علماء فلك يتوصلون إلى أفضل رؤية لاندماج ثقبين أسودين
الخميس / 18 / ربيع الأول / 1447 هـ - 17:30 - الخميس 11 سبتمبر 2025 17:30
واشنطن 'رويترز': يعد اندماج ثقبين أسودين حدثا كونيا عظيما في ضوء ما يكشفه عن أكثر ظواهر الفضاء والزمن والجاذبية تطرفا من تلك المعروفة علميا.
وتمكن الباحثون الآن من التوصل إلى أفضل نظرة حتى الآن لمثل هذا الحدث، وذلك استنادا إلى اكتشاف تموجات في الزمان والمكان (الزمكان) تسمى موجات الجاذبية، في ملاحظة تقدم دعما قويا لفرضيات الفيزيائيين الكبيرين ألبرت أينشتاين وستيفن هوكينج.
ووقع الاصطدام على بُعد 1.3 مليار سنة ضوئية من الأرض في مجرة تقع خلف مجرة درب التبانة، بين ثقبين أسودين، أحدهما تقارب كتلته 34 مثل كتلة الشمس وتبلغ كتلة الأخر 32 مثل كتلتها تقريبا. واندمجا في جزء من الثانية بعد أن دارا حول أحدهما الآخر بسرعة تقارب سرعة الضوء، ونتج عن ذلك ثقب أسود واحد تقارب كتلته 63 مثل كتلة الشمس، ويدور بسرعة نحو 100 دورة في الثانية.
والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال عام واحد، أي 9.5 تريليون كيلومتر. والثقوب السوداء أجسام كثيفة للغاية، ذات جاذبية هائلة لا يستطيع حتى الضوء الإفلات منها.
أطلق الاندماج كمية هائلة من الطاقة التي انبعثت إلى الخارج على شكل موجات جاذبية، وهي كمية تعادل سحق ثلاثة نجوم بحجم الشمس. رُصدت هذه الموجات في 14 يناير في مواقع بحثية في هانفورد بواشنطن ووليفينجستون بلويزيانا، وهي جزء من مرصد موجات الجاذبية باستخدام مقياس التداخل بالليزر التابع للمؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم.
وجاءت هذه الملاحظات بعد نحو 10 أعوام من الاكتشاف الرائد لموجات الجاذبية، والتي نتجت عن اندماج مماثل. وقد أتاحت التطورات التكنولوجية منذ 2015 رصد هذا الاندماج بدقة أعلى أربع مرات من سابقه.
تنتشر موجات الجاذبية إلى الخارج من مصدر مثل التموجات في بركة ماء. وفي هذه الحالة، تكون البركة هي الزمكان، ذلك النسيج رباعي الأبعاد الذي يجمع أبعاد المكان الثلاثة- الارتفاع والعرض والطول- مع بعد الزمن.
وقال عالم الفيزياء الفلكية ماكسيميليانو إيسي، من جامعة كولومبيا ومعهد فلاتيرون، وأحد قادة الدراسة التي نشرت في دورية (فيزيكال ريفيو ليترز) 'بتنا نعلم بفضل ألبرت أينشتاين أن المكان والزمان متشابكان، وأفضل سبيل للنظر إليهما هو اعتبارهما وجهين لكيان واحد، الزمكان'.
وأضاف 'ويتجلى هذا، على سبيل المثال، في أن الزمن يتدفق بمعدلات مختلفة تبعا لموقعك: فبالقرب من جسم ثقيل، مثل ثقب أسود، يتدفق الزمن ببطء أكبر مقارنة بشخص أبعد، لذا فإن الشخص القريب من ثقب أسود سيتقدم في العمر على نحو أبطأ'.
وحلل الباحثون ترددات موجات الجاذبية المكتشفة لتمييز الخصائص الأساسية للثقوب السوداء قبل الاندماج وبعده مباشرة. ومع أن هذه الترددات لم تكن موجات صوتية، فقد شبهها الباحثون قارنوها برنين جرس.
وقال إيسي 'هذا أشبه بمحاولة معرفة مكونات جرس من خلال صوت رنينه عند قرعه'.
وعلى سبيل المثال، يُصدر جرس حديدي كبير صوتا مختلفا عن جرس ألمنيوم صغير.
وما توصل إليه الباحثون بناء على تردد موجات الجاذبية أثبت صحة مبدأ أساسي في الفهم العلمي للثقوب السوداء طرحه هوكينج، الذي توفي عام 2018.
وافترض هوكينج أن المساحة السطحية الكلية للثقوب السوداء يجب ألا تتقلص أبدا. وتعني فرضيته أن مساحة سطح الثقب الأسود الوحيد الناتج عن اندماج يجب أن تتجاوز مجموع مساحتي الثقبين الأسودين المندمجين.
ولبى هذا الاندماج ذلك التوقع. فقبل الاصطدام، كانت المساحة السطحية الكلية للثقبين الأسودين معا نحو 240 ألف كيلومتر مربع. وقاربت مساحة سطح الثقب الأسود الوحيد الناتج عن الاندماج 400 ألف كيلومتر مربع.
وقال عالم الفيزياء الفلكية ويل فار، من جامعة ستوني بروك ومعهد فلاتيرون وأحد قادة الدراسة 'هذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من إجراء هذا القياس بهذه الدقة، ومن المثير للاهتمام الحصول على تأكيد تجريبي مباشر لهذه الفكرة المهمة عن سلوك الثقوب السوداء'.
وقدمت الملاحظات أيضا أوضح دليل حتى الآن على أن الثقوب السوداء هي أجسام بسيطة مثلما توقعتها نظرية النسبية العامة لأينشتاين، والتي تنص على أن الجاذبية ناتجة عن انحناء الزمكان الناجم عن الكتلة والطاقة.
وأثبتت النتائج صحة بساطة الثقوب السوداء التي تحدث عنها أينشتاين- أي أنه يمكن فهمها تماما بالاعتماد حصريا على كتلتها ودورانها- كما توصل إليها عالم الرياضيات روي كير عام 1963.
تصور فني يظهر الأحداث التي سبقت مباشرة اصطدامًا قويًا بين ثقبين أسودين رُصد في موجات الجاذبية بواسطة مرصد ليغو التابع للمؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم. يُصوّر المشهد من أحد الثقوب السوداء وهو يدور حلزونيًا نحو شريكه الكوني. 'رويترز'