ندوة تكشف ملامح الدور الريادي للشيخ سليمان اللمكي في السياسة والثقافة والمجتمع
الثلاثاء / 16 / ربيع الأول / 1447 هـ - 18:50 - الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 18:50
تغطية ـ فيصل بن سعيد العلوي -
بدأت اليوم الندوة العلمية 'قراءات في فكر الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي'، في قاعة جامع السلطان قابوس الأكبر في إطار اهتمام وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ممثلة في المنتدى الأدبي، بتوثيق الفكر العُماني وإبراز أعلامه من العلماء والمفكرين، وتأتي هذه الندوة والتي أقيم افتتاحها اليوم برعاية فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان ضمن المشروع البحثي التوثيقي الذي يتبناه المنتدى الأدبي تحت عنوان 'قراءات في فكر العلماء'، وتهدف إلى تسليط الضوء على مسيرة الشيخ اللمكي الفكرية والعلمية والإصلاحية، من خلال أوراق عمل قدمها باحثون متخصصون يتناولوا مختلف جوانب حياته ونشأته وإسهاماته المتعددة في مجالات السياسة والعلم والثقافة والمجتمع على مدار يومين.
ركيزة الهوية الوطنية
في تصريح له قال فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان وراعي المناسبة: إن الاحتفاء بالشيخ سليمان بن ناصر اللمكي يمثل وفاءً لحق من حقوق أعلام عُمان الذين تركوا بصمات خالدة في تاريخ الوطن، ورسالةً للأجيال الحاضرة بأن القيم والأخلاق والحكمة والسيرة العطرة تحظى بتقدير رفيع في هذا البلد الأصيل العريق، كما أن استذكار سير هؤلاء الأعلام يُسهم في تعزيز الهوية الوطنية وترسيخ الثقافة العُمانية.
وأشار فضيلته إلى أن الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي كان رجل دولة بامتياز، واسع الثقافة والمعارف، متعدّد اللغات، وظّف هذا التنوع المعرفي والثقافي لخدمة وطنه ومجتمعه، فقد جاب البلدان وتعرّف على نظم الإدارة وأساليب التقدّم في الدول الأخرى ليستفيد منها في بيئته، مع محافظته على أصالة عاداته وتقاليده وهويته الوطنية، وأن استحضار مثل هذه النماذج يعد اليوم ذا أهمية بالغة، في ظل الانفتاح الواسع وعصر العولمة والذكاء الاصطناعي، حيث نحن بحاجة إلى تنوع المعارف والثقافات التي تثري مجتمعنا وتدعم هويتنا الوطنية، وتنقل القيم النبيلة لأجيالنا المتلاحقة، مؤكداً أن هذه الندوة تأتي في صميم هذا الهدف، بمشيئة الله تعالى.
كلمات إستذكارية
وأشار ناصر بن سالم الصوافي المدير العام المساعد بالمنتدى الأدبي في كلمته إلى أن اختيار الشيخ 'اللمكي' هذا العام لكونه أحد أعلام عمان وشرق أفريقيا الذين جمعوا بين الحكمة والبصيرة، وبين الحزم والرحمة، فسطع اسمه في القرن الأفريقي في فترة اشتدت فيها الصراعات الاستعمارية وتفاوتت خلالها موازين القوى، وُلد في زنجبار عام 1894م، في بيئة ثرية بالعلم والقيادة، وعاش واحداً وتسعين عاما متنقلا بين عمان وزنجبار منذ أن كان في الثامنة من عمره، لتبدأ هناك رحلته في السياسة والمعرفة والتأثير، فكان رائدا في الدعوة إلى الخير والإصلاح والسلام ووحدة الكلمة.
وفي كلمة لأسرة الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي جاء فيها إن استحضار شخصية الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي ليس مجرد استذكار لماضٍ مضى، بل هو استلهام لقيم متجددة تتجسد في الإخلاص للوطن، والوفاء للمجتمع، والعمل الجاد من أجل رفعته، ولقد آمن الشيخ 'اللمكي' بأن المعرفة قوة، وأن تنوع الثقافات واللغات وسيلة لتعزيز الهوية الوطنية لا لإضعافها، فجعل من تجربته الثرية في المهجر جسرًا للتواصل الحضاري، ومجالًا لتوظيف خبراته في خدمة وطنه ومجتمعه، وإننا إذ نحتفي اليوم بذكراه، فإنما نؤكد على أن مسيرته تمثل مدرسة متكاملة تُغرس دروسها في الأجيال القادمة، لتبقى عُمان رائدة بثقافتها، شامخة بقيمها، متجددة بعطاء أبنائها.
