أعمدة

تجليات المعنى في أحلام النائم

يحدث كثيرا أن تنام وأنت متخم بأفكار تعجز عن الإمساك بها. تعرض مخيلتك صورا ذهنية سريعة على شكل ومضات بصرية أو سمعية. لاسيما في الفترة الضبابية التي تقف فيها أمام عتبة النوم. فتجد نفسك أمام وشوشة خاصة متخففة من أعباء المنطق والعقلانية. وحدث لي شخصيا، أن أمسكتُ على عنوان لكتاب احترت كثيرا في تأطيره بعنوان يصفه في كلمة أو اثنتين. وقد يتفق معي الروائيون إن قلت بأن «عنوان الكتاب» هو أصعب ما يمكن لكاتبه أن يقرره بعد أن يكون قد قضى زمنًا ممتدًا أمام تحريره. 

وعودة إلى الأحلام وما يسبقها؛ عندما نتتبع تاريخ تفسير الإنسان لهذه الحالة الذهنية الغائمة التي تأتي غالبا لذيذة في شفافية مطلقة نجد أن الإنسان يتلقى أثناء نومه رسائل مكتوبة مشبعة باللغة والرموز التي لا يفهمها تماما إلا من خلال بعض التأويلات، وهي ما تسمى «الأحلام». وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال: بما أن الأحلام هي دلالة الوجود الحيّ للإنسان، وهي المنطقة التي يبرأ منها المنطق، ترى هل ضمن عجز الميت التام وسقوط الإرادة منه باكتمال تسقط أيضا قدرته على الحلم في سباته الطويل؟! 

ينظر الفلاسفة إلى الأحلام على أنها إشكالية وجودية وفلسفية، وليست تجربة نفسية وحسب. في كتاب «تأملات في الفلسفة الأولى» يقول ديكارت مؤسس منهج الشك العقلاني: «إن كل شيء يمكن أن يثير ولو أدنى شك ينبغي أن يُعد سببا وجيها للشك». فقد ذهب إلى أننا في الأحلام نصدّق كل ما لا يمكن تطبيقه في الواقع أو أثناء يقظتنا. ويزعم بأن التجربة الواعية هي تجربة في حد ذاتها حالمة! أما سيغموند فرويد فقد فسّر الأحلام بوصفها «الطريق الملكي إلى اللاوعي»؛ حيث تكشف الرغبات المكبوتة للمرء، وتُعري ما يرفض رؤيته العقل الواعي. وقد وضّح نظريته في كتابه «تفسير الأحلام» أنه عندما يهدأ عقلنا الواعي ويغفو يبدأ (اللاوعي) عندنا أو ما عُرف بالعقل الباطني في خلق مشاهد تكشف عن رغباتنا الدفينة التي قد لا نتعرف إليها حقا أثناء اليقظة. 

وللأديان رأي أيضا في تفسير ماهية الأحلام؛ حيث تجمع على أنها تحمل قيمة روحية ورسائل غيبية. وبذلك منحت أحلام النائم بُعدا قدسيا؛ ففي الإسلام، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة». وفي المسيحية واليهودية كانت الأحلام الجيدة هي رسائل من الوحي، والأحلام السيئة أو الخبيثة ما هي إلا من الأرواح الشريرة بإيمان راسخ أن الأحلام هي صلة بين الإنسان والرب. 

والمعتقد الهندوسي القديم يؤمن بأن الحلم هي حالة تعشيها الروح أثناء مغادرتها للجسد هائمة في عالم الأحلام، وتستمر حتى يستيقظ النائم. ولكن الديانة البوذية تعتبر أن الأحلام سبيلا نحو الاستنارة والتجلي. ومن هنا يُمارس ما يسمى بـ«يوجا الأحلام»، وهي طريقة لبلوغ الوعي أثناء الحلم، واستخدامه في تهذيب النفس، وتجاوز حدود الزمان والمكان. وهي أعلى مقامات الروحانية. أرى شخصيا أننا نحلم في اليقظة؛ لنهرب من فرط الواقعية؛ لأننا قبل أن نكون كائنات بيولوجية نحن أرواح تتنفس لتحلم. ولا تزال جدلية الأحلام قائمة إلى أن يشاء الله. 

آية السيابية كاتبة عمانية