ثقافة

كاتبات السيناريو في مخيم "وثق" يسردن تجربتهن في بناء الحكاية

 

بين دفتي الفكرة ومشهد الختام تسير أقلام نسائية شابة بخطى واثقة نحو توثيق الذاكرة العُمانية بلغة سينمائية جديدة. لم يكن الهدف مجرد تدريب، بل انطلاقة لرحلة إبداعية تُعيد تشكيل الحكاية من منظور مختلف. خمس كاتبات، خمس حكايات، ونقطة إلتقاء واحدة: الشغف بالسينما، والإيمان بقوة الكلمة حين تُكتب بصدق.
جمعتهن لنسخة الثانية من مخيم 'وَثّق' لصناعة الأفلام الوثائقية بمحافظة جنوب الشرقية والذي تنظمه الجمعية العُمانية للسينما والمسرح حيث يخضع المشاركون لسلسلة من الورش التدريبية المكثفة في مختلف مراحل إنتاج الفيلم الوثائقي، بدءًا من توليد الفكرة وكتابة السيناريو، مرورًا بالإضاءة، والصوتيات،
والإخراج ووصولًا إلى إعداد الملف التمويلي للفيلم.
ويأتي هذا الاستطلاع مع خمس من كاتبات السيناريو المشاركات في المخيم؛ حيث عملن على صياغة نصوص خمسة أفلام وثائقية قيد الإنتاج ضمن بيئة تدريبية تسعى إلى تمكين المواهب الشابة، وصقل قدراتهم في توثيق الحكاية العُمانية بصريًا وباحترافية عالية.
الفكرة والكتابة
خطوات بناء الفكرة كانت أحد أهم ورش مخيّم وثق لصناعة الأفلام الوثائقية التي قدمتها الدكتورة سناء الزياني مخرجة ومنتجة؛ حيث تضمنت جولات استكشافية؛ لخلق أفكار محليّة مبتكرة.
وحول استنباط الفكرة قالت مزون الجابرية-كاتبة سيناريو فيلم '52' والذي يتحدّث عن جامع آل حمودة:
لعل أغلب من يعرفني يعلم بأنني ذات مُخيلة خصبة، وهذا ما حدث حينما لم أتمكن من الذهاب مع زملائي في الفريق في الرحلة الميدانية لزيارة موقع جامع آل حمودة. وحينما اجتمعنا كانوا محملين بالصور والفيديوهات وبوصف المكان. ومن خلال بحثي عن معلومات عنه رأيت الامتداد التاريخي لهذا المسجد، ومنذ تلك
اللحظة أردت أن أجر تاريخ هذا المسجد إلى سنة ٢٠٢٥، وكان ذلك من خلال شخصية المصور الممتلئ بالحماس الذي جعلني أسافر باللقطات من موقعي في غرفةٍ صغيرة إلى مسجدٍ في ولاية أخرى. كما أردت أن أنقل المشاهدين بنفس الطريقة عبر عدسة الكاميرا من موقعهم إلى جعلان؛ حيث مسجد أبناء آل حموده. فمصدر إلهامي كان وصف زملائي والمقاطع المصورة التي وثقت تفاصيل المكان.
أما عائشة الفارسية- كاتبة سيناريو فيلم 'التربة السوداء' والذي يتحدث عن منطقة الطينة الواقعة في ولاية صور مع تسليط الضوء على ما تحمله من ذكريات؛ حيث قالت: بناء على المعطيات المتوفرة لدى الفريق جاء سيناريو 'التربة السوداء'؛ حيث إن الفلم الوثائقي يجبرك على توظيف المعلومات؛ لخلق سيناريو يتناسب والفكرة، وبالتالي توليفها في إيجاد نص لا ينفصل عن الهدف من الفلم.
