مشارك بجامعة السلطان قابوس، ورقة بعنوان «التكيف والاستدامة للظواهر الطبيعية المصاحبة للموقع الجغرافي لمحافظة ظفار»، تناولت أثر الموقع الجغرافي للمحافظة في نشوء مجموعة من الظواهر الطبيعية وآليات استدامة التعامل معها في ظل تسارع التنمية والتغير المناخي، واستعرضت الورقة عناصر الموقع الفلكي وقرب اليابس والماء والحدود الإقليمية، وما يرتبط بها من ظواهر مثل التنوع الجيولوجي والتضاريسي، والزلازل، والأعاصير، وأمواج التسونامي، والعواصف الغبارية، والتنوع البيولوجي والأنواع الغازية.

وأشار «البلوشي» إلى أهمية بناء استجابات مجتمعية ومؤسسية تقوم على التكيف والتخفيف والتوقع المسبق، مع توثيق الممارسات التي تحد من الآثار على السكان والبيئة، وخلص إلى أن إعداد تصنيف جغرافي لأهم الظواهر المرتبطة بموقع ظفار، وتحديد أفضل الممارسات للتعامل معها بما يعزز الاستدامة والأمن البيئي.

الزراعة والثروات

وفي الجلسة نفسها قدمت نجلاء بنت خلفان المانعية، معلمة دراسات اجتماعية بمدرسة إلسمير مسقط الدولية، ورقة بعنوان «التطور الاقتصادي في ظفار 1906 - 1950م.. دراسة تحليلية من خلال الوثائق البريطانية في مجالات الزراعة والصناعة والثروات الطبيعية»، تناولت فيها ما شهده اقتصاد ظفار من نمو خلال النصف الأول من القرن العشرين كما تعكسه التقارير البريطانية، مع تركيز على حركة الزراعة والصناعة والتنقيب عن الموارد، وأشارت إلى ما ورد في تقرير بريان جوزيف هاتلي من دلائل على اتساع النشاط الزراعي مدعوما بصور توثق للإمدادات المائية وبساتين النخيل والزيتون، وإلى ما أكده المستشار الجيولوجي السير سيريل سانكي بشأن الاهتمام المتزايد بأعمال التنقيب عن المعادن في المنطقة.

وأكدت «المانعية» أن هذه المادة الوثائقية تبرز الموارد الزراعية والصناعية والمعدنية في ظفار وحجم العناية بتنميتها وتطويرها خلال تلك الحقبة، مبينة أن قراءة هذه السجلات تكشف وضع المحافظة اقتصاديا في الفترة محل الدراسة وتظهر الجهود المبذولة لدعم القطاعات الإنتاجية، بما يسهم في رسم صورة أدق لمسار التطور الاقتصادي بظفار.

الملاحة البحرية

وفي الجلسة نفسها قدم الشيخ حمود بن حمد الغيلاني، الباحث في التاريخ البحري العماني، ورقة بعنوان «الملاحة البحرية وصناعة السفن في محافظة ظفار في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين»، تناولت تاريخ النشاط الملاحي وصناعة السفن في المحافظة ومراحل تطورهما ودورهما في حركة التجارة مع دول الخليج والهند واليمن وشرقي أفريقيا، واستعرضت الورقة الموانئ الرئيسة في ظفار مثل مرباط وطاقة وريسوت وغيرها بوصفها مراكز لتصدير اللبان والخيول واستقبال الواردات، إلى جانب التعريف بالنواخذة وصنّاع السفن وأنواعها وأسمائها والطرق البحرية التي سبرها رواد الملاحة من أبناء المحافظة.

وأوضح «الغيلاني» أن هذا النشاط جسد صلات ظفار بشبكات المحيط الهندي وأسهم في التواصل الحضاري والاقتصادي مع المراكز البحرية الإقليمية، وأكد في ختام ورقته على بروز عدد من النواخذة الذين أبحروا بسفنهم نحو موانئ متعددة، وظهور صنّاع سفن محليين برزوا في هذه الحرفة، بما يعزز توثيق الذاكرة البحرية للمحافظة ودورها في التاريخ البحري العماني.

دور الموانئ

وفي الجلسة نفسها قدم أحمد بن خلفان الشبلي، رئيس قسم تقويم تعلم مواد العلوم الإنسانية والمهارات الفردية بوزارة التربية والتعليم، ورقة بعنوان «دور موانئ ظفار في النشاط التجاري لمنطقة المحيط الهندي خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين»، تناولت مكانة الموانئ الظفارية في شبكات التجارة الإقليمية والدولية، واستعرضت الباحثة امتداد العلاقات التجارية منذ ما قبل الميلاد وما سجله كتاب الطواف حول البحر الإرتيري عن نشاط الموانئ، ثم ازدهار الحركة بعد ظهور الإسلام، وتأثير الوجود البرتغالي في القرن السادس عشر، فطردهم على يد اليعاربة، وقيام دولة البوسعيد بما أعاد لظفار دورها كنقطة ربط بين موانئ شمال المحيط الهندي وجنوبه.

وأشار «الشبلي» إلى إفادات وثائق مكتب وزارة الهند البريطانية وسجلات المكاتبات التجارية وما تضمنته من بيانات عن مرور السفن والتعاملات في موانئ ظفار، إضافة إلى سجلات عائلة بيت السعدوني عكاك في ميناء رخيوت، مبينا ما تكشفه هذه المادة من تفاصيل عن السلع المصدرة والمستوردة ومن يمارس التجارة البحرية.

الجلسة الثانية

وفي الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور حسين بن علي المشهور باعمر، قدمت إلهام بنت عوض اوسنجلي، مشرفة جغرافيا بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار، ورقة بعنوان «السياحة البيئية في محافظة ظفار.. مسار نحو التنمية المستدامة»، تناولت فيها مقومات ظفار الطبيعية والسياحية ودورها في جعل المحافظة وجهة مثالية لنمط سياحي يوازن بين الاستمتاع بالطبيعة والحفاظ عليها.

وأشارت «اوسنجلي» في مستهل الورقة إلى محورين رئيسيين هما المقومات البيئية والسياحية في ظفار، وأثر السياحة البيئية في تحقيق التنمية المستدامة، لافتة إلى أهمية إبراز الإمكانات غير المستغلة ودعم صنّاع القرار بسياسات تعزز هذا المسار.

وختمت «اوسنجلي» ورقتها بالتأكيد على ضرورة تحديد الفرص والتحديات أمام تنمية السياحة البيئية في ظفار، وصوغ توصيات تنفيذية تعزز دور هذا القطاع في دعم التنمية المحلية وصون الموارد الطبيعية، مع اقتراح إطار عمل للممارسات المستدامة قابل للتطبيق على مستوى المحافظة وتعميمه في مناطق أخرى.

الحياة الاجتماعية

وفي الجلسة نفسها قدمت الدكتورة هيفاء بنت أحمد المعمرية، رئيسة قسم الدراسات التربوية بوزارة التربية والتعليم، ورقة بعنوان «الحياة الاجتماعية في ظفار من خلال كتابي جنوبي جزيرة العرب لثيودور بنت والبلاد السعيدة لبرترام توماس.. دراسة مقارنة»، تناولت فيها صورة المجتمع الظفاري بوصفه جزءا من جنوب عمان المعروف بتنوعه الجغرافي والثقافي، عبر قراءة موسعة لرحلتي بنت 1894- 1895م وتوماس 1928- 1930م. واستعرضت ما سجله الرحالتان من أوصاف مباشرة للحياة اليومية في ظفار في فترات تاريخية محددة، بما في ذلك مشاهداتهما للمدن والقرى، والعادات والتقاليد المحلية، والممارسات الدينية، إلى جانب تحليل الأثر الذي تتركه الجغرافيا في تشكيل أنماط العيش ومسارات التواصل مع العالم الخارجي.

وقد بينت «المعمرية» أن الغاية من المقارنة هي تتبع مسار التغير في أسلوب الحياة الظفارية بين زمن الرحلتين، وإظهار ما تكشفه النصوص من تفاصيل اجتماعية وثقافية لا توفرها المصادر الأخرى بالوضوح نفسه، وفحص دقة المعلومات عبر قراءة الفروق الدقيقة بين الكتابين؟

كما عرضت «المعمرية» محتوى كتاب «جنوبي جزيرة العرب» وما يقدمه من مادة وصفية غنية عن السكان والبيئة والعمران، ثم انتقلت إلى مضامين «البلاد السعيدة» وما يتضمنه من مشاهدات لاحقة زمنيا تعكس تحولات في بعض جوانب العيش والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن تقدم مقارنة تحليلية بين الروايتين تبرز نقاط الالتقاء والاختلاف.

الوثائق الخاصة

بعد ذلك قدم نبيل بن ماجد العبري، أخصائي تقويم أول مادة تاريخ بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة جنوب الباطنة، ورقة بعنوان «الوثائق الخاصة مصدرا لتاريخ الحياة الاجتماعية والثقافية في ظفار.. الوقف أنموذجا»، سلطت الضوء على دور الوصايا والوثائق الوقفية في كشف ملامح المجتمع الظفاري.

وأوضح «العبري» أن هذه الوثائق لا تقتصر على حفظ أصول الوقف، بل تقدم سجلا يعكس حاجات المجتمع وقيمه وتماسكه وتكافله، كما تتضمن أوصافا دقيقة للأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالوقف وتساعد في قراءة التركيبة السكانية وتحولاتـها عبر الزمن.

