صناعة السياحة والمهرجانات الموسمية
الثلاثاء / 9 / ربيع الأول / 1447 هـ - 20:45 - الثلاثاء 2 سبتمبر 2025 20:45
يعد قطاع السياحة من القطاعات الحيوية التي تعتمد عليها اقتصاديات الدول المتقدمة منها والنامية؛ حيث إن هذا القطاع إذا ما تم استثماره بالشكل الصحيح سوف يشكل قاطرة اقتصادية تخلق آلاف فرص العمل وتحرك الأسواق، خاصة مشاريع الشباب، وتخلق شغفًا كبيرًا بالعمل الحر بعيدًا عن الوظائف التقليدية. كما أن قطاع السياحة بشكله الاحترافي كصناعة يعتمد على استراتيجية واضحة على المدى المتوسط والبعيد. وهناك دول معروفة سياحيًا تجاوز دخلها عشرات المليارات من الدولارات سنويًا، واستطاعت توظيف الملايين من مواطنيها، واستغلت موقعها ومفردات الطبيعة والتراث والاستقرار السياسي لإيجاد صناعة السياحة الحقيقية وليست الموسمية.بلادنا سلطنة عُمان تعد من الدول ذات المقومات الطبيعية التي تجعل منها واحة للسياحة على الصعيد الإقليمي والدولي، ولسنا بحاجة للتأكيد على تنوعها الجغرافي، وشواطئها البكر، والاستقرار السياسي، والشعب العُماني المضياف، علاوة على تنوع جماليات محافظات سلطنة عُمان.
السؤال الجوهري هنا: هل حققت السياحة في سلطنة عُمان الطموحات المتوقعة قياسًا على العوامل الموضوعية المتوفرة أم لا تزال المنهجية تعتمد على مواسم سياحية هنا وهناك، سواء موسم الخريف أو الجبل الأخضر أو غيرها من المواسم؟ ومع وضع الاجتهادات المبذولة في الاعتبار، إلا أن هذه ليست صناعة السياحة الحقيقية التي تعد في مجملها قيمة مضافة اقتصاديًا وعلى صعيد خلق آلاف الوظائف وتكريس القطاع السياحي كقاطرة وطنية تلعب دورًا محوريًا في رفد الاقتصاد الوطني بمؤشرات إيجابية وتزيد الناتج المحلي الإجمالي. كما أن نجاح صناعة السياحة وخلق فرص العمل للشباب سوف يقلل الضغط على قطاع العمل التقليدي، سواء لدى الجهات الحكومية أو الخاصة. ومن هنا فإن المشهد السياحي في سلطنة عُمان لم يحقق الأهداف الاستراتيجية التي يمكن أن تقفز بصناعة السياحة إلى مستوى ما نراه في دول هي أقل قيمة سياحية وطبيعية من بلادنا بمراحل.
إن صناعة السياحة كقطاع شيء، والمهرجانات السياحية الموسمية شيء آخر؛ حيث إن التوجه ينبغي أن يُبنى على مؤشرات وخطط والاستفادة من تجارب الآخرين وحتى الاستعانة بخبراتهم.
قطاع السياحة هو أحد المحاور الأساسية لـ «رؤية عُمان 2040». فهل المسار الحالي للقطاع سوف يحقق مستهدفات الرؤية بعد 15 عامًا؟ هذا سؤال مهم ينبغي طرحه. كما أن السياحة تحتاج إلى ضخ أموال كبيرة في البنى الأساسية بحيث يكون المردود كبيرًا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، خاصة وأن بلادنا سلطنة عُمان لديها مقومات كبيرة لا تتوفر في دول كثيرة. كما أن المساهمة الحالية للقطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي لا تزال محدودة. وعلى ضوء ذلك لا بد من المراجعة والتقييم للقطاع السياحي بكل جوانبه حتى نستطيع خلق قطاع سياحي حقيقي من خلال صناعة السياحة وليس مواسم سياحية محدودة المردود.
إن موسم خريف ظفار، وهو الأشهر على مستوى سلطنة عُمان؛ نظرًا للأجواء الاستثنائية حيث الطبيعة الخلابة واعتدال الحرارة، مع التقدير لكل الجهود المبذولة، لا يزال يسير وفق نمطية محددة ولم يرتقِ إلى آفاق أوسع لصناعة السياحة. وهنا لا بد من القول إن مهمة الارتقاء بالسياحة كمورد ورافد للاقتصاد الوطني هي مهمة الحكومة بكل أجهزتها بشكل عام، ووزارة السياحة والتراث بشكل خاص، علاوة على الأجهزة الأخرى في محافظة ظفار. ويبدو أن نموذج ظفار يمكن البناء عليه في صناعة سياحة حقيقية وليست موسمية.
ومن هنا فإن الدول التي حققت طفرة في السياحة جعلت القطاع إحدى ركائزها الاقتصادية والاستثمارية. ومن بين الحلول: تفعيل مطار صلالة ليعمل دوليًا على مدار العام، وفتح قنصليات في صلالة للدول ذات الجاليات الكبيرة لتفعيل حركة الطيران المباشر. كذلك تفعيل ميناء صلالة بحيث لا يقتصر على نشاط الحاويات الذي حقق أرقامًا كبيرةً بفضل التخطيط والكوادر الوطنية وموقعه الاستراتيجي على بحر العرب والمحيط الهندي، بل يُفعل دوره في تجارة التصدير وإعادة التصدير. وهناك أيضاً إعادة هيكلة الطرق الداخلية ضمن الاهتمام بالبنية الأساسية كنموذج في ظفار يمكن تعميمه على بقية المحافظات، ما يعزز الميزة النسبية لكل محافظة، فيتحول القطاع تدريجيًا إلى صناعة حقيقية تخلق آلاف الوظائف وتحرك المطارات والموانئ وتدعم كل النشاط الاقتصادي والاستثماري.
كذلك، يمكن تطوير ممكنات السياحة العلاجية التي حققت إنجازات ضخمة في دول أخرى بدخل يُقدر بعشرات المليارات. وهذا يتطلب فكرًا متقدمًا بعيدًا عن البيروقراطية التقليدية التي لم يعد لها مكان في عالم سريع الإيقاع يعتمد على الابتكار. وهنا لا بد من تغيير المنهجية الحالية في قطاع السياحة والاستفادة من التجارب الناجحة عالميًا بما يتناسب مع الظروف المحلية. المسألة ليست نسخ التجارب كما هي، بل استنباط محددات وأفكار لتطوير صناعة السياحة.
وفي تصوري، فإن قطاع السياحة في سلطنة عُمان إذا ما أُدير واستُثمرت مقوماته الكبيرة بشكل صحيح، سيشكل قاطرة اقتصادية كبرى في السنوات المقبلة، وسيكون مرتكزًا أساسيًا لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وسيجذب المزيد من الاستثمارات السياحية، ويخلق حراكًا واسعًا في سوق الوظائف. هذه ليست أطروحة نظرية، بل تجارب الآخرين واضحة والأرقام منشورة. ومن هنا ندعو إلى التحول الجاد من سياحة موسمية محدودة إلى صناعة سياحة وطنية حقيقية بمنهجية وخطط واضحة؛ فالمقومات وحدها لا تكفي ما لم تُدار إدارة فعالة بفكر حديث.
لقد حققت سلطنة عُمان مؤشرات لافتة في السنوات الأخيرة من عهد النهضة المتجددة بقيادة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي بذل جهدًا محوريًا في إخراج البلاد من الحالة الاقتصادية السلبية إلى حالة من الاستقرار والنمو الاقتصادي.
عوض بن سعيد باقوير صحفـي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة