قصيدة منسيّة
الاثنين / 8 / ربيع الأول / 1447 هـ - 19:21 - الاثنين 1 سبتمبر 2025 19:21
(1)
على الرف تبقى قصيدة قديمة، بللها المطر، وعاثت فيها الرطوبة، وتعفن ورقها، ولم يبق منها سوى بيت وحيد، يذّكرني بطفولتي الغائرة، نسيت لحظات الكتابة، ومناسبتها، وعمرها، ودلالاتها..تبخر كل شيء من ذهني، ولكن أثق في أمر واحد، وهو أنني كتبتها صادقا، وباكيا، وعاشقا.
(2)
كانت قصيدة دون عنوان، لم أحتج لعنوانٍ لها، أحتاجها هي دون اسم، أحتاج سطوتها، وعطرها، ونثار حروفها، ألمس كل حرف منها، وأحاول أن أعيد الذاكرة إلى الوراء، أي حالة كنت كتبت فيها هذه الكلمات؟..أي لحظات حزينة صغتُ فيها هذا البوح؟..أي أنثى كتبتها لأجلها؟..
لم أعد أذكر..وأنا أنظر إلى ذاكرتي الأولى..حين : كنتُ مراهقا أحمل قلبا من حنين.
(3)
تتحول الكلمات إلى كائنات حية، تمشي، وتبكي، وتقف، وتضحك، وتغني، وتصرخ، كائنات تشبهني، لا تقف على عتبات الزمان، تأكل من لحم القصيدة، وتسرح في ملكوت العشق، وتبوح بما تشعر به، دون رقابة، ودون خوف أو قلق، أنا والورقة، وكفى..وحيدين دون مكان، ولا زمان.
(4)
أحاول أن أقرأ ما كتبته، لا أستطيع، فالحبر غطى على الكلمات، ولم يعد يُظهر إلا حروفا متناثرة، تتراقص دون اكتراث، يمنحني الفضول طاقة بحث أخرى، أقرأ الكلمة الأولى..«ساعة ..»، أتخطاها إلى الكلمة الثالثة «..شمس»، لا بد من تحليل هذه الورقة، وكشفها، وفضح حبرها.
(5)
أخيرا..بعد ليلة طويلة، أمام الورقة، بدأتُ في الإمساك ببعض الخيوط المتناثرة:
الشمس غابت، وما باقي سواك انتي
هاتي عيونك، أصب الحب في كاسك
لا يرحل العمر، وانتي مثل ما كنتي
طيفٍ يسافر، ولا يبقى سوى ناسك
حروف متهالكة، لم تعد ذات معنى بعد سنوات من الجفاء، والرحيل، حيث لم تعد الذاكرة كما كانت، ولا القلب كما كان.
مسعود الحمداني كاتب وشاعر عُماني