هوليوود في حرب مع نفسها بسبب غزة
الاثنين / 15 / ربيع الأول / 1447 هـ - 21:24 - الاثنين 8 سبتمبر 2025 21:24
شطرت غزة هوليوود إلى نصفين، ومع انطلاق موسم السينما الجادّة بمهرجاني فينيسيا وتورونتو للأفلام، عادت الانقسامات التي فجّرتها الحرب لتتصدّر المشهد من جديد.
مزقت أحداث 7 أكتوبر 2023، مجتمع الترفيه بطريقة لم تفعلها قضايا أخرى في العقود الأخيرة، تاركة جراحًا عميقة. بخلاف الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو حتى الحرب في أوكرانيا، وهما قضيتان تمكّنت صناعة السينما ذات التوجه التقدمي من الاتفاق حولهما، ظلّ الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي «سلكا كهربائيا ثالثا» لا يُمس، إذ تتصادم فيه القناعات بقوة وغضب على الجانبين. الفيلم الوثائقي «لا أرض أخرى»، الذي تناول القمع في الضفة الغربية، حاز استحسان المهرجانات العام الماضي وفاز في النهاية بجائزة أوسكار، لكنه أثار جدلا كبيرا جعل الموزعين يترددون في الاقتراب منه.
كلٌّ من أنصار فلسطين والمدافعين عن إسرائيل يشعرون بأنهم مضطهدون بسبب آرائهم ـ أو يخشون أن يصبحوا كذلك. ومنذ البداية، ترددت أحاديث عن انتقام قد يطول من يعلن موقفه.
افتتح مهرجان فينيسيا الشهر الماضي على وقع احتجاج ضخم في الشارع، ترافق مع دعوات من مجموعة من صناع الأفلام والفنانين الدوليين لاتخاذ موقف «واضح لا لبس فيه» ضد «الإبادة المستمرة في غزة والتطهير العرقي في فلسطين الذي تنفذه الحكومة والجيش الإسرائيليان». وطالبوا كذلك بسحب الدعوات من ممثلين ظهروا في أفلام عُرضت بالمهرجان، منهم غال غادوت، الممثلة الإسرائيلية، وجرارد بتلر، الذي أدلى بتصريحات مؤيدة لإسرائيل.
اختار منظمو المهرجان، إلى جانب المخرج جوليان شنابل صاحب فيلم «في يد دانتي»، إعادة التركيز على الأفلام المعروضة. لم يُسحب الحضور من غادوت ولا من بتلر، لكن أيا منهما لم يظهر في المهرجان.
في المقابل، يقدّم فيلم وثائقي آخر بعنوان «الطريق بيننا: الإنقاذ الأخير»، للمخرج الكندي باري أفرِتش، قصة الجنرال الإسرائيلي المتقاعد نوآم تيبون، الذي انطلق من تل أبيب نحو كيبوتس ناحال عوز محاولا إنقاذ أولاده وأحفاده أثناء هجوم حماس الأولي. من المقرر أن يُعرض الفيلم لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي يوم الأربعاء.
لكن عرضه كاد ألّا يتم. إذ برمج المهرجان الفيلم أولا، ثم أزاله بحجة أنّ لقطات هجوم حماس لم يُصرّح باستخدامها. وبعدما وقّع أكثر من ألف شخصية من الوسط الفني، بينهم إيمي شومر وديبرا ميسينغ، عريضة تتهم المهرجان بإسكات الأصوات اليهودية، أعاد منظمو تورونتو الفيلم إلى برنامجه.
يشكل مهرجانا فينيسيا وتورونتو، الذي افتُتح الخميس الماضي، الانطلاقة غير الرسمية لموسم الجوائز السنوي. النجوم، والاستوديوهات، وأبرز وجوه هوليوود يحضرون، إلى جانب وسائل الإعلام العالمية. الاضطرابات العلنية التي رافقت المهرجانين تلخص معضلة عالم السينما: في صناعة يفترض أنها تدافع عن حرية التعبير - بل تحتاج إليها لتزدهر - تحولت غزة إلى قضية لا يكاد يُمكن التطرق إليها.
على جانب، هناك مجتمع يهودي يشعر بريبة عميقة بأن السرديات التي تُظهِر وجهة نظر إسرائيل بتعاطف غير مرحّب بها، وأن التهديد المتصاعد بمعاداة السامية يجري تجاهله من قبل زملائهم التقدميين.