النشأة والإستقرار
استهلت الندوة التي أدارها الدكتور خميس بن عبدالله الشماخي أعمالها بأولى أوراقها العلمية التي جاءت بعنوان 'نشأة الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي واستقراره في شرق أفريقيا (1318هـ–1355هـ / 1903م–1935م)'، وقدمتها الباحثة أسية المحروقية حيث تناولت الورقة سيرة الشيخ اللمكي باعتباره إحدى الشخصيات العُمانية البارزة في التاريخ الحديث، مبرزة ثراء حياته في الجوانب الاجتماعية والسياسية والعلمية، واستعرضت نسبه وانتماءه إلى قبيلة بني لمك الأزديّة التي استقرت في ولاية الرستاق، حيث برز ضمن فخذ أولاد ذيب المعروف بمكانته العلمية والقضائية... وأشارت الورقة إلى ولادته في بلدة الظاهر عام 1318هـ/1901م، وانتقاله مع والده إلى زنجبار وهو في الثامنة من عمره، لينشأ في بيئة علمية نشطة أتاحت له التحصيل الذاتي حتى أتقن العربية والسواحيلية والألمانية والإنجليزية، كما أبرزت صفاته الإنسانية من كرم وسخاء، ودعمه للفقراء، ومساهمته في بناء المساجد والمدارس، حتى وصفه المغيري في 'جهينة الأخبار' بـ'نادرة زمانه'، وأطلق عليه في زنجبار لقب 'سيد همر' دلالة على مكانته الاجتماعية الرفيعة.
كما توقفت الورقة عند أبنائه، ومن أبرزهم الشيخ ناصر المكي (توفي 1382هـ/1963م) الذي كان له إسهام تجاري وعلمي مهم، فضلاً عن دور الشيخ نفسه في مجالات التعليم والثقافة والصحافة، واختتمت بالتأكيد على أثر البيئة العُمانية في تكوين شخصيته، إلى جانب البيئة الزنجبارية التي أسهمت في صقل مساره العلمي والاجتماعي.
الدور الاجتماعي
وفي الورقة العلمية الثانية بعنوان 'المكانة والدور الاجتماعي للشيخ سليمان بن ناصر اللمكي في عمان وزنجبار' للدكتور محمد بن حمد العريمي استعرض في الورقة الدور البارز للشيخ اللمكي في الحياة الاجتماعية والإدارية، مشيرة إلى تقلده عدداً من المناصب في شرق أفريقيا، وإلى كونه من أبرز الشخصيات العُمانية والعربية التي ارتبطت بتاريخ تلك المنطقة في العصر الحديث.
وتطرقت الورقة إلى شبكة علاقاته الواسعة التي اتسمت بالود والاحترام مع عدد من سلاطين عمان الذين عاصرهم، فضلاً عن كونه رحالة زار العديد من الدول ودوّن مشاهداته. كما أبرزت أدواره التنويرية في ميادين التعليم والصحافة والثقافة، ودعمه لعدد من المبادرات والمشروعات الفكرية.
ووقف 'العريمي' في ورقته عند الجوانب الاجتماعية لشخصيته، سواء من خلال علاقاته مع السلاطين والمجتمع المحلي، أو عبر المراسلات الاجتماعية التي تبادلها مع شخصيات بارزة في عمان وزنجبار.
الدور السياسي
أما الورقة العلمية الثالثة فقدمها الدكتور ناصر الريامي بعنوان 'الدور السياسي للشيخ سليمان اللمكي'، ركزت على الجانب السياسي من مسيرة الشيخ 'اللمكي' مستعرضا مكانته كشخصية لم تقتصر على المستوى المحلي أو الإقليمي فحسب، بل تجاوزتهما لتكون شخصية ذات تأثير عابر للقارات، وتوقفت عند محطات عدة أبرزها علاقته الوثيقة بسلاطين عمان وزنجبار، والمناصب التي أسندت إليه، إلى جانب المراسلات المتبادلة التي تعكس مكانته السياسية المرموقة، كما تناول 'الريامي' في ورقته علاقته مع الألمان وتعيينه واليا على دار السلام، حيث خاض تجارب معقدة في ظل النفوذ الألماني، وظل يشغل المنصب حتى تقاعده عام 1951م، مشيرة إلى لقائه مع قيصر ألمانيا ثم مع السلطان عبد الحميد عام 1938م، ولم تغفل الورقة علاقته مع الإنجليز الذين اعتبروه خصما مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، قبل أن يُعاد توظيف مكانته في مسار دبلوماسي معقد، وصولًا إلى تعيينه مراقبا عرفيا في مجلس الحماية وعضوًا في المجلس التشريعي عند تشكيله الأول عام 1929م، واختتمت ورقته بالإشارة إلى لقائه بالسلطان سعيد بن تيمور عام 1939م.
