صفاء سالم إسكندر: كنت أرى الأدب مضيعة للوقت ونجيب محفوظ غيَّر مساري!
السبت / 13 / ربيع الأول / 1447 هـ - 18:07 - السبت 6 سبتمبر 2025 18:07
حوار ـ حسن عبد الموجود -
يؤمن الكاتب والرسام العراقي صفاء سالم إسكندر بأن الشاعر في داخله استفاد من الفنان التشكيلي والعكس، ولذلك فهو يلوِّن القصيدة، ويرسم اللوحة بالخيال الشعري. ويؤمن كذلك بأن دراسته للكيمياء سهَّلت عليه مزج عناصر القصيدة واللوحة كأنه يجري تجربة ممتعة، كما أن الكيمياء وفَّرت له وظيفة محترمة ساعدته على تخصيص وقت للقراءة، إذ وفَّرت له المال اللازم لشراء الكتب.
لم يكن مؤمناً في البدايات بأهمية الأدب، فلم تجذبه سوى الأعمال الدينية، حتى وقعت في يده رواية 'الحرافيش' لنجيب محفوظ وغيَّرت مصيره إلى الأبد، إذ جعلته شاعراً وروائياً يمتلك عدة دواوين وروايات مثل 'تنغيم سيرة الوردة'، 'طفولة چان'، 'أغنيات لليوم التالي'، 'غرفة القارئ'، و'عمتي وأنطوان تشيخوف'.
في هذا الحوار يتحدث صفاء سالم إسكندر عن ديوانه الجديد 'ضد الحب.. نهاية الأشياء' ويجيب عن أسئلة تتعلق بالشعر العراقي، ولماذا لم يعد القراء العرب على دراية به.
لماذا اخترت 'ضد الحب.. نهاية الأشياء' عنواناً لديوانك الجديد؟
هناك جانب من حياتي لم أتحدث عنه كثيراً، بعيداً عمَّا عشته وكتبته من أغنياتٍ أو تأملاتٍ في السأم، وهو أنني أتعامل مع حياتي وكأنها فصول متتالية، أضع لكل مرحلة عنواناً خاصاً بها، والعناوين ليست مجرد أسماء، بل هي قصص متكاملة تعكس مقاصدي الشعرية والفكرية. حتى في مجموعاتي الشعرية، لم أكتفِ بعنوانٍ واحد، بل منحتها أكثر من اسم، أبحث دائماً عن صياغة تتتفق مع المعنى والتجربة التي أريد إيصالها.
ما المختلف بين هذا الديوان ودواوينك الأخرى؟
إلى جانب كونه تجربة مغايرة لبقية مجاميعي الشعرية، ورغم أنني ضمَّنت فيه مختاراتٍ من أعمالي السابقة، إلا أنني سعيت لأن يأتي بطريقة مختلفة وخاصة. طريقة تليق بذلك الإنسان الذي لا يتوقف عن اكتشاف ما حوله، سواء فعل ذلك بقصد أو دون قصد، بحبٍ أو بكراهية.
لماذا يتجاور في ديوانك الخوف من الماضي بالرغبة في العودة للطفولة؟
كل قصة حب، في جوهرها، هي عودة خفية إلى الطفولة، إلى ذلك النقاء الذي نبحث عنه في الآخر. لكن الخروج من هذه القصة، سواء بجلد عتيق أثقلته التجارب أو بجلدٍ جديد يولد من الألم، لا يكون إلا إشارة إلى نهايتها. فالحب يترك دائماً أثراً، علامة تذكرنا بأننا مررنا بتجربة تهزنا من الداخل. والخوف من الماضي في هذه السياقات ليس مجرد خوف من الذكريات، بل هو خوف من الأخطاء، من تكرارها، ومن العودة الدائمة إلى الندم، وكأننا نقف أمام مرآة تعيد إلينا ما ظننا أننا تجاوزناه.
أنت فنان تشكيلي.. ما أثر الفن على تشكيل وعيك كشاعر؟ ومَن الأقرب إلى شخصيتك الفنان أم الشاعر؟
أرسم في رأسي كثيراً، أكثر مما أكتب، بل أرسم ما كتبته، حتى لو في الهواء أو على بنطالي أو على المقعد، المهم أن تتحرك أصابعي مثل الرسام. ومع ذلك يبقى الشاعر هو الأقرب إليَّ، فالشعر يقرِّبُني من الموسيقى، وربما لذلك فلسفة خاصة. أجد ذاتي في هذه المنطقة، وأجد معناها في اللغة، فأنا أتعلم من الموسيقى أكثر من الكتب، وأستطيع أن أعيش مثل أي شاعر.
كانت لديك نظرة كارهة للشعر في البدايات كيف صحَّحتها؟ ومتى أدركت أن القصيدة قريبة من روحك؟
بالنسبة لي، لم يكن الأدب في البداية من اهتمامي، بل كنت أراه مضيعة للوقت. لا أعرف كيف تملكني هذا الشعور وقتها، ربما بسبب ميلي لقراءة كتب الدين والأخلاق والفكر أكثر من أي شيء آخر. لكن سرعان ما تغيَّر ذلك حين وقعت بين يدي رواية نجيب محفوظ 'الحرافيش'، ثم 'ميرامار'، وأعمال نزار قباني، مع العلم أن مكتبة البيت كانت تضم كتباً أدبية، مثل مختارات لميخائيل نعيمة، وكذلك المنفلوطي الذي ظننته كاتب أطفال لصغر حجم كتبه. كان ذلك عندما طلب والدي مني أن أشغل وقتي في العطلة الصيفية بالقراءة، وكنت وقتها لا أزال في المرحلة الابتدائية. ومع ذلك، أستطيع أن أقول إنني قرأت كل شيء متأخراً.
درست الكيمياء فهل هناك علاقة بينها وبين الفن؟ وكيف أثَّرت عليك دراستُك كأديب؟
يعتمد الفن في أساسه على الكيمياء، على التركيب الكيميائي للمادة أو الألوان، ثم تأتي بعد ذلك العناصر الأخرى من منظور خيالي أو جمالي. أما الكيمياء فقد ساعدتني على العيش بوظيفة محترمة، تمكنني من تدبر أمور عائلتي، وشراء الكتب، والاستمرار في القراءة.
شاركت في معرض بعنوان 'لا حرب بل فن' لماذا اخترتم ذلك العنوان؟
لأن المعرض كان مشتركاً، لم يكن العنوان من اختياري، لكنه بدا مناسباً جداً، لأنه ينسجم مع لغة السلام التي يسعى إليها كل إنسانٍ حقيقي في هذا العالم.
هل ترى أن انشغال الشاعر العراقي بالعابر واليومي أضعفَ قصيدته؟
المشكلة تكمن أحياناً في الطريقة التي يُكتب بها هذا اليومي. ما قصدته في رؤيتي هو أننا لم نعد نحتاج إلى الجزالة والبلاغة العالية التي تُرهق القارئ، بل إلى لغة أكثر وضوحاً وشاعرية، تضيء تفاصيل العابر وتمنحها معناها. فاليومي يمكن أن يكون عميقاً ومؤثراً، لكن بشرط أن لا يتحول إلى كتابة سطحية تبحث فقط عن السرد السهل أو عن الإعجاب السريع. الشاعر الحقيقي يكتب من أجل القارئ، لكن دون أن يربكه أو يسايره على حساب النص، بل يحاول أن يحول تلك التفاصيل الصغيرة إلى شعرٍ يبقى أثره.
لماذا لم يعد العراق يمتلك تلك الأسماء الضخمة مثل بدر شاكر السياب ومحمد الجواهري ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي ومظفر النواب؟
الأسماء الشعرية في العراق لم تنتهِ ولن تنتهي، فالعراق بلد الشعر في جوهره. لكن القارئ العربي لم يعد مطَّلعاً بما يكفي على الشعر العراقي، والسبب يعود في جزء منه إلى ضعف الترويج. فالعراقي غالباً لا يعرف كيف يروّج لنفسه أو لنصه. انظر مثلاً إلى الشاعر أو الكاتب المصري حين يصدر كتاباً جديداً، يتحول الأمر إلى حدث ثقافي يُحتفى به وتُسلَّط الأضواء عليه. على العكس من ذلك في العراق، حيث يبقى الكثير من الشعراء بعيدين عن أعين القارئ العربي. خذ مثلاً الشاعر عبد الأمير جرص، هل قرأه العرب؟ هل تعرَّفوا فعلاً على تجربته؟ لا أظن ذلك. وهذا الغياب في الحضور الشعري العراقي هو ما يجعل المشهد غير عادلٍ بحق أصوات مميزة كثيرة.
هل تعتبر نفسك امتداداً لتلك الأسماء؟ ماذا أخذت منهم؟ وكيف اختلفت عنهم؟
من الصعب أن أعتبر نفسي امتداداً لتلك الأسماء الكبيرة، لأن لكل واحد منهم مشروعه الخاص وتجربته التي لا تتكرر، مع أنني قرأت لهم وتأثرت بهم بدرجات متفاوتة. كنت أميل كثيراً إلى بدر شاكر السياب، بينما لم يعجبني البياتي إلا في 'بستان عائشة'. وأتذكر أنني كنت أهذي طويلاً بقصيدة السياب 'لك الحمد مهما استطال البلاء ومهما استبدَّ الألم'، كلما مرضت. لكن مع ذلك، أرى أن تحديد موقعي أمر معقد، فأنا لا أبحث عن أن أكون امتداداً لأحد، بقدر ما أسعى لأن أكتب تجربتي الخاصة وأن أجد صوتي الشعري الذي يعبِّر عني.
ما المختلف في صوت الشاعر الراحل سركون بولص لتنادي بأن يكون الشعراء مثله؟
لأنه عاش الشعر بصدق، كان مخلصاً لمشروعه، كتب من أجل الشعر نفسه لا من أجل السوق أو الاعتراف.
أخيراً ما مشروعك القادم وهل فكرت في كتابة الرواية؟
أعمل حالياً على كتابة مجموعة قصصية بعنوان 'أمريكان'، وقد فازت بمنحة 'مفردات' في بلجيكا. كما سبق أن أصدرت نوفيلا 'طفولة جان'، وكذلك 'عمتي وأنطوان تشيخوف' عن دار 'خطوط وظلال' في الأردن.