المحافظات

متطوعون يعيدون الحياة إلى الأماكن السياحية في مختلف المحافظات

تجارب وقصص تطوعية تعزز التجربة المحلية

 

لم تعد السياحة اليوم مسؤولية المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى فحسب، بل باتت المبادرات التطوعية إحدى القوى المحركة التي تسهم في الترويج للمواقع السياحية وحمايتها، وتعزيز حضورها على خارطة الجذب المحلي والعالمي. وفي سلطنة عمان يتصدر الشباب هذا المشهد من خلال فرق ومشاريع ميدانية تجمع بين شغف الاستكشاف وروح العطاء، فتفتح آفاقا جديدة أمام الزوار للتعرف على طبيعة البلاد وثقافتها وتراثها.
من إحياء الأزقة التراثية في ولاية إزكي إلى الترويج للمحميات الطبيعية، وحماية السلاحف في شواطئ مصيرة، وصولا إلى تنظيم الجولات البيئية والثقافية في القرى والوديان. تثبت هذه المبادرات أن التطوع يمكن أن يكون جسرا بين المجتمع المحلي والسائح، وأداة فعالة لتنشيط الحركة السياحية في مختلف المحافظات.
في هذا الاستطلاع نستمع إلى عدد من القائمين على مبادرات تطوعية رائدة؛ لنتعرف على تجاربهم، وأثر أعمالهم، وأبرز التحديات التي يواجهونها، والطموحات التي يسعون إليها في سبيل جعل التطوع ركيزة من ركائز التنمية السياحية المستدامة في سلطنة عمان.
'تعاون' .. منظومة متكاملة لصناعة كوادر تطوعية مؤهلة
يصف عبد الله بن حماد المجيني المنسق العام للشبكة العمانية للمتطوعين' تعاون' رحلة الشبكة التي أسست عام 2010 بأنها عمل مستمر على تطوير مفهوم التطوع، وتحقيق أثره المستدام من خلال تدريب وتأهيل المتطوعين وفق منهجيات تفاعلية ومبتكرة بما يعزز ثقافة العمل التطوعي في المجتمع العُماني.
ويقول المجيني: 'على مدى 15 عامًا أطلقنا مشروعات مثل 'أثر' للتطوع السياحي الذي انبثقت منه فرق عديدة مثل: شابك، يا هلا، حواطة، كشته، وفسحة، وغيرها من الفرق التي أثرت الميدان التطوعي السياحي بشكل مركز بالترويج لمعالم سياحية فريدة ومجهولة في السلطنة، وتنظيم جولات تعليمية وترويجية للشباب والسياح والزوار ما أسهم في زيادة حركة السياحة الداخلية في مختلف محافظات سلطنة عمان'.
ومن بين المبادرات التي يذكرها المجيني في إطار مشروع 'أثر' قال: ' نفّذت الفرق التطوعية جولات ميدانية لوادي شاب في ولاية صور بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة وشركة النفط العمانية للتسويق، والتي أسهمت في جذب انتباه وسائل الإعلام، وتوجيه أنظار السياح والمستثمرين للموقع، بل شجعت إحدى الشركات على رصف الطرق الوعرة في نيابة طيوي التابعة للولاية بعد تسليط الضوء عليها.'
ويرى المجيني أن فرق الإرشاد السياحي البيئي والثقافي، مثل شابك وفُسحة وحواطة تقدم نموذجًا للسياحة المسؤولة عبر تعريف الزوار بالبيئة الجبلية والسواحل والمواقع التراثية باستخدام محتوى تفاعلي والمشاركة الميدانية إلى جانب الورش والجلسات الحوارية المتخصصة ضمن برامج الشبكة مثل 'شغف' أو 'برومو تعاون' التي عززت التبادل المعرفي بين المجتمع والسياح.
ويضيف أيضا: لم يكن الطريق لهذه الفرق خاليا من التحديات؛ فقد واجهت صعوبة في التنسيق الميداني للوصول إلى بعض المواقع، ومحدودية في التمويل والتسويق الإعلامي بعد انتهاء الفعاليات، بالإضافة إلى تحديات في تفاوت مستويات تأهيل المتطوعين، وللتغلب على ذلك أطلقت 'تعاون' برنامج 'جواز التطوع'، وهو أول نظام تحفيزي في العالم العربي لتصنيف المتطوعين بحسب المهارات، وساعات التطوع مع تقديم التأهيل في الإرشاد والإدارة والتواصل. كما توفر الشبكة تعاونا مع القطاعين العام والخاص؛ لدعم تنفيذ البرامج، والمشاريع التطوعية.
'تيرا' تحت أضواء النجوم
ومن بين الفرق التي انطلقت تحت مظلة شبكة 'تعاون' وضمن برنامج جواز التطوع يبرز فريق 'إيفو' الذي قاد مبادرة 'تيرا' التي تعني الأرض بالإيطالية؛ لتعزيز السياحة البيئية في سلطنة عمان؛ حيث تقول زينب بنت داؤود الوهيبية مشرفة الفريق: 'يوجد العديد من الأماكن السياحية في سلطنة عمان التي لا يعرف عنها الناس، مثل محمية الحجر الغربي لأضواء النجوم التي ركزنا عليها في مبادرة تيرا، وكثفنا النشر عنها عبر منصات التواصل الاجتماعي'.