وأشار «العبري» إلى أن الورقة عرفت بالوقف في ظفار خلال الفترة من القرن السابع حتى الرابع عشر الهجري، الموافق للقرون الثالث عشر حتى العشرين الميلادي، واستعرضت أنواعه وطرق إدارته وعلاقة الدولة به والمخاطر التي تعرض لها، ثم تتبعت أثر الوقف في الحياة الاجتماعية والثقافية وإسهامات المرأة الظفارية في هذا المجال.

وختم «العبري» ورقته باستخلاص نتائج أبرزها توثيق المسار التاريخي للوقف في ظفار وبيان عوامل انتشاره ومصادره وأنواعه وآليات تنظيمه وتوثيقه وما تعرض له من مخاطر، مع إبراز أثره في الحياة الاجتماعية والثقافية ومشاركة فئات المجتمع فيه، بما في ذلك إسهامات المرأة الظفارية.

مواقع التراث العالمي

من جانبه قدم الدكتور يونس بن جميل النعماني، المدير المساعد بدائرة قطاع الثقافة باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، ورقة بعنوان «إدارة مواقع التراث العالمي في سلطنة عمان.. مواقع أرض اللبان بمحافظة ظفار أنموذجا»، سلطت الضوء على موقع أرض اللبان المدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو ودوره في تعزيز السياحة المستدامة والانتقال من المحلية إلى العالمية. واستعرضت الورقة متطلبات الإدارة الفاعلة للموقع من حماية وصون وتفسير وعرض، وعلاقتها بتنمية المجتمعات القريبة وتعزيز الجذب السياحي ورفع الوعي بالإرث الحضاري العماني، مع قراءة للتحديات والمعوقات التي قد تمس الاستدامة التشغيلية والحفاظ على القيمة العالمية الاستثنائية للموقع.

وأكد يونس النعماني على ضرورة تطوير أدوات الإدارة المتكاملة لمواقع أرض اللبان، عبر تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية، وتحديث خطط التفسير وإدارة الزوار، ورفع كفاءة إجراءات الحماية والمتابعة والتقييم، وتمكين المجتمع المحلي للاستفادة الاقتصادية المستدامة، بما يحول مواطن الضعف إلى فرص ويعزز إسهام هذه المواقع في التنمية المستدامة ويعمق الوعي العالمي بمكانة عمان في التراث الإنساني.

مواقع أرض اللبان

واختتم علي بن سالم الكثيري، مدير دائرة مواقع أرض اللبان بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار، أعمال الجلسة الثانية بورقة بعنوان «مواقع أرض اللبان»، تناولت القيمة العالمية الاستثنائية للمواقع الأربعة المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو في المحافظة، وهي: البليد، خور روري (سمهرم)، شصر (بار)، ومحمية وادي دوكة لأشجار اللبان. وبيّن «الكثيري» أن هذه المواقع تشكل دليلا ماديا متكاملا على شبكة طرق تجارة اللبان التي ربطت جنوب الجزيرة العربية بحوض البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، موضحًا دورها التاريخي والثقافي والبيئي كمراكز للتبادل التجاري والنشاطات الطقسية والتكيف البشري مع البيئات الصحراوية، وما أضفته من تأثير في تشكيل الهوية التاريخية والاقتصادية للمنطقة. وأشار «الكثيري» إلى أن ورقته اعتمدت على نتائج الحفريات الأثرية والمصادر التاريخية ووثائق اليونسكو، ووقفت عند محاور التجارة والتنقل وإدارة الموارد والتفاعل بين الثقافات، مع عرض خرائط ومخططات وصور توضح معالم المواقع وبيئتها الطبيعية.

وختم بالتأكيد على الأهمية المستمرة للبان في حفظ الهوية الإقليمية والتراث الثقافي، واستعرض الجهود الجارية لحماية هذه المواقع وتفسيرها أمام الزوار، بما يعزز الوعي العالمي بمساهمة سلطنة عمان الفريدة في التراث الإنساني.

الجلسة الثالثة

وفي مستهل الجلسة الثالثة التي ترأسها الدكتور عامر بن ازاد الكثيري، قدم الدكتور ياسر مصطفى عبدالوهاب، أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك بجامعة السلطان قابوس، ورقة بعنوان «حضارة ظفار في عيون الرحالة الأجانب أواخر العصور الوسطى»، تناولت ما أثبته الرحالة منذ أواخر القرن السادس وحتى مطلع القرن التاسع الهجري عن ظفار من أوصاف دقيقة لحياتها الاجتماعية وتقاليد أهلها ومعالمها العمرانية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي وصلاتها التجارية، واستندت الورقة إلى شهادات رحالة بارزين من أمثال ماركو بولو وتشنج خه وافانسي نيكتين وابن بطوطة، بوصفها مادة نصية عابرة للثقافات تشكل سجلا مهما لظفار في تلك المرحلة.