وعلى الجانب الآخر، هناك فئة من الفنانين والمديرين التنفيذيين الواعين سياسيًا، بينهم جيل أصغر من اليهود أنفسهم، يشعرون بالرعب من المجازر في غزة، لكنهم يخشون أن يؤدي إعلان دعمهم العلني للفلسطينيين إلى تدمير مسيرتهم. الممثلة سوزان ساراندون تحدثت في تجمع مؤيد لفلسطين فخسرت عقدها مع وكالة المواهب. أما ميليسا باريرا فاستُبعدت من بطولة سلسلة «Scream» بعد أن نشرت انتقادات لرد إسرائيل العسكري على هجمات 7 أكتوبر، وبدا أنها تروّج لنظرية مؤامرة تزعم أن اليهود يسيطرون على الإعلام.
بطلة «سنو وايت» رايتشل زيغلر كتبت أثناء الترويج المبكر للفيلم في أغسطس 2024: «وتذكّروا دائمًا، فلسطين حرة». وواصلت الدفاع عن آرائها بشأن فلسطين على السجادة الحمراء مع صدور الفيلم مطلع هذا العام. لا شك أن مسؤولي «ديزني» يعتقدون أن ذلك لم يساعد الفيلم الذي حقق إيرادات ضعيفة بلغت 206 ملايين دولار عالميًا. ظهرت زيغلر مؤخرا على المسرح في لندن في مسرحية «إيفيتا»، لكن إذا سألت صانعي القرار في هوليوود، فهي اليوم غير قابلة للتوظيف في الأفلام؛ لأن حرب غزة قضية لا يريد أحد من النجوم الحديث عنها.
لكن الدفاع عن إسرائيل ليس بلا ثمن أيضا. فالممثلة مايم بياليك، وهي من أبرز الداعمين لها، خسرت وظيفتها كمقدمة لبرنامج «Jeopardy» في ديسمبر 2023، وتردّد أن السبب كان نشاطها السياسي. أما غال غادوت، التي شاركت زيغلر بطولة «سنو وايت»، فقد أدلت هذا الصيف بتصريح لافت في مقابلة تلفزيونية إسرائيلية قالت فيه بالعبرية ما كانت تتجنبه سابقا: «ما يحدث في صناعات مختلفة، ومنها هوليوود، هو أن هناك ضغطا كبيرا على المشاهير ليتحدثوا ضد إسرائيل». وكحال زيغلر، يبدو أن مسيرة غادوت الفنية تباطأت.
أعرف من كبار التنفيذيين والمنتجين والممثلين ووكلاء الأعمال من يشعرون بأن الحركة التقدمية، التي دعموها لعقود، قد خانتهم باتهاماتها لإسرائيل بالإبادة وفشلها في إدانة معاداة السامية. قال آري إنغل، مدير أعمال موسيقي ورئيس مجموعة «المجتمع الإبداعي من أجل السلام» التي رعت العريضة لإعادة فيلم «الطريق بيننا» إلى برنامج تورونتو: «أي شخص يتحدث باسم إسرائيل يُلاحَق حتى يُجبر على الصمت».
وأضاف: «بعد السابع من أكتوبر أصدرنا رسالة وقّع عليها الجميع، من أنطوان فوكوا إلى جيري ساينفيلد وكريس باين. أما الآن فالأمر أصعب بكثير لإقناع الناس بالتوقيع على رسائل مماثلة».
لا أحد يريد أن يجلب على نفسه جدلا الآن. لكن هوليوود طالما تعاملت مع السياسة عبر سرد القصص الإنسانية. وأشار إنغل إلى أن مهرجان تورونتو يضم أربعة أفلام تروي قصصا فلسطينية، ولهذا فهو مسرور أن مجموعته نجحت في إعادة «الطريق بيننا» إلى البرنامج.
أحد هذه الأفلام، «صوت هند رجب» للمخرجة كوثر بن هنية، حصد الجائزة الكبرى الثانية للجنة التحكيم في فينيسيا.
كلاهما يفعل ما تفعله السينما في جوهرها: إدخال الجمهور إلى عوالم وتجارب الآخرين وإنسانيّتهم. وما كان ينبغي لهوليوود أن تخشى ذلك يوما.
شارون واكسمان مؤسسة ومديرة تنفيذية ورئيسة تحرير موقع The Wrap. وقد غطّت الحدث من تورونتو.
خدمة نيويورك تايمز
* تمت الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي