أفكار وآراء

واحدا بعد الآخر يتعلم قادة العالم أن التملق لترامب كارثة

ترجمة: أحمد شافعي -

لا يفلح التملق لدونالد ترامب طويلا، ولقد كان ناريندا مودي هو أحدث قادة العالم الذين تعلموا هذا الدرس بالطريقة الصعبة؛ فبتودده إلى من وصفه بـ«الصديق الحقيقي» في البيت الأبيض ظن رئيس وزراء الهند أنه نجح في غزو قلب ترامب المتقلب. كان الرجلان قد وصلا إلى ذروة الصداقة في عام 2019، وتشابكت أيديهما في مسيرة «مرحبا بمودي» في تكساس. ثم ساءت الأمور؛ بفضل تعريفات ترامب الجمركية، ومداعبته لباكستان. وشأن حبيب مغدور رمى مودي نفسه دونما خجل على فلاديمير بوتين في الصين الأسبوع الماضي. وانتهت علاقة دونالد ومودي، ولو أنها -للحق- كانت دائما تبدو علاقة سطحية.

وآخرون من طلاب يد ترامب الزلقة عانوا من انفطار القلب بالمثل؛ فقد تقرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حينما احتفى بترامب في حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، لكن ترامب نبذه بقسوة بعد أن نشأ خلاف بينهما بشأن غزة، ووصفه بطالب الشهرة الذي «يخطئها دائما». أما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ففي لهفة إلى مقابلة مباشرة طارت قاصدة ملعب جولف ترامب الأسكتلندي؛ بغية التودد، والنتيجة قد تكون اتفاقية التبادل التجاري الأشد إذلالا واختلالا منذ «معاهدات عدم التكافؤ» البريطانية الإمبريالية في القرن التاسع عشر مع عرش التنين في بكين.

وتطول قائمة الوعود المغدورة والآمال المهشمة وتطول. ولو أن العلاقات بين الدول تتمحور بصورة طبيعية حول القوة والسياسة والمصالح الاستراتيجية؛ فإنها مع ترامب المتقلب دائما علاقات شخصية، وزائلة. ومما يثير القلق أنه قال للرئيسة المكسيكية الرائعة كلوديا شينباوم إنه «معجب بها للغاية»، ثم هدد بغزو بلدها؛ بسبب يتمثل ظاهريا في ملاحقة تجار المخدرات. ولقد حاول قادة من كندا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا جميعا الفوز بالحظوة لديه بدرجات متفاوتة، ولم يبل أي منهم بلاء حسنا.

ويجدر بهذا كله أن يدق نواقيس الخطر لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قبل زيارة ترامب الرسمية في غضون عشرة أيام؛ فلم يؤد تودد رئيس الوزراء الكوري لترامب إلى منفعة تذكر حتى اليوم برغم تكلفته الكبيرة في السمعة. والظاهر أن ستارمر يعتقد أن تعامله مع علاقة الولايات المتحدة هو أبرز ما في عامه الأول في منصبه، غير أن ترامب يتجاهل دعوات وقف إطلاق النار في غزة، ويعارض اعتراف المملكة المتحدة بالدولة الفلسطينية، وقدم دعما ضخما لبوتين -عدو بريطانيا اللدود- بقمة متسرعة في ألاسكا. وضمانات الأمن الأمريكية لأوكرانيا فيما بعد الحرب سراب أكثر منها حقيقة. وتعريفاته الجمركية وسياساته الحمائية تواصل إيذاء عمال المملكة المتحدة.

وتمثل زيارته الرسمية الثانية احتمالا مرعبا؛ فشرف هذه الزيارة غير مستحق نهائيا. ومن الواضح أن ترامب سوف يكسب اعترافا ملكيا، وفرصة للعب دور الملك دونالد، ومنصة راقية يطرح منها خطاباته القومية الشعبوية المثيرة للانقسام في لحظة هشاشة اجتماعية كبيرة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على السواء. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن كثيرا من البريطانيين يرفضون الزيارة رفضا شديدا، وأن أغلبهم لا يثقون في الولايات المتحدة؛ ولذلك يظل ما يتصور ستارمر أنه سوف يربحه مجهولا. كما أنه عائد ضئيل للغاية ذلك الذي يتمثل في حسن النية العابر لدى الطاغية القادم الذي يفكك الديمقراطية الأمريكية، ويحطم النظام العالمي القائم على القوانين بمناصرة من المملكة المتحدة.

وفي ظل مطالبته بالثناء من رعاياه الأذلاء؛ سوف يرسخ هذا المشهد صورة المملكة المتحدة في عيون العالم بوصفها دولة تابعة تخاف الوقوف ممثلة لقيمها. وحكومة ستارمر الآن مرتبكة أخلاقية إلى حد أنها ترفض الاعتراف بأن إسرائيل -بدعم كامل من ترامب- ترتكب إبادة جماعية في غزة في حين أنها في الوقت نفسه تعد ارتداء قميص مناصر للقضية الفلسطينية عملا إرهابيا. وسوف تكون مسرحية ترامب محرجة، وإشارة إلى مزيد من الانحدار إلى التبعية الاستعمارية. ومع اقتراب الذكرى المئتين والخمسين لاستقلال أمريكا العام القادم ستكون قد اكتملت أخيرا دورة «العلاقة الخاصة» العليلة المزمنة.

غير أن الرضوخ لترامب لا يشمل الجميع، وتتزايد الأدلة على أن المقاومة، لا التذلل هي الطريقة المثلى على الإطلاق للتعامل مع هذا المتنمر. وقد أظهر اندفاع مودي الجيوسياسي في الصين أنه تعلم أنه عند التعامل مع ترامب فإن قوة العزيمة مع توافر خيارات بديلة تمثل سياسة أفضل. ولقد كان خطاب العصيان الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جينبنج يعكس إدراكا مماثلا. لقد اكتشف هو وبوتين أنهما حينما يتمسكان بموقفهما سواء أفي قضية أوكرانيا أم التبادل التجاري أم العقوبات فإن ترامب يتراجع. ولقد تبنى الرئيس الصيني شي موقفا غير مهادن منذ البداية. ويستعمل بوتين التودد، والتلاعب البارع بنرجسية ترامب الهشة. والنتيجة واحدة؛ فشأن الجبناء في أرجاء العالم يحترم ترامب القوة؛ لأنه ضعيف؛ ولذلك يجبن.

وكلما كبر الذئب جاء رد ترامب في وداعة النعاج. ولقد أظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ـ وهو مجرم حرب مدان ـ أن التمسك بموقفه يمكنه من مواجهة ترامب. وأكثر من ذلك أنه من الممكن استمالة ترامب؛ فبعد أن ضرب نتنياهو إيران في يونيو -عكس مشورة الولايات المتحدة في البداية- حرض البيت الأبيض على الانضمام إليه برغم أنه من المخجل أن ترامب لم يفعل ذلك إلا بعد أن تيقن ممن كانت له الغلبة. ثم إنه -كعادته- ادعى لنفسه الفضل في نصر زائف غيّر العالم. وبالمثل نجح دكتاتور كوريا الشمالية كيم يونج أون في خداع ترامب خلال ولايته الأولى. ولما لم يستفد من الدرس، وظل مصرا على طموحاته الجامحة بنوبل للسلام؛ فإن ترامب يثير من جديد احتمالية التواصل غير المشروط مع كيم يونج أون.

يمتلك الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الفكرة الصحيحة؛ فكلما حاول ترامب التنمر عليه بتعريفات جمركية تبلغ 50% أو بوابل من الانتقادات ازداد مقاومة له. وترامب منزعج بصفة خاصة من مصير جايير بولسونارو سلف لولا اليميني الذي قام مثل ترامب بانقلاب انتخابي فاشل، لكن لولا بعيد عن ذلك، وقد قال: «لو أن الولايات لا تريد أن تشتري منا سنجد شركاء جددا. العالم كبير ومتلهف للعمل مع البرازيل».

هذه هي الروح. وقد لا يخطر لكم هذا، لكن معدلات لولا في استطلاعات الرأي تبلغ عنان السماء؛ فأفق يا كير ستارمر، ودعك من ترامب.

سيمون تيسدال من كتاب أعمدة الرأي في صحيفة ذي جارديان