وقالت شيماء السلطية كاتبة سيناريو 'صوت البحر' والذي يتناول توثيقا لمسيرة الفنان عوض حليس: الفكرة خطرت في بالي عند جلوسي للتأمل أمام البحر مستمعة لأحد الفنون البحرية؛ حيث شعرت أن هناك قصّة خلف كل أغنية وتستحق أن توثَّق. ولم يكن هناك تحدٍّ سوى أنها التجربة الأولى لي؛ حيث إن البدايات غالبا ما تكون مصحوبة بالتردد، وتحتاج إلى جرأة في اتخاذ القرار.
أما فوز المخينية صاحبة سيناريو فلم 'مهمّة في ميبام' الذي يتحدث عن أحد المرشدين السياحيين في نيابة طيوي الذي كرّس حياته بإنقاذ السيّاح السيّاح، قالت: القصة مستلهمة من تأثير السياحة في نيابة طيوي على المجتمع المحلي، ثم جرى اقتراح صياغتها حول أحد المرشدين السياحيين من أهالي النيابة الذي كرّس حياته لإنقاذ السياح من الأودية في قرية ميبام. وتضيف: يكمن التحدّي في أنني حين كتبت السيناريو اعتمدت على ما جمعته من معلومات، بينما اضطررت لإعادة كتابته بعد أن التقيت بالشخصية، وتبادلنا أطراف الحديث.
أما فكرة سيناريو فلم 'من هنا مر الشفاء' فقد كانت عن طينة العيجة، وهي أحد العلاجات الشعبية التي استخدمت قديما في ولاية صور وما زالت تستخدم، وعن أهميتها ومكانتها قديما وحديثا، وعن التحديات التي يتعرض لها هذا الكنز الربَّاني. ولعل التحدِّي الأكبر الذي كانَ هو إثبات ما إذا كانت ثمّةَ حقائق علميّة تقر
فاعلية هذا العلاج من عدمها، وهو ما تم بالتعاون جامعة السلطان قابوس ممثلة في قسم علوم التربة والمياه والهندسة الزراعية بكلية العلوم الزراعية والبحرية.
السرد القصصي للحقائق
وحول أهمية الأسلوب القصصي في سرد الحقائق في الأفلام الوثائقية تقول مزون الجابرية: الأسلوب القصصي تحديدًا هو ما يجعل الفريق متحمسًا للتصوير، ولتحقيق الغاية من هذا الفلم وهو أخذ المشاهد في رحلة بصرية مُمتعة؛ أدخلت شخصية تنظر للأشياء في هذا الجامع وخارجه بعين المصور الثاقبة والدقيقة وبمنظور شخصية مثقفة تبحث عن حقيقة تاريخية لم يعرفها سوى القليل، فتوثق عدسة هذا المصور الحقائق التي نرغب في إظهارها في الفلم. إلى جانب ذلك؛ فالبحث عن الحقائق وتقصي الدقة يعطي بعدا أعمق للموضوع؛ حيث تمكنا من الحصول على منشور، وكان مرجعاً لبعض الحقائق الوثائقية التي وثقناها في الفلم.
أما عائشة الفارسية فتقول: هنا يأتي دور السيناريست بأن يجانس القصة مع المعلومات، ويؤلف بينها بحيث لا تنفصل المعلومة عن مجريات القصة، وتكون مؤكدة لها. وتضيف: الأفلام الوثائقية تحتم عليك البحث؛ حتى تعزز المعلومات، وتقنع المشاهد بالقضية المطروحة والتعاطف معها.
وقال شيماء السلطية: الفلم الوثائقي يفرض علينا التقصّي بدقة. الكتابة الوثائقية تختلف كثيرا عن أي كتابة ثانية؛ لأنها تحتاج إلى دقة وصدق، لكن في الوقت ذاته نحرص على الكتابة بأسلوب مشوِّق يجذب المشاهد.
فيما قالت فوز المخينية: الحقائق الوثائقية تعطي المصداقية، والأسلوب القصصي يجعلها مشوقة وسهلة التلقي. فالحل هو أن أقدم المعلومة الصحيحة، ثم أحكيها من خلال قصة أو تجربة شخصية تعكس الواقع. وتضيف: في عملنا كُتب السيناريو بالاعتماد على البحث الميداني، والمصادر الرقمية، بالإضافة إلى روايات شخصية.
