دونما حل لغزة.. يبقى التطبيع مع إسرائيل بعيد المنال
الأربعاء / 10 / ربيع الأول / 1447 هـ - 20:45 - الأربعاء 3 سبتمبر 2025 20:45
إسرائيل أرض مليئة بالمتنبئين. خلال جولته الأولى بوصفه رئيسا للجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيسيت الإسرائيلي الأسبوع الماضي، زار بوعاز بيسموث (من حزب الليكود) عددا من المستوطنات ومواقع المراقبة في الضفة الغربية وقال إن «التطبيع مهم، لكن فرض السيادة أهم. وسوف نفعل هذا قريبا برحمة من الرب، لأن هذه الحرب لا بد أن تنتهي بالنصر».
قد تنطوي نبرة اليقين التام هذه، والرؤية بعيدة المدى، والمشيئة الإلهية، على شيء من المغالاة. ولكنه قد يكون محقا تماما، على الأقل فيما يتعلق بمزيد من التطبيع مع العالم العربي وحول إمكانية فرض السيادة على الضفة الغربية وغزة أيضا. لا بمعنى الضم الكامل الذي لا يزال احتمالا بعيدا، وإنما من حيث الانتقال من المحاكم والأنظمة العسكرية إلى القانون الإسرائيلي الطبيعي، وهذا فارق مهم عن الضم الكامل، حتى لو أن هذا الفارق سياسي أكثر مما هو قانوني.
ثمة نمط يثير به الفعل الجاري في غزة رد فعل في الضفة الغربية بما قد يكون ذا تداعيات حقيقية على الاتفاقات الإبراهيمية والدبلوماسية الإسرائيلية. فأولا، هناك فعل يتمثل في خروج مئات آلاف المتظاهرين الإسرائيليين إلى الشوارع للمطالبة باتفاقية للرهائن ووقف إطلاق النار في غزة. وتتعهد بلاد غربية بالحضور في الأمم المتحدة والتصويت لصالح إقامة دولة فلسطينية. والولايات المتحدة تضغط من أجل استجابة إنسانية حقيقية، والقوات الإسرائيلية تكافح من أجل حشد احتياطي كاف لهجمة جديدة.
ثم يأتي رد الفعل. إذ يخشى حزبا الصهيونية الدينية اليميني المتطرف و«عوتسما يهوديت» [القوة اليهودية] من أن يستسلم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويهدد بالانسحاب من الائتلاف. ولا يمكن أن يعدل نتنياهو قانون التجنيد الحريدي (الذي يتيح تجنيد المتشددين دينيا من الإسرائيليين) إلا بقدر، ولكن حتى هذا لا يكفي لاسترضاء حزبي شاس ويهودية التوراة الموحدة، فلا يبقى لديه من أدوات لتخفيف الضغط إلا أدوات الضفة الغربية.
ولقد وسع الجيش الإسرائيلي عملية الجدار الحديدي إلى ما وراء جينين لتشمل طولكرم وبلدات أخرى. وقاد وزير الأمن الوطني بن جيفير الصلاة في الحرم القدسي الشريف وصدرت الموافقة على 3401 وحدة سكنية جديدة في منطقة E1 قرب معاليه أدوميم. ووصف وزير المالية والدفاع بتسلئيل سموتريتش النشاط الاستيطاني المقترح بأنه ناقوس الموت للدولة الفلسطينية إذ قال إن «الدولة الفلسطينية تُزال عن الطاولة، لا بالشعارات وإنما بالأفعال، فكل وحدة سكنية جديدة إنما هي مسمار في نعش هذه الفكرة الخطيرة». وقد يكون في هذا شيء من المغالاة، وبخاصة في ضوء أنه لم تجر إقامة شيء فعلي بعد، لكن النية قائمة.
تحول التصورات إلى واقع
يحتاج نتنياهو إلى كسب مزيد من الوقت للوصول إلى نهاية لغزة لا تمثل فيها حماس تهديدا وتحتل إسرائيل السلطة. وآخر ما يرغب فيه هو تقوية السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي أو السماح بأي شيء شبيه بمسار إلى الدولة. ولكن مع تصاعد الوضع في الضفة الغربية، يتزايد فرضه الصعوبات على السعوديين في مسألة التطبيع.
قبل بداية الحرب، كان الموقف السعودي غير الرسمي يتمثل في أنه على إسرائيل أن تدخل في عملية تفاوضية مع الفلسطينيين لا يمكنها التراجع عنها ببساطة. كان لذلك أن يعني نوعا من الضمانات أو الالتزامات الأولية. ولم يكن الشكل مهما بقدر الالتزامات نفسها. ولو رفض الفلسطينيون العرض أو تدخلت عوامل أخرى مفاجئة فما كان ذلك ليعد خطأ من جانب الإسرائيليين، فكان يمكن أن يتقدم التطبيع بوتيرة سريعة.
ثم جاءت الحرب فضيقت مجال المناورة لإسرائيل، إذ استضافت السعودية وفرنسا في الأمم المتحدة مؤتمرا متعدد الأطراف حول تنفيذ حل الدولتين وصدر إعلان نيويورك الذي ينادي بـ«عملية زمنية...لحل...جميع قضايا الوضع النهائي العالقة». فهما راغبتان في أن تكون السيطرة للسلطة الفلسطينية على غزة وفي أن يعمل تحالفهما العالمي بمنزلة آلية متابعة من خلال سلسلة من مجموعات العمل.
ويمكننا أن نتصور عملية طويلة تستمر لسنين، ولا تصل إلى نتيجة محددة لأسباب خارجة تماما عن إرادة الحكومة الإسرائيلية. فالسعوديون والفرنسيون وتحالفهم الدولي هم الذين يقررون وليس نتنياهو. ومن المؤكد أن هذه ليست بالشروط التي يمكن أن تقبلها حكومة يمينية إسرائيلية.
ويعني هذا أننا الآن على الأرجح عالقون في نبوءة علينا نحن تحقيقها. فلو أن التطبيع مع السعوديين بعيد المنال، والتطبيع مع كثير من البلاد العربية الأخرى مشروط هو الآخر باتخاذ خطوات نحو تلبية هذه المطالب السعودية، فلماذا لا تتخلى الحكومة الإسرائيلية عن هذا الاحتمال كله؟ ولن يكون ذلك بالطبع بأن ترفضه رفضا معلنا. ولكنها سوف تتقبل في صمت على الأقل أن التطبيع مع السعودية وكثير من البلاد العربية هو ببساطة أمر بعيد المنال. ويبدو أننا الآن في وضع تتوافر فيه لإسرائيل جميع الحوافز لدفع حدود الاستيطان والسيادة في الضفة الغربية.
ليست الاتفاقات الإبراهيمية بالضبط
أين الولايات المتحدة من هذا كله بالضبط؟ في مستهل عمل الإدارة، في فبراير الماضي، كان ثمة أمل جيد في لقاء بين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في البيت الأبيض، وإن لم يكن ذلك من أجل اتفاق فعلى الأقل من أجل مصافحة تطمئن الجميع إلى أن العمل جار على اتفاق. وتأجلت تلك الزيارة إلى أجل غير مسمى، ولكن منابر إخبارية أوردت أخيرا أن ولي العهد قد يزور أمريكا في نوفمبر.
هذا اعتراف من إدارة ترامب بأن التطبيع لم يعد على رأس الأجندة. فضلا عن أنه سوف يكون من المستحيل تحقيق التوقعات السعودية بإبرام معاهدة دفاعية واتفاقية طاقة نووية بحلول ذلك الموعد [أي شهر نوفمبر]. ومن المرجح أن تنعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر في أجواء فوضوية ناجمة عن وعد دول كثيرة بالاعتراف بدولة فلسطينية في بادرة حسن نية لن تفلح في تغيير موقف إسرائيل تغييرا ذا شأن.
ثمة كثير من أعمال المتابعة اللازمة لقمة مايو في الرياض التي تعهد فيها السعوديون باستثمار غير مسبوق يبلغ ستمائة مليار دولار. لكن هل يكفي هذا لتبرير زيارة ولي العهد؟ الزيارة التي يجدر بها أن تكون مهمة ضخمة يشارك فيها وزراء، ورؤساء تنفيذيون لشركات، وفرق مستشارين من كل الجانبين، ويفضل أن تكون مصحوبة بجولة في نيويورك ووادي السليكون وغيرهما من المقاصد.
الإجابة البسيطة هي لا، لا يكفي هذا لتبرير الزيارة. ما لم تكن هذه الزيارة مقصورة على واشنطن أو منتجع مارالاجو وتزامنت مع فعالية أخرى متعددة الأطراف يكون فيها ولي العهد ضيف الشرف. ويعني هذا أن يكون اللقاء الثنائي مع الرئيس ترامب بمقام اللمسة الأخيرة، وأن تكون الزيارة كلها مغطاة بفعاليات أخرى يتولى فيها وزير الخارجية فيصل بن فرحان مكانه.
بوسعنا أن نتخيل أن تحفز الولايات المتحدة على الزيارة بإطلاق برنامج مشروعات تعاونية لترويج الذكاء الاصطناعي وإنتاج أشباه الموصلات في المملكة. فقد أعلنت السعودية عن إطلاق المركز الوطني لأشباه الموصلات بهدف إنشاء نظام بيئي كامل من المنشآت وفرص التدريب لتشجيع الشركات من شتى أرجاء العالم على إقامة أعمالها وتطوير مواد تعزز نمو الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من القطاعات.
لو كان من شأن هذا أن يدخل السعودية في منتدى جديد يقوم على مبادرة I2U2 (التي تضم إسرائيل والهند والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة)، فمن شأنه أن يتيح فرصة لإعادة صياغة وإحياء جهود عهد بايدن. ومن شأنه أيضا أن يتيح للبيت الأبيض إعلان النصر في تحقيق مستوى جديد من التعاون بين إسرائيل والسعودية دونما اضطرار إلى الخوض في تفاصيل التطبيع وإقامة الدولة. وإذا لم تظهر عروض تقنية كبرى أو نهاية مفاجئة وغير متوقعة لحرب غزة، فيبدو من المرجح لهذه الزيارة أن تؤجل مرة أخرى ـ هي وأي حديث عن التطبيع.
جوشوا يافي كبير زملاء مركز ناشونال إنتريست وكبير المحللين السابق لشؤون شبه الجزيرة العربية في مكتب الاستخبارات والبحوث التابع لوزارة الخارجية الأمريكية.
ذي ناشونال إنتريست