عمان اليوم

النظام الوطني للتقويم .. نقلة نوعية في جودة مخرجات التعليم المدرسي

 

حوار: نورة العبرية -
دشنت الهيئة العُمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم في ديسمبر 2024 النظام الوطني لتقويم أداء المدارس، معلنة بذلك انطلاقة مرحلة جديدة من التقويم والمراجعة الخارجية للمؤسسات التعليمية، وسيبدأ التطبيق الفعلي للنظام في 15 من الشهر الجاري، وأكدت الدكتورة ثرياء بنت سيف الحوسنية، مدير عام مركز ضمان جودة التعليم بالهيئة العُمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، أن النظام الوطني لتقويم أداء المدارس لا يُمثّل مجرد أداة مرحلية للتقييم، بل يُجسد منظومة متكاملة للتطوير المستدام، ترتكز على التحسين المستمر للتعليم المؤسسي، ويُعد ذلك خطوة استراتيجية لترسيخ ثقافة الجودة والإجادة المؤسسية، وتحويل نتائج التقويم إلى خطط عمل واقعية قابلة للتنفيذ، تُمكّن المدارس من إحداث تحسينات ملموسة ومستدامة في مخرجاتها التعليمية، وهناك سعي من قبل الهيئة إلى توسيع نطاق تطبيق النظام الوطني لتقويم أداء المدارس ليشمل جميع أنواع المدارس الحكومية والخاصة، بما في ذلك التعليم المهني والتقني ومدارس تحفيظ القرآن الكريم.
وفيما يلي نص الحوار..
** ما هو النظام الوطني لتقويم أداء المدارس؟
ـ هو نظام شامل لضمان جودة التعليم المدرسي في سلطنة عمان، يقيم أداء المدارس بقياس أثر كل مدخلاتها وعملياتها في نواتج تعلم الطلبة، ويتبع هذا النظام نهجًا يجمع بين التحسين والمساءلة، ويقوم على إجراءات تقويم دقيقة وشفافة ومحايدة.
تهدف الهيئة من خلال تطبيق هذا النظام إلى ضمان جودة التعليم المدرسي في سلطنة عمان؛ ليحقق أعلى معايير الجودة الوطنية والعالمية، بصورة تكفل توفير تعليم جيد وآمن للطلبة في سلطنة عمان، وترفع من القيمة التنافسية الدولية لمخرجات التعليم.
** كيف يسهم في رفع جودة التعليم وتحسين مخرجاته؟
ـ يسهم النظام الوطني لتقويم أداء المدارس في رفع جودة التعليم من خلال توجيه جهود المعنيين بالتعليم نحو التركيز على تجويد الأداء المتصل بنواتج التعلم؛ الأمر الذي سينعكس أثره مباشرة على تعلم الطلبة، كما يؤمل أن يسهم ذلك في ترسيخ ثقافة التقويم الذاتي بالمدارس بصفته عملية مستمرة تستهدف التحسين الدائم لأداء المعلمين؛ لأهميتهم المحورية في جودة التعليم، كما هو الشأن في القيادات المدرسية التي لها دور فاعل فيه، ولا ريب أن التطبيق الجاد لمكونات إطار تقويم أداء المدارس، والتكامل بين الأدوار، سيسهمان في تكوين أساس مهم لجودة التعليم، يمكن البناء عليه وتطويره في الدورات اللاحقة لعمليات المراجعة الخارجية.
** كيف تم بناء النظام ؟ وما المنطلقات الأساسية التي بني عليها (المعايرات الدولية ـ الوطنية ـ التجارب السابقة)؟
ـ تم بناء النظام الوطني لتقويم أداء المدارس استنادا إلى التجارب الوطنية السابقة والتجارب الإقليمية والدولية، وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، فقد استفاد النظام من مخرجات مشروع تطوير الأداء المدرسي الذي طبقته وزارة التربية والتعليم في عام 1998م، مرورا بمشروع تصنيف المدارس الخاصة عام 2017، وصولا إلى إطار تقويم أداء المدارس عام 2018م، وقد شكلت هذه المبادرات أرضية وطنية مهمة أكدت الحاجة إلى وجود نظام مؤسسي مستقل ومستدام، يكفل المواءمة الدائمة مع الطموحات الوطنية والمعايير الدولية، ويضمن الحيادية والموضوعية في تطبيق نهج المساءلة والتحسين.
وقد استفاد النظام أيضا من نتائج الدراسات التي تناولت واقع التعليم المدرسي في سلطنة عمان، والتي أكدت على أهمية الالتفات إلى مجموعة من المكونات الأساسية في المنظومة التعليمية، مثل البيئات التعليمية ومهارات الطلبة والمشاركة المجتمعية، التي ركز عليها ضمن معايير إطار تقويم أداء المدارس المعتمد.
حرصت الهيئة على أن يكون النظام مرتبطا بالسياق الوطني العماني، ويعكس واقع المدارس بمختلف أنواعها ومراحلها، ويستجيب لاحتياجاتها التطويرية، ولهذا الغرض كانت «رؤية عمان 2040» وقانون التعليم واستراتيجية التعليم وغيرها من الوثائق الوطنية مرجعيات أساسية في تصميم المنظومة وبناء معاييرها، بما يضمن توافق النظام مع التوجهات الاستراتيجية للدولة.
بني النظام الوطني لتقويم أداء المدارس على مجموعة من المنطلقات الأساسية التي تشكل الركائز الجوهرية لتصميمه وتنفيذه، وذلك بهدف ضمان رفع جودة التعليم وتحسين مخرجاته بشكل شامل ومستدام، وتتمثل هذه المنطلقات في الشمولية، والاعتماد على قياس الأثر، ومركزية الطالب، والتحسين والمساءلة، والشفافية والحياد.
** ما المنهجية المعتمدة لتطبيق النظام؟
ـ سيطبق النظام من خلال فرق تسمى «فرق المراجعة الخارجية»، تتكون من عدد من الأعضاء يحددون بناء على حجم المدرسة، ويترأس هذا الفريق رئيس، ويشرف على عمل الجميع ضامن للجودة له خبرة طويلة في تطبيق أنظمة جودة التعليم.
** كيف يتم اختيار فرق المراجعة الخارجية؟ وما مؤهلاتهم؟ وكيف تم تدريبهم وبناء قدراتهم؟
ـ يعتمد اختيار الفريق على معايير دقيقة تضمن الكفاءة والحياد والاحترافية في تنفيذ عمليات المراجعة الخارجية، وينطلق الأمر بأن تعلن الهيئة فتح باب الترشح للسجل الوطني للمراجعين الخارجيين، محددة شروط الترشح، يتبع ذلك فرز للطلبات وإخضاع المتقدمين ممن انطبقت عليهم الشروط لبرنامج تدريب نظري، يتلوه برنامج تدريب عملي، ويشترط لقبول الانضمام للسجل الوطني للمراجعين الخارجيين النجاح في كلا البرنامجين التدريبيين، كما يُراعى في الاختيار تنوع التخصصات والخبرات التربوية، لضمان تكامل الفريق المراجع وقدرته على تقييم مختلف الجوانب الأكاديمية والإدارية، ويتم التأكد من التزام المرشحين بقواعد النزاهة والاستقلالية لضمان موضوعية التقويم.
** ما المجالات الرئيسة التي يتم قياسها في المدارس؟
ـ يتابع نظام تقويم أداء المدارس جميع ما له علاقة بالعمل المدرسي، ويتكون إطار تقويم أداء المدارس من خمسة مجالات، هي: الإنجاز الدراسي والتدريس والتقويم والنمو الشخصي ومناخ المدرسة وبيئة التعلم والقيادة والإدارة والحوكمة، ويحتوي كل منها على عدد من المعايير والمؤشرات التي تستطيع جميعها إعطاء صورة شاملة عن أداء المدرسة.
** ما طبيعة البيانات والمعلومات التي يتم جمعها؟ وكيف يتم تحليلها؟
ـ إن البيانات التي يجمعها المراجعون الخارجيون مزيج من البيانات الكمية والنوعية، مثل درجات الطلبة ونسب إتقانهم في جميع المواد، وأعداد الطلبة وتصنيفاتهم، ونسب الحضور والغياب، وأعداد الأنشطة والمشاركون فيها، أما البيانات النوعية ؛ فهي تحوي كل المعلومات الوصفية المستقاة من التقارير والبرامج والمشاريع والمشاهدات اليومية، وتحليل الخطط والبرامج المدرسية، وتتبع أثر تنفيذها.
** ما إجراءات ضمان الشفافية والعدالة أثناء تطبيق النظام؟
ـ حرصت الهيئة على ضمان العدالة والشفافية من خلال حزمة من الإجراءات والسياسات التي تضمن تطبيقًا منصفًا وموحدًا لنظام تقويم أداء المدارس، يستند إلى معايير ومؤشرات أداء محددة وواضحة، ويعتمد على آلية شفافة لاختيار المراجعين الخارجيين تقوم على الكفاءة والخبرة والنزاهة، ويتم الإعلان عن فرص ومواعيد التسجيل بشكل علني وفق ضوابط ومعايير معلنة للاختيار والتكليف.. كما تم تطوير إجراءات واضحة لضمان الجودة في تنفيذ الزيارات الميدانية، من خلال تدريب المراجعين، وتوثيق عملهم، والتدقيق الداخلي على تقاريرهم، وتشمل هذه الإجراءات تنظيم زيارات للمدارس، يتبعها حوار مهني موضوعي مع قيادات المدرسة كجزء من عملية المراجعة، مما يعزز التواصل الفعّال ومشاركة المدرسة في رحلة التقييم، وتخضع تقارير المراجعة لعمليات مراجعة دقيقة داخليًا قبل اعتمادها، بما يضمن دقتها وموضوعيتها، كما تُمنح المدارس فرصة للتعليق قبل إصدار النتائج النهائية، بعد اعتماد التقارير من فرق الجودة الداخلية، يتم نشرها وفق آلية معتمدة تضمن وصولها للمدارس والوزارة وأولياء الأمور، مع الحفاظ على مبدأ الشفافية. ويُمنح الحق للمدارس في تقديم ملاحظاتها أو اعتراضاتها من خلال آلية رسمية للتظلمات، تتعلق بالسلوك المهني أو الجوانب الفنية، مما يعكس التزام الهيئة بمبادئ العدالة الكاملة وصيانة حقوق جميع الأطراف.
** هل سيتم نشر النتائج للرأي العام أم ستخصّص لجهات محددة؟
ـ نعم ستنشر نتائج زيارات المراجعة على المنصة الإلكترونية للهيئة وحساباتها الرسمية؛ حيث يكون التعامل مع نتائج تقويم أداء المدارس وفق سياسة نشر مدروسة توازن بين تعزيز الشفافية وحماية خصوصية المؤسسات التعليمية.
** كيف تضمن الهيئة أن تكون نتائج التقويم مرتبطة بخطط تحسين عملية قابلة للتنفيذ؟
ـ تحرص الهيئة على أن تكون نتائج التقويم أداة تطوير فعالة، وليست غاية بحد ذاتها، ولهذا فهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بخطط تحسين قابلة للتنفيذ.
وتُعد نتائج زيارات المراجعة الخارجية نقطة انطلاق أساسية تُبنى عليها خطط تحسين المدارس، ويتم ذلك بالشراكة مع الجهات المعنية، وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم، حيث تُبنى الخطط بناءً على تقارير تفصيلية تبرز نقاط القوة وفرص التحسين، وترتبط بمؤشرات أداء ومراحل زمنية محددة للتنفيذ.
وتتضمن دورة التقويم آليات واضحة للمتابعة والدعم، من بينها:
•إشراك المدارس في تحليل النتائج وكتابة خطط تطويرية موجهة.
•مراجعة الخطط من قبل الفرق المختصة بالوزارة لضمان واقعيتها وارتباطها بالتوصيات الواردة في التقارير.
** ماذا بعد تطبيق زيارة المراجعة؟
ـ لا تنتهي عملية تقويم أداء المدارس بإتمام الزيارة الخارجية أو إصدار التقرير النهائي؛ بل تبدأ مرحلة تطويرية مهمة تتطلب تفاعلًا مستمرًا بين المؤسسات التعليمية والجهات المشرفة عليها، حيث تستخدم نتائج المراجعة كمدخلات أساسية لتحديث السياسات التعليمية الوطنية، كما ينبغي استخدامها كمطلقات للتدخلات النوعية التي تجريها الجهات المشرفة لدعم المدارس، مع التركيز على معالجة التحديات وتحسين جودة التعليم بشكل شامل ومستدام.
** ما الفوائد المباشرة المتوقعة من تطبيق النظام على الطلبة والمدارس؟
ـ الطالب هو الركيزة الأساس في هذا النظام، حيث يحدد مستوى أداء المدارس بقياس الأثر الذي يحققه في إنجاز الطالب دراسيا ونموه الشخصي، وبذا فإن تطبيق النظام يركز جميع الجهود لتنصب في مصلحة الطالب، مثل تطوير أساليب واستراتيجيات التدريس والتقويم، وإعادة النظر في البيئات المدرسية من حيث الاستجابة لاختلافات الطلبة، وتوجيه القيادات المدرسية إلى ما يتعلق بقيادة التعليم والتحسين، وتعزيز الشراكة مع أولياء أمور الطلبة.
أما بالنسبة للمدارس فإن النظام يمنح المؤسسات التعليمية فرصة حقيقية للتطور والتحسين المستمر، حيث يساعدها على الحصول على تقييم شامل وموضوعي لأدائها في مختلف المجالات، مما يمكّنها من تحديد نقاط الإجادة والبناء عليها، ورصد جوانب التطوير ووضع خطط عملية لمعالجتها. كما يوفر أدوات قياس دقيقة تساعد المدارس على متابعة تقدمها بمرور الوقت، ويعزز ثقافة الجودة والمساءلة داخل المجتمع المدرسي وصولا إلى تحسين بيئة التعلم وتطوير مستوى الخدمات المقدمة للطلبة.
كما يوفر النظام الوطني لتقويم أداء المدارس لأولياء الأمور صورة واضحة وموضوعية عن جودة التعليم ومستوى أداء مدارس أبنائهم، مما يعزز قدرتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن التعليم.. كما يسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، حيث تتوفر لهم معلومات دقيقة حول جوانب الإجادة والجوانب التي تحتاج إلى تحسين في المدارس، الأمر الذي يزيد الثقة في المؤسسة التعليمية، بالإضافة إلى فتح باب شراكة أصيلة وواضحة بين المدارس وأولياء الأمور تساعد على دعم تعلم أبنائهم، بالإضافة إلى ذلك يسهم النظام في ترسيخ ثقة المجتمع بالنظام التعليمي، من خلال توفير بيانات واضحة وموضوعية عن جودة المدارس ومستوى أدائها.. كما يعزز الشفافية والمساءلة، ويتيح للمجتمع فهم الجهود المبذولة لتحسين التعليم، إضافة إلى أنه يدعم مبدأ المساءلة، ويتيح للجهات المجتمعية والإعلامية فهم التحديات والإنجازات بشكل موضوعي، بما يسهم أيضًا في تطوير السياسات، وتوجيه الموارد بشكل فعّال نحو الأولويات المستقبلية للتعليم.
** ما الطموحات المستقبلية للهيئة بعد تطبيق المرحلة الأولى من النظام؟
ـ تتطلع الهيئة إلى تعزيز ضمان جودة التعليم ورفع كفاءته على مستوى سلطنة عمان، وترسيخ ثقافة التقويم الذاتي في المدارس لضمان رفع مستوى التعليم وتحقيق مخرجات تعليمية متميزة. بالإضافة إلى الاستفادة من نتائج زيارات المراجعة الخارجية والبيانات المجمعة لتكون مصادر داعمة لصناع القرار لوضع سياسات تعليمية مستندة إلى أدلة واضحة لتوجيه السياسات التعليمية واتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تعزز التخطيط المبني على الأدلة، والاستفادة من نتائج النظام للمساهمة في تحقيق أهداف «رؤية عمان 2040». وفي إطار التحول الرقمي الذي تتبناه السلطنة، تعمل الهيئة على تطوير المنصة الإلكترونية لدعم عمليات زيارات المراجعة وتسهيل الإجراءات المتصلة بها.