وبين «عبدالوهاب» ما تناثر في هذه المدونات من تفاصيل عن أسواق ظفار وموانئها ومسالك التجارة البحرية، كما استعرض ما أُثير تاريخيًّا حول صلات الجزية والتبادل مع أباطرة الصين، مع الإشارة إلى روايات مبشرين مثل بنديكت جويس للمقاربة والمقارنة. وأبرز «عبدالوهاب» صورة المجتمع الظفاري كما التقطها الرحالة في ملبسه وعاداته وطقوسه وطرائق العمران والحياة اليومية، موضحا كيف عكست هذه النصوص مكانة ظفار في شبكة التبادل التجاري والثقافي على ساحل المحيط الهندي.

المجتمع والجوانب الاقتصادية

كما قدمت أميرة بنت سليمان الحارثية، مدرس بقسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس، ورقة بعنوان «المجتمع الظفاري والجوانب الاقتصادية من خلال نماذج من كتابات وتقارير الرحالة الأجانب في القرنين التاسع عشر والعشرين»، عرضت فيها صورة المجتمع الظفاري كما سجلها كروتندن 1838م وهاينز 1845م وثيودور بنت 1894م وبرترام توماس 1930م وثيسجر 1945م وجوزيف هارتلي 1948م. واستعرضت الورقة أوصاف المدن والقرى والعمران والعادات واللباس وصورة المرأة، إلى جانب النشاط الاقتصادي من زراعة وتجارة والسلع المصدرة والمستوردة عبر موانئ ظفار.

وبينت «الحارثية» أن المقارنة بين هذه الشهادات تكشف تبدلات اجتماعية واقتصادية ملموسة وتباينا في زوايا النظر، بما يتيح فهما أدق لتحولات المجتمع الظفاري بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

الأرض والإنسان

في حين قدم الدكتور سالم بن حمد النبهاني، مشرف مادة التاريخ بوزارة التربية والتعليم، ورقة بعنوان «ظفار الأرض والإنسان في الكتابات الأجنبية في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين»، جمعت ما ورد عن ظفار في السرديات المبكرة ثم في كتابات الرحالة اللاحقين والتقارير الأجنبية التي تناولت أوضاع المحافظة ومكانتها.

وأشار «النبهاني» إلى ما ترسمه هذه النصوص من صورة استراتيجية لظفار في محيطها، مع رصد لانطباعات الزوار حول الجغرافيا والاقتصاد والحياة الاجتماعية، مؤكدا أن الخلاصة تحدد وزن ظفار التاريخي في تلك المرحلة وتبرز حضورها على خرائط التجارة والرحلات والاتصال الحضاري.

المكانة العلمية والحضارية

وفي نفس الجلسة قدّم الدكتور حسين بن علي المشهور باعمر، باحث إداري بهيئة حماية المستهلك، ورقة بعنوان «المكانة العلمية والحضارية لمدينة صلالة منذ القرن الأول وحتى الرابع عشر الهجري/ السابع وحتى العشرين الميلادي»، تتبع فيها مسار الحياة العلمية في صلالة من صدر الإسلام حتى العصر الحديث، وارتباط المكانة بدور المدينة الاقتصادي كميناء وبإنتاج سلع رائجة تاريخيا. واستندت الورقة إلى نماذج من المراسلات الفقهية والنتاجات العلمية وأسماء لعلماء وطلبة علم أسهموا في ازدهار الحركة العلمية عبر قرون متتابعة. وأكد «باعمر» أن جمع الشواهد يعيد إبراز صلالة حاضرة علمية متصلة بمدن عمان التاريخية، ويسد فجوات الوعي بتاريخها العلمي الذي همشته المصادر لفترات طويلة.

المعلمون الرحل

واختتم الدكتور أحمد بن علي المعشني، أستاذ جامعي متقاعد ورئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية، أعمال الجلسة بورقة بعنوان «المعلمون الرحل في جبال ظفار قبل 1970م حملة النور في زمن الترحال»، وثقت تجربة تعليمية سبقت قيام المدارس النظامية، قادها معلمون ومعلمات متنقلون في بيئة يهيمن عليها الترحال وضعف البنية الأساسية. وأوضح «المعشني» إسهام هؤلاء في محو الأمية ونشر الوعي الديني والاجتماعي في الجبال والبوادي والمناطق النائية، مع إبراز شخصيات بارزة مثل الشيخ سعيد بن سعد زعبنوت والشيخ سعيد بن سالم شبعوت المعشني وخضرة بنت سيلام، والإشارة إلى أدوات التعليم المتنقل وأماكنه وأثره في تمكين المرأة وترسيخ القيم الاجتماعية، وختم بالتأكيد على أن توثيق هذه التجربة يعيد الاعتبار لرموز محلية حملت مشعل المعرفة ومهدت للنهضة التعليمية في ظفار.