أفكار وآراء

آن الأوان لمضاعفة جهود التنويع الاقتصادي في سلطنة عُمان

لم يعد التنويع الاقتصادي في دول الخليج وسلطنة عُمان تحديدا توجها استراتيجيا بقدر ما هو مشروع وطني ضمن أولويات «رؤية عُمان 2040» وقرار اقتصادي ضمن خطط التنمية الاقتصادية الخمسية. آن الأوان لمضاعفة الجهود الوطنية في مشروع التنويع الاقتصادي، وآن الأوان لبذل جهود أكبر في رفع مساهمة القطاعات غير النفطية عبر تنميتها وتعظيم إيراداتها، وجلب مزيدٍ من الاستثمارات النوعية في القطاعات الاقتصادية مثل السياحة واللوجستيات والصناعات التحويلية المعوّل عليها في البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل قطاع المؤسسات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومجالات الاقتصاد مثل الاقتصاد الإبداعي الذي يعد اقتصاد المستقبل لعديد من اقتصادات بعض الدول.

ورغم التقدم ببطء في مؤشرات التنويع الاقتصادي لبعض القطاعات الاقتصادية ما زال هناك المزيد من الفرص التي تملكها سلطنة عُمان مقارنة بالدول المجاورة التي تؤهلها لتحقيق تقدّم في التنويع الاقتصادي من خلال التركيز على تطوير قطاع السياحة خاصة أن سلطنة عُمان تتميّز بالسياحة الموسمية طيلة العام، والتوسّع في الاستثمارات الأجنبية عبر استقطاب أكبر عدد من الاستثمارات النوعية التي بلغت أكثر من 30 مليار ريال عُماني، والمتوقع أن تسجل ارتفاعا مع استمرار استقطاب استثمارات الهيدروجين الأخضر، وبالتالي فإن سلطنة عُمان تملك إمكانيات واعدة في التنويع الاقتصادي تميّزها عن كثير من البلدان، ما يعطيها ميزة نسبية في تحقيق تقدم في التنويع الاقتصادي.

حقيقة رغم الجهود المبذولة منذ 5 سنوات لخفض الاعتماد على إيرادات الطاقة حتى وصلت إلى 68% من جملة الإيرادات، إلا أنّنا بحاجة إلى مزيدٍ من الجهد في تعظيم إيرادات القطاعات الاقتصادية الأخرى. وفي رأيي أن قطاعات مثل السياحة والاستثمار إضافة إلى عقد الاتفاقيات التجارية مع كبرى الدول الاقتصادية مثل الهند ربما تكون هي الحلول الفاعلة والأدوات الأكثر أثرا في التنويع الاقتصادي مع الاشتغال في مشاريع الطاقة النظيفة مثل الهيدروجين الأخضر لتعزيز جهود التنويع الاقتصادي، وبالتالي فإن التنمية الاقتصادية الشاملة تبدأ من التفكير في المشاريع التي لا تتطلب دعما حكوميا مستمرا؛ لأن الاعتماد الأكبر في تمويل هذه المشاريع على إيرادات الطاقة، وتتعزز التنمية الاقتصادية برفع الوعي المجتمعي، وإشراكهم في جهود التنويع الاقتصادي من خلال تشجيعهم على الادخار والاستثمار.

إن الأحداث الجيوسياسية التي تحيط بنا ويتأثر اقتصادنا العُماني بها تتطلب تضافر الجهود وتكاملها؛ لتسريع التنويع الاقتصادي، وتحقيق نتائج أكبر خلال الفترة القادمة خاصة مع عدم استمرار تباين المواقف السياسية بين الدول الكبرى، ما يجعل المخططين الاقتصادي وواضعي السياسات العامة أمام تحديات في وضوح المشهد الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، وتأثيراته على الاقتصاد الخليجي عامة مع تلاقِ أهداف التنويع الاقتصادي في جميع دول المجلس رغم تباين الإمكانيات. علينا الاشتغال جميعا مؤسسات وأفرادا لتعزيز التنويع الاقتصادي في حياتنا اليومية وفي خططنا المستقبلية والاستشرافية، في المقابل لا يعني التنويع الاقتصادي أن ننسى ثرواتنا الطبيعية من الموارد مثل النفط والغاز، فرغم أنّ التوجه لتقليل الاعتماد عليها، إلا أنها ما زالت تمثل ثلثي إيرادات الميزانية العامة للدولة، وينبغي الاستفادة من إيراداتها في تطوير الخطط الاستراتيجية؛ للانتقال إلى الطاقة النظيفة مستقبلا عندما يكون العالم جاهزا للتخلي عن مصادر الطاقة الهيدروكربونية.

مع قرب انتهاء خطة التنمية الخمسية العاشرة، وبدء التخطيط لخطة التنمية الخمسية الحادية عشرة أعتقد أن الفرصة مواتية للوصول إلى بذل جهود أكبر للتقليل من الاعتماد على إيرادات النفط في بناء الميزانية العامة للدولة والتخطيط لها إلى 60% على أقل تقدير من جملة الإيرادات العامة للدولة سواء عبر تعظيم إيرادات الأدوات المالية أو تنمية القطاعات الاقتصادية؛ لرفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي مثل قطاعات السياحة والاستثمار والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

منذ فترة ألاحظ تناول موضوع التنويع الاقتصادي في المجتمع وفي المنصات الإلكترونية من جانب عدم الاعتماد على إيرادات الطاقة في بناء الميزانية العامة للدولة، لكن أعتقد أنّ التنويع الاقتصادي لا يعني الاستغناء تماما عن موارد الطاقة؛ لأن تنمية القطاعات الاقتصادية يتطلب موارد مالية ضخمة تنفق على البحوث والتطوير والدراسات الاستشرافية لقطاعات التنويع الاقتصادي، وبالتالي في الوقت الحالي نحن بحاجة إلى الإيرادات المالية النفطية، مع دراسة إمكانية زيادة إنتاج النفط لتمويل خطط التنويع الاقتصادي خلال السنوات العشر القادمة حتى نستفيد من الطاقة في دعم مساعي التنويع الاقتصادي.

إننا بحاجة إلى مزيد من النقاشات والأطروحات والبحوث الاستشرافية عن التنويع الاقتصادي، وأعتقد أنه آن الأوان للتفكير بجدية وبطرق مبتكرة لتنمية القطاعات الواعدة والاستثمار فيها لدعم جهود التنويع الاقتصادي بعيدا عن الأدوات المالية التي ربما تؤثر على بعض القطاعات وتحد من نموّها. 

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي