هذه الدول لا تريدأقل من نظام عالمي جديد
السبت / 13 / ربيع الأول / 1447 هـ - 19:42 - السبت 6 سبتمبر 2025 19:42
ريتشارد فونتين ـ أندريا كيندال تايلور
ترجمة: أحمد شافعي -
عندما حضر الرئيس الصيني شي جينبنج الاستعراض الضخم الذي أقيم في بكين يوم الأربعاء الماضي للقوة العسكرية الصينية، لم يقتصر الاستعراض على الطائرات القتالية والصواريخ.
كان الرئيس الصيني محاطا بزعماء روسيا وإيران وكوريا الشمالية، ليشير للعالم إلى بديل ممكن للزعامة الأمريكية، وإلى أن الصين ـ بالاصطفاف مع هذه الدول ـ قادرة على قلب النظام الدولي القائم ومقاومة المهندس الأساسي لهذا النظام أي الولايات المتحدة.
ربما بدا استعراض الوحدة لافتا للبعض، في ضوء أن بعض المراقبين استبعدوا خلال الشهرين الماضيين التفاهم بين الدول الأربع ـ التي أطلقوا عليها «محور الاضطراب» ـ ورأوه إما ميتا أو مغالى فيه منذ البداية. ففي يونيو، اكتفت روسيا وكوريا الشمالية بالمشاهدة، بينما كانت إيران تدخل حرب الاثنا عشر يوما العقابية مع إسرائيل والولايات المتحدة، فلم يتجاوز الأمر إصدار بيانات تدين الهجمات، ثم لا شيء آخر يذكر.
لكن استبعاد وجود المحور بناء على هذا ينطوي على سوء فهم لماهية المحور الحقيقية: فهو تحالف بين أربع دول ترى ـ برغم بون الاختلافات فيما بينها ـ أن الولايات المتحدة خصم مشترك.
وبرغم أن إحداها قد تهب بين الحين والآخر لمساعدة أخرى ـ مثلما فعلت كوريا الشمالية بجنودها الذين انضموا إلى الصفوف الروسية في معركة ضد القوات الأوكرانية ـ فإن هذه ليست الغاية. فالمجموعة لها هدف أبعد طموحا، إذ تسعى شأن قوى المحور في الحرب العالمية الثانية ـ أي ألمانيا وإيطاليا واليابان ـ إلى «ترتيب جديد للأمور» يتيح لكل بلد منها أن تتولى «موقعها الملائم». وبسبب الاستياء من النظام الدولي الذي تعتقد هذه الدول أنه ينكر عليها ما تستحق من مكانة وحرية حركة بفضل ما لها من قوة وحضارة، فإنها تتوحد على الرغبة في تدميره.
ولقد أتاح التعاون القائم بين الدول الأربع بالفعل تقوية قدراتها العسكرية في خصومتها لأمريكا وأضعف أدوات السياسة الخارجية التي يمكن أن تستعملها واشنطن في مواجهتها. ولم يبد تأثيرها أكبر مما بدا في أوكرانيا حيث إن الصين وإيران وكوريا الشمالية قد مكنت الكرملين من إدامة حربه وإحسان الصمود في وجه الضغط الدولي.
ومن المرجح أن تستمر دول المحور في تعهد علاقاتها الاقتصادية والتكنولوجية بالرعاية لتحسين قدرتها على تجاوز الولايات المتحدة وحلفائها وعقوباتهم وقيودهم على التصدير مع توفير بدائل أمام الدول الأخرى للاستقلال عن أمريكا بسوقها وبنوكها وعملتها.
غير أن الأثر العسكري لما بين هذه البلاد من روابط هو الأهم ولا شك. فهذه البلاد تتبادل التكنولوجيا والخبرة العسكرية بطرق تتيح لها تضييق الفجوة بينها وبين أمريكا. ويمكن لما بينها من تعاون أن يقلل الزمن الذي تستغرقه روسيا لإعادة بناء قواتها التقليدية في أي توقف للحرب في أوكرانيا، من خلال إمدادها بالذخيرة أو قطع الغيار التي تحتاج إليها موسكو لتصنيع مزيد من الأسلحة بسرعة أكبر. وقد يوجد هذا ضعفا لدى الناتو في حال تمكن روسيا من إعادة البناء بصورة أسرع من قدرة أوروبا على زيادة قدراتها.
كما أن تعاون المحور قد يعقد الصورة بالنسبة لمخططي الدفاع لدى الولايات المتحدة وحلفائها إذ لا يبقى بوسعهم الافتراض بأن إحدى هذه الدول سوف تحارب منفردة، إما لأن إحدى هذه الدول أو بعضها سوف تمدها بالمساعدة العسكرية والسلاح، وإما بالمقاتلين وهو أقل احتمالا. وثمة أيضا المخاطرة المتمثلة في إمكانية تسببها في أزمات متزامنة على نحو واضح التنسيق أو الانتهازية بما يرهق قدرات الولايات المتحدة في نطاق كبير.
واقع الأمر أن تجمع بكين يشير إلى أن المحور بدلا من أن يضعف إثر حرب إيران في يونيو، إذا به يكتسب زخما. إذ يستشعر أعضاؤه فرصة سانحة. ذلك أن إدارة ترامب تثير قلق حلفاء أمريكا وشركائها الراسخين، وتمنع الوصول إلى أسواقها، وتسحب الدعم الإنساني والمساعدة التنموية، وتوقف البث الدولي والدعم الديمقراطي، وتزداد عزوفا عن لعب دورها القيادي العالمي القديم. فقد لا تكون لحظة ـ في نظر الرئيسين شي وبوتين ـ أفضل من اللحظة الراهنة لتحدي النظام العالمي ذي القيادة الأمريكية وتسريع وتيرة التراجع الأمريكي.
ومن المؤكد أن ضم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للاجتماع يشير إلى أن الوقت مبكر للغاية لافتراض تهميش إيران. فبرغم إضعاف الضربات الأمريكية والإسرائيلية لها، قد ترى الصين وروسيا وكوريا الشمالية قيمة لمساعدة إيران على إعادة بناء قدرتها ومعاداة الولايات المتحدة.
وإدارة ترامب واعية تماما بالتحدي الذي يمثله المحور. والحل الذي لجأت إليه حتى الآن هو الذي يستهدف تحسين العلاقات مع روسيا بافتراض أن القيام بذلك يمكن أن يجذب موسكو ويبعدها عن داعميها الآخرين. ويبدو أن إنهاء حرب أوكرانيا على نحو يتيح علاقة أفضل بروسيا قد يكون الخطوة الأولى.
لكن المحاولة مرة أخرى لإعادة ضبط العلاقات مع روسيا ليست منذورة فقط بالفشل ـ
مثلما سبق أن فشلت ـ ولكنها أيضا تفاقم المشكلة. فالكرملين لن يتخلى عن رؤيته لواشنطن بوصفها العائق الرئيسي لأهداف موسكو، ومن المستبعد أن يعتقد الرئيس بوتين أن رئيسا واحدا لأمريكا يمكن أن ينهي على أي نحو بعيد المدى عقودا من السياسة الخارجية الأمريكية تجاه روسيا.
ومن المرجح أن تكون جهود إغواء الصين عقيمة بالقدر نفسه. من المؤكد أن محاولة الإدارة الأمريكية إبرام اتفاقية تجارية مع بكين بتقديم تنازلت جيوسياسية ـ من قبيل السماح لرقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة بدخول الصين ـ لا يرجح أن تنجح في إبعاد أقوى أعضاء المحور عن بقية شركائه. ومن المحتمل أن تتقبل روسيا والصين ببساطة تنازلات هذه الإدارة ببساطة وتستعملها في تقوية قدرتها على تحدى الولايات المتحدة.
الخبر السار هو أن لدى واشنطن الأدوات اللازمة للتغلب على المحور. فالاقتصاد الأمريكي هو الأكبر في العالم والأشد جاذبية. ونظام التحالفات الأمريكي لا يزال منقطع النظير، وشبكة قواعد الولايات المتحدة في العالم لا تضاهى، والقوة العسكرية الأمريكية هائلة. والقيم الأمريكية ـ أي قيم الديمقراطية والحقوق الأساسية والكرامة ـ قوة طاغية، وتزداد قوة عند تبنيها على المستوى الداخلي. فبوسع أمريكا، إن شاءت، أن تقوي النظام العالمي الذي لا يزال أرقى كثيرا من أي شيء يمكن أن يطرحه المحور. ويبقى السؤال قائما عما لو أن إدارة ترامب ستختار أن تفعل هذا.
ريتشارد فونتين مستشار سابق للسياسة الخارجية للسيناتور جون ماكين والرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأمريكي الجديد.
أندريا كيندال تايلور ضابطة استخبارات كبيرة سابقة وزميلة أولى فيمركز الأمن الأمريكي الجديد.
خدمة نيويورك تايمز