الدور العلمي والثقافي
واختُتمت الجلسة بالورقة العلمية الخامسة التي قدّمها الدكتور سليم بن محمد الهنائي بعنوان 'الدور العلمي والثقافي للشيخ سليمان بن ناصر اللمكي (1862 – 1935م)'، حيث أوضحت الورقة أن ارتباط عُمان بشرق أفريقيا منذ قرون أسهم في نشوء بيئة علمية وحضارية نشطة، وكانت زنجبار مركزها الأبرز، حيث برز الشيخ اللمكي كونه أحد أعلام النهضة الثقافية، وأتقن أربع لغات رئيسية العربية، السواحيلية، الإنجليزية، والألمانية، ما أتاح له الانفتاح على ثقافات متعددة وممارسة دور سياسي ودبلوماسي إلى جانب دوره العلمي.
وتناولت الورقة إسهاماته في دعم التعليم عبر تأسيس وتمويل مدارس في زنجبار وعُمان، أبرزها المدرسة البارونية في سمائل التي تجاوزت تكلفتها عشرة آلاف روبية، إلى جانب توفير وسائل تعليم حديثة كالكتب والخرائط، كما أبرزت اهتمامه بالطباعة والنشر، حيث اقتنى مطبعة في مصر لطباعة مؤلفات العلماء الإباضيين، وفي مقدمتها 'شرح النيل وشفاء العليل'، وهو ما جعل زنجبار مركزًا معرفيًا يصل أثره إلى عُمان.
وتوقفت الورقة عند حرصه على حفظ التراث العلمي من خلال قصة استرجاعه لمخطوطة 'شرح النيل' المسروقة أثناء الحج عام 1890م، مؤكدة أن ذلك يعكس وعيه بقيمة العلم، كما أبرزت الورقة جهوده في بناء المساجد وترميمها في زنجبار وعُمان وتزويدها بالكتب والمصاحف، إلى جانب دعمه للمشاريع الخيرية.
كما أشارت الورقة إلى دوره في الصحافة من خلال توليه رئاسة تحرير مجلة 'النجاح' بزنجبار عام 1911م، ومشاركته بمقالات في صحف عربية مثل 'الهلال' المصرية، في خطوة تعكس وعيه المبكر بأهمية الإعلام في نشر الوعي الثقافي والاجتماعي، وختمت الورقة بالتأكيد على أن شخصية الشيخ اللمكي تمثل نموذجًا متكاملًا لعالم وإداري وصحفي وداعم للعلم والخير.
تجدر الإشارة إلى فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان راعي المناسبة كرّم خلال الحفل الباحثين المشاركين وأسرة الشيخ اللمكي، كما تجوّل في المعرض المصاحب الذي تنوع في عرض الوثائق والمخطوطات إضافة إلى انتاجات المنتدى الأدبي وعرض مقتنيات من المتحف الوطني.
كهلان الخروصي: استذكار سيرة أعلام عمان رسالة للأجيال بأن القيم والأخلاق ركيزة الهوية الوطنية -
في تصريح له قال فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان وراعي المناسبة: إن الاحتفاء بالشيخ سليمان بن ناصر اللمكي يمثل وفاءً لحق من حقوق أعلام عُمان الذين تركوا بصمات خالدة في تاريخ الوطن، ورسالةً للأجيال الحاضرة بأن القيم والأخلاق والحكمة والسيرة العطرة تحظى بتقدير رفيع في هذا البلد الأصيل العريق، كما أن استذكار سير هؤلاء الأعلام يُسهم في تعزيز الهوية الوطنية وترسيخ الثقافة العُمانية. وأشار فضيلته إلى أن الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي كان رجل دولة بامتياز، واسع الثقافة والمعارف، متعدّد اللغات، وظّف هذا التنوع المعرفي والثقافي لخدمة وطنه ومجتمعه، فقد جاب البلدان وتعرّف على نظم الإدارة وأساليب التقدّم في الدول الأخرى ليستفيد منها في بيئته، مع محافظته على أصالة عاداته وتقاليده وهويته الوطنية، وأن استحضار مثل هذه النماذج يعد اليوم ذا أهمية بالغة، في ظل الانفتاح الواسع وعصر العولمة والذكاء الاصطناعي، حيث نحن بحاجة إلى تنوع المعارف والثقافات التي تثري مجتمعنا وتدعم هويتنا الوطنية، وتنقل القيم النبيلة لأجيالنا المتلاحقة، مؤكداً أن هذه الندوة تأتي في صميم هذا الهدف، بمشيئة الله تعالى.