مدير المعلومات في وزارة الصحة الفلسطينية بغزة لـ«عُمان»: غزة تعيش حكمًا بالموت.. والمستشفيات تلفظ أنفاسها الأخيرة
الاثنين / 8 / ربيع الأول / 1447 هـ - 17:39 - الاثنين 1 سبتمبر 2025 17:39
أكدت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، أن القطاع يمرّ بمرحلة غير مسبوقة من الانهيار، حيث تحولت حياة أكثر من مليونَي إنسان إلى رحلة يومية مع المرض والجوع والعطش والموت. فالأرقام القاسية وحدها تكفي لرسم المشهد: أكثر من 62 ألف شهيد، وما يزيد عن 158 ألف مصاب، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال.
وفي حوار لـ«عُمان»، وصف زاهر الوحيدي، مدير وحدة المعلومات الصحية الواقع الإنساني في غزة بأنه «حكم بالإعدام الجماعي»، بعدما اجتمعت على السكان آلة الحرب والتجويع وغياب الرعاية الطبية، لتنهار المنظومة الصحية التي لم يبقَ منها سوى بقايا مشافٍ مهدمة، وأسرة مكتظة بجرحى يتقاسمونها، وأطفال ينامون على الأرض في أروقة المستشفيات.
ويكشف الوحيدي أن القطاع دخل رسميًا المرحلة الخامسة من المجاعة وفق تصنيف الأمن الغذائي العالمي (IPC)، حيث يواجه أكثر من 641 ألف إنسان خطر الموت جوعًا، بينما تُسجَّل عشرات الوفيات يوميًا بسبب الجوع، كثير منها بين الأطفال الذين حرموا حتى من شربة الماء النقي بعدما تراجعت حصة الفرد اليومية إلى خمسة لترات فقط.
وفي نبرة تعكس المرارة والخذلان، يحمّل الوحيدي المجتمع الدولي مسؤولية الصمت أمام هذه الكارثة الإنسانية، مؤكدًا أن ما يصل إلى غزة من مساعدات طبية «لا يتجاوز 5% من الاحتياجات»، بينما يظل مطلب وزارة الصحة الأساسي هو فتح المعابر، وإدخال الدواء والغذاء، وإجلاء المرضى العالقين، قبل أن ينهار كل ما تبقّى من قدرة على الصمود. إلى نص الحوار:
ما هي آخر الأرقام حول أعداد الشهداء والجرحى خاصة الفئات الأكثر ضعفًا؟
المشهد الصحي في قطاع غزة على مدار 22 شهرا أو ما يزيد، قد أصبح كارثيا جدًا. منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023 حتى 28 أغسطس، بلغ عدد الشهداء 62 ألفًا و900 شهيد وأكثر من 158 ألف مصاب. يمثل الأطفال تقريبًا 30.5% من إجمالي الشهداء، والنساء تقريبًا 16%، بالإضافة إلى كبار السن الذين يمثلون 7.5%. هذه أرقام كبيرة جدًا، حيث إن النساء والأطفال يشكلون معًا ما يقارب 55% من إجمالي الشهداء.
اكشف لنا واقع المجاعة في غزة بالمعطيات والأرقام
قطاع غزة دخل في مرحلة الكارثة أو المرحلة الخامسة من المجاعة، حسب التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC): أكثر من 641 ألف مواطن ضمن المرحلة الخامسة وهم يمثلون أكثر من 32% من سكان قطاع غزة. وهناك أكثر من 1.5 مليون مواطن ضمن المرحلة الرابعة (مرحلة الطوارئ)، وأكثر من 198 ألف مواطن في المرحلة الثالثة (مرحلة الأزمة). هذا يدل على أننا وصلنا إلى مراحل متقدمة من المجاعة.
هذه المجاعة وسوء التغذية حصدت أكثر من 317 ضحية حتى 28 أغسطس 2025، كان من بينهم 121 طفلًا و196 بالغًا. خلال شهر أغسطس فقط سُجلت أكثر من 154 حالة وفاة نتيجة سوء التغذية، بارتفاع شديد عن شهر يوليو السابق عليه، الذي سجل 97 حالة وفاة. أيضًا هناك أكثر من 43 ألف طفل تحت خمس سنوات يعانون من سوء تغذية حاد، يمثلون أكثر من 17% من مجتمع الأطفال لهذه الفئة في غزة.
في شهري يوليو وأغسطس 2025 شهدنا ارتفاعًا شديدًا في تسجيل حالات سوء التغذية. ففي يوليو، تم رصد 13 ألف حالة في مراكز فحص سوء التغذية، وحتى منتصف أغسطس سُجلت 8 آلاف حالة جديدة. أما الأمهات، فهناك أكثر من 55 ألف أم مرضعة، أي ما يمثل 52% من إجمالي 107 آلاف أم مرضعة وحامل في غزة، يعانين من سوء التغذية، كما أن 67% من الأمهات المفحوصات يعانين من فقر الدم.
ما هي تقديراتكم حول أزمة المياه في القطاع؟
حصة الفرد اليومية من المياه قبل العدوان كانت 84.6 لترًا للفرد يوميًا، أما الآن فلا تتجاوز حصة الفرد 5 لترات، بل تتراوح بين 3 إلى 5 لترات، حيث تم تدمير 116 بئرًا لمياه الشرب من أصل 260 بئرًا، وهذا يعكس حجم أزمة المياه الخانقة في قطاع غزة سواء للشرب أو للاستخدام الشخصي والنظافة.
ما أبرز المؤشرات التي تعكس حجم الكارثة الصحية مقارنة بالأعوام أو الحروب السابقة؟
قبل الحرب كان هناك أكثر من 38 مستشفى في قطاع غزة، تم استهداف معظمها، ولم يعد يعمل جزئيًا سوى 16 مستشفى فقط، بينما خرج 22 مستشفى عن الخدمة. كذلك كان لدينا أكثر من 157 مركز رعاية صحية، لم يبقَ منها سوى 61 يعمل بشكل جزئي، فيما خرج 96 مركزًا عن الخدمة.
المرافق الصحية تعرضت لأكثر من 772 استهداف وانتهاك، بينها 197 استهدافًا لمركبات الإسعاف. أكثر من 1890 من كوادرنا الصحية استشهدوا، و361 كادرًا تعرضوا للاعتقال. تم تدمير أكثر من 61 مولدًا كهربائيًا من أصل 110، و25 محطة أوكسجين من أصل 35، إضافة إلى 10 أجهزة أشعة مقطعية من أصل 17، وتدمير 7 أجهزة رنين مغناطيسي من أصل 7، أي أننا فقدنا القدرة الكاملة على التصوير بالرنين.
هناك تقارير تفيد بأن نسبة إشغال الأسرّة في المستشفيات بلغت مستويات غير مسبوقة
نسبة إشغال الأسرّة في مستشفيات غزة تتراوح ما بين 200 إلى 250%، وهي معدلات مرتفعة جدًا مقارنة بالأشهر السابقة. في مستشفيات وزارة الصحة يوجد الآن حوالي 1685 سريرًا فقط، بانخفاض 55% عن عدد الأسرة قبل الحرب الذي كان أكثر من 3560 سريرًا. هذا يعني أن لدينا 8 أسرّة فقط لكل 10 آلاف نسمة، بينما كان المعدل قبل الحرب 15.5 سرير لكل 10 آلاف.
ما التبعات الإنسانية والطبية لهذا الاكتظاظ على المرضى والجرحى؟
الوضع غير مسبوق. تصل المستشفيات يوميًا ما بين 300 إلى 500 إصابة جديدة، ما يشكل ضغطًا هائلًا على الطواقم الطبية. كثير من المرضى يضطرون للبقاء في الممرات، وأحيانًا تُجرى العمليات الجراحية على الأرضيات. الأمراض المعدية والوبائية منتشرة، ولا توجد قدرة على استيعاب المرضى الذين يحتاجون تدخلات عاجلة.
في صورة مأساوية مؤلمة، يُقال: إن ستة أطفال جرحى يتقاسمون سريرًا واحدًا، كيف تشرحون هذا الوضع؟
الحصول على سرير أصبح رفاهية. كثير من الأطفال ليس لهم أسرّة أصلًا، بل ينامون على فرشات في الممرات والطرقات بدلًا من الأسرة الطبية.
صيدليات غزة شبه خالية.. كيف تصفون الواقع الدوائي الحالي؟
أزمة الدواء من أكبر المشكلات، أكثر من 47% من أصناف الأدوية في وزارة الصحة رصيدها صفر، وأكثر من 65% من المستهلكات الطبية غير متوفرة، ونعاني عجزًا في أدوية الأمراض المزمنة بنسبة تزيد عن 55%، والأدوية الخاصة بالطوارئ والعناية المركزة، وأدوية مرضى الكلى والأورام والمزمنين، جميعها تشهد نقصًا حادًا.
النقص الحاد في الأدوية له تداعيات كارثية على مرضى الأمراض المزمنة، إذ أن هذه الأدوية هي وسيلة لإبقائهم على قيد الحياة، انقطاعها يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية، وقد يتسبب بالوفاة في أغلب الأحيان.
هل لديكم شواهد أو قصص إنسانية تلخص حجم المعاناة بسبب نفاد الدواء؟
نعم، على سبيل المثال شخصيًا أعاني من ارتفاع ضغط الدم وأحتاج إلى دواء «لوزار» بانتظام، ولم أتمكن من الحصول عليه منذ أكثر من شهر ونصف الشهر لأن رصيده صفر. الأمر نفسه يعاني منه جيراني وأقاربي وكثير من المرضى الذين يسألون عن أدويتهم فلا يجدونها.
ما نسبة ما وصل من أدوية ومستلزمات طبية مقارنة بحجم الاحتياج الفعلي؟
منذ انهيار التهدئة في 18 مارس 2025 لم يدخل سوى بضع شاحنات أدوية، لا تتجاوز نسبتها 3 إلى 5% من احتياجات القطاع الصحي.
كيف تقيمون استجابة المجتمع الدولي حتى الآن؟ وهل ترون أن هناك تجاهلاً متعمدًا لمعاناة غزة الصحية والإنسانية؟
الاستجابة خجولة جدًا. منذ إعلان دخول غزة المرحلة الخامسة من المجاعة بين 22 و28 أغسطس فقط، سُجلت 39 حالة وفاة جديدة. المساعدات لم تتحسن، وما يدخل لا يكفي ويتم نهبه غالبًا. 95% من السكان لا يملكون المال لشراء السلع حتى لو توفرت، بينما 5% فقط قادرون على ذلك. يوميًا نسجل ما بين 7 إلى 10 وفيات بسبب المجاعة.
إذا استمرت الأزمة على هذا النحو، كيف تتوقعون أن يكون المشهد الصحي بعد أسابيع قليلة؟
إذا استمرت الأزمة واستمرت تهديدات الاحتلال الإسرائيلي باحتلال مدينة غزة وإفراغها من سكانها سيكون هذا حكمًا بالإعدام على سكان القطاع. المنظومة الصحية ستنهار بشكل كامل ولن تتمكن من التعامل مع هذا الكم من الضحايا. من لم يمت بالقصف أو التجويع سيموت بانعدام الرعاية الصحية.
ما رسالتكم الأخيرة للعالم وللمنظمات الصحية والإنسانية؟
الرسالة الأولى: افتحوا المعابر لإدخال الغذاء والدواء والأجهزة الطبية حتى يتمكن القطاع الصحي من أداء مهامه.
الرسالة الثانية: نطالب بترميم المستشفيات، وإجلاء المرضى للعلاج في الخارج، وإدخال الوفود الطبية المتخصصة خاصة أساتذة الجراحة؛ لمساعدة الكوادر المحلية في إجراء العمليات وإنقاذ الأرواح.