وحول تتبع الحقائق في فلم 'من هنا مر الشفاء'؛ فإن القلم كليا اعتمد على توظيف الحقائق سواء التاريخية المجتمعية أو الحقائق العلمية التي تم التوصل إليها بعد الفحوصات المخبرية للعينة.
التجربة في المخيم
وعن تجربتها في مخيم وثق لصناعة الأفلام الوثائقية قالت مزون الجابرية: سابقاً كنت أرى في نفسي شخصا محبا للكتابة فقط. الآن أصبحت أفكر بنظرة أخرى في الكتابة؛ سيتمكن أحدهم من تحويل الجمل والعبارات التي أكتبها إلى مشاهد ملموسة يتأثر بها الأشخاص البصريون. أصبحت أعرف كيف تصنع الأفلام من خلال
رؤية بأكثر من عين؛ فلكل شخص في الفريق عين خاصة به تجعل من الفلم شرارة لتغيير فكرة ما؛ هذا حين يقوم كل شخصٍ بدوره الفعلي في إنجاح هذا الفلم. كانت تجربة جميلة واستثنائية جعلتني أرغب في صنع المزيد من السيناريوهات.
أما عائشة الفارسية فتقول عن تجربتها: حرص المنظمون في المخيم على أن تتواكب المعلومات النظرية والجانب التطبيقي، وهذا ما عزز العمل بصورة عامة فكانت تجربة متميزة.
وقالت شيماء السلطية عن تجربتها في المخيم: بصراحة تجربتي في مخيم وثق غنية ومميزه جدًا. تعلمت منها أشياء كثيرة، وتعرفت على شخصيات مختلفة الفكر والأسلوب.
فيما قالت فوز المخينية عن تجربتها: منحني مخيم وَثِّق خبرة عملية في البحث والسيناريو والتصوير، وأتيحت لي فرصة التعلم من قِبَلِ متخصصين، وتجربة العمل الجماعي، وبناء علاقات.
المشهد على الواقع
يأتي على الكاتب أو السيناريست أن يعيش الحالات الشعورية للنص حسب الأحداث، وأن يستشعر وهو يكتب أن هذا المشهد يحدث أمامه؛ حيث تقول مزون الجابرية: منظر القبب الاثنتين والخمسين من الزاوية العلوية بالتصوير الجوي جعلني أشعر بأنه أمامي؛ حيث إنني ذكرت في السيناريو الطريقة التي تخيلت فيها المشهد، وتم تحقيق الأمر.
وقالت عائشة المشرفية: كل لحظات النص أحسست بأنها واقع؛ لأن البداية والنهاية وما بينهما تجسيد وربط لفكرة السيناريو الذي يجب أن يعبر بطبيعة الحال عن موضوع الفلم ككل.
فيما قالت شيماء السلطية: عندما كتبت مشهد عن البحر، وربطته بصوت الفنان عوض حليس. أحسست وقتها أن النص بدأ يتنفس، ويتحول من فكرة إلى قصة حقيقية. هو مشهد الشخصية الرئيسية وهو يسرد كيف يقوم خبر المشهد الذي استطاعت فوز أن تشعر أنه واقع هو أصعب المواقف التي واجهتها الشخصية علمتني حجم ما قام به من إنقاذ الناس بطرق صعبة وخطيرة لا يمكن للعقل العادي استيعابها، ولا يستطيع فعلها إلا شخص متمكن وخبير. رغم أنني لم أتمكن من كتابتها كمشهد كامل، إلا أن هذه اللحظات لمستني، وأعطت النص حياة على الورق أفكار تنبض بالشغف؛ حيث أثبتت كاتبات السيناريو في مخيم 'وَثِّق' أن الحكاية حين تُكتب من قلب الواقع، وتُصاغ بوعيٍ وجمال فإنها تملك القدرة على أن تلامس الوجدان، وتترك الأثر.