وتوضح الوهيبية أن الفريق أوجد أساليب مبتكرة للتعريف بالمحمية عبر تركيب خيمة متنقلة، وتهيئتها كسينما ليلية تُعرض فيها أفلام مصورة ومحتوى عن الموقع تحت أجواء تحاكي جمالية المكان. وتضيف أيضا: 'لاحظنا أن المحمية تستقطب سياحًا من خارج سلطنة عمان، وأن معظم المواطنين لا يعرفون عنها، فكثفنا جهود النشر عن هذا الموقع عبر وسائل التواصل الاجتماعي للوصول لأكبر شريحة من المجتمع ما يعزز من حركة السياحة الداخلية'.
وعن التحديات التي واجهت الفريق تقول الوهيبية: 'رغم نجاح المبادرة واجه الفريق تحديات عدة أبرزها نقص الدعم المادي واللوجستي، وتعقيد بعض الإجراءات المتعلقة بحجز موقع الفعالية'.
تارتل كوماندوز.. حماة السلاحف
تحتضن جزيرة مصيرة واحدا من أهم مواقع تعشيش السلاحف في العالم؛ حيث تقول منار بنت عبد الله الريامية رئيسة برنامج تارتل كوماندوز: 'إن جزيرة مصيرة تحتل المرتبة الثانية عالميًا من حيث مساحة تعشيش السلاحف من نوع الريماني بعد فلوريدا، وهو ما يجعلها مقصدًا سياحيًا بيئيًا فريدًا للسياح من داخل سلطنة عمان وخارجها. وبسبب زيادة حركة السياحة الداخلية بها وازدحام محمية السلاحف بعدد كبير من الزوار جاءت فكرة برنامج تارتل كوماندوز التي تعنى بحماية ورقابة ورصد السلاحف البحرية'.
وتضيف الريامية: 'يوفر البرنامج تجربة تطوعية بيئية فريدة تعد الأولى من نوعها في الشرق الأوسط؛ حيث نشجع من خلالها الشباب على التطوع البيئي الذي لم تقتصر أنشطته على تنظيف الشواطئ فقط، بل شملت توفير الحماية المباشرة للسلاحف من خلال إنقاذ السلاحف الصغيرة الضالة، وحماية أمهات السلاحف العالقة بين الصخور، بالإضافة إلى النشاطات التوعوية حول تأثير الإضاءات على السلاحف، والمشاركة في فعاليات الجامعات للتوعية، وتنظيم برامج خاصة للسكان المحليين في جزيرة مصيرة'.
كما تشير الريامية إلى أن هناك عدة تحديات تواجه الفريق تمثلت في مقاومة بعض السكان المحليين للإجراءات التي تحد من الحركة الليلية، وكثرة الزوار في مواسم الإجازات، بالإضافة إلى بطء تطبيق القوانين البيئية.
وعن مستقبل البرنامج تضيف منار الريامية: 'خلال أربع سنوات من بدء البرنامج قمنا بجهد كبير مع المتطوعين في حماية أعشاش السلاحف، وتنظيم الحركة السياحية. ولكن في الفترة الحالية أوقفنا البرنامج في سبيل تطويره، ولنقفز به لمستوى أكبر من برنامج مخصص بمحمية السلاحف؛ فهناك خطط قادمة لتوسيع البرنامج ليشمل بقية المحميات؛ بحيث لا يقتصر التطوع على نشاط واحد أو محمية واحدة أو محافظة واحدة، ما يسهم في تحقيق أحد أهم أهداف البرنامج، وهو تعزيز السياحة البيئية'.
إحياء عبق الماضي في ولاية إزكي
وفي ولاية إزكي بمحافظة الداخلية حوّل شباب حارة اليمن أحد أزقة الحارة القديمة إلى وجهة سياحية جذابة عبر مشروع 'سكة حارتنا'. يقول فراس بن سعود الدرمكي المسؤول عن تطوير المشروع: 'بدأنا بجهود شبابية بحتة، وبدعم ومساعدة الأهالي؛ لإعادة تهيئة السكة، وصبغ الواجهات، وتنظيم المكان مع الحفاظ على الطابع التراثي الأصيل'.
ويضيف الدرمكي: 'حاولنا خلال مراحل تطوير سكة حارتنا عدم المساس بالتكوين التراثي الثقافي أو البيئي في الحارة، وإظهار جماليتها، وفتح مشاريع صغيرة في المكان؛ لتنشيط حركة السياحة في المكان'.
وعن الترويج السياحي للمشروع يقول الدرمكي: 'بدعم من الأهالي وبجهود الشباب قمنا بتغطية مراحل الاشتغال على المشروع منذ البداية حتى إنجازه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أسهم في جذب الزوار من خارج الولاية ومن المحافظات الأخرى، وعزز من حركة السياحة الداخلية'. ويرى الدرمكي أن استدامة مثل هذه المشاريع تحتاج إلى تأسيس فرق عمل متخصصة؛ للحفاظ على البيئة، والتشجيع على تطوير الأماكن السياحية.
تحديات مشتركة ورؤى مستقبلية
تتشارك هذه المبادرات على اختلاف مجالاتها في مواجهة عقبات مثل: محدودية التمويل، وتعقيد الإجراءات، وتفاوت التدريب بين المتطوعين، لكن أصحابها يرون أن الحلول ممكنة عبر إطلاق برامج وطنية للتأهيل، وبناء قواعد بيانات للمتطوعين، وتوفير الدعم اللوجستي، وإقامة شراكات مع القطاعين العام والخاص.
من وادي شاب إلى محمية أضواء النجوم، ومن شواطئ مصيرة إلى أزقة إزكي؛ تبرهن المبادرات التطوعية أن الشباب قادرون على صناعة الفارق في المشهد السياحي. وبينما تعكس هذه التجارب روح الانتماء والمسؤولية؛ فإن تحويلها إلى منظومة مستدامة يتطلب دعمًا مؤسسيًا، وإيمانًا بأن العمل التطوعي في السياحة هو استثمار طويل الأمد في صورة الوطن أمام العالم.