أعمدة

قدم في التقليدي وأخرى في عالم التقانة!

نوافذ ..

يضعُ التعليم في عُمان قدما في طُرقهِ التقليدية وأخرى في التقانة الحديثة، وإن كانت هذه نتيجة حتمية للتحولات التي تصيب العالم، فالمُراوحة بينهما تمضي على جناح الخشية من تعثرٍ وشيك! 

فعندما نتحدثُ عن دخول الحداثة التقنية إلى حياة أبنائنا، فنحنُ بالتأكيد لا نقصد «جروبات الواتسآب المدرسية»، تلك التي تأخذُ شكلا غير رسمي، حيثُ ينتظرُ الطلاب تحديد مهامهم وواجباتهم ومشاريعهم عبر هذا التطبيق! فنغدو -كأولياء أمور- بين جحيمين إمّا أن تكون هواتفنا طوال الوقت بين أيدي أولادنا، وإمّا أن نشتري لهم هواتف في أعمار صغيرة وذلك أشر الأمرين! 

وكما ذكرتُ في مقال سابق، لقد دفعتْ «جروبات الواتسآب» بعض الأهالي لانغماسٍ مرضي تنافسي، فلم تعد تجربة التعليم تجربة فردية، لا سيما لدى الأمهات اللواتي تذهبُ حياتهن الشخصية في متابعة حثيثة لكل «الجروبات» التي يتوقفُ عددها -غالبا- على عدد الأبناء في المدرسة. بالمقابل تغدو فكرة «الانسحاب» الكُلي منها فكرة محفوفة بالمخاطر! 

وعليه فتفعيلُ المنصات التعليمية -والتي بدأ عملها على استحياء- هو الحل الأجدر لهذه المُعضلة، ليصل لكل طالب كل ما يترتبُ عليه من مهام يومية باختلاف المرحلة التعليمية، فلا يُسمح بأي تواصل خارج هذه الدائرة المُقننة. إذ تُحدد بواسطتها طبيعة العلاقة بين الأساتذة والطلبة، ويبقى دور الأهالي دورا إشرافيا وحسب.ولكن وبقدر ما تبدو هذه الفكرة براقة، علينا أن نتساءل: حول مدى كفاءة هذه المنصات أيضا، ومدى قدرة الأساتذة على متابعتها بدقة، وكيف نضمن ألا يذهب أبناؤنا إلى تشتتٍ مُضنٍ بين عالمين! 

إذ بنظرة واقعية على الحالة الاجتماعية الاقتصادية، يمكننا القبض على لُب بعض مشاكلنا، وهنا لا يقعُ العبء واللوم على وزارة التربية والتعليم وحدها، بل تتشاطر المسؤولية عدّة جهات. 

فعلى سبيل المثال، وُفرت لبعض المدارس أجهزة حديثة وبمبالغ باهظة، من قبيل السبورات التفاعلية أو «كابينات» تحتوي على أجهزة إلكترونية مُهيأة لاستخدامات الطلبة، لكن ما نفعُ كل هذا إذا كانت البنية التحتية مُتهالكة، ولا توجد شبكة «واي فاي» بكفاءة عالية! فتعمل الأجهزة يوم وتتعطل أياما أُخر! 

علينا أن نسأل أنفسنا بجرأة: لماذا نذهبُ إلى تطبيق «الواتسآب» غير الرسمي، ولا نذهب إلى «المنصة»، يبدو الجواب بسيطا: لأنّ تطبيق الواتساب أسهل ومتوفر في هاتف كل واحد منا، ولأنّ العديد من الطلبة وبعض الأساتذة يُعانون من عدم توفر أجهزة لوحية حديثة تُساعدهم على إنجاز مهامهم المطلوبة! 

من جهة أخرى: كيف يُقسم المعلم نفسه بين الأنصبة العالية من الحصص ومتطلبات التقانة الحديثة، وهو لا يستطيع التقاط أنفاسه أصلا في المدرسة؟! الأمر الذي يُحيلنا إلى ضرورة ترتيب أولوياتنا من العملية التعليمية اليوم، كيلا تغدو عبئا على أي طرف من الأطراف الثلاثة المشتبكة في هذه المعمعة.ماذا أيضا عن جوهر التعليم. ذاك الذي لا يتغير بتغير الأدوات وحسب، فإن كان التقليدي ينهضُ على الحفظ والتلقين، والتركيز على الامتحانات، واعتبار المُعلم مصدر المعرفة الوحيد، فالتعليم الحديث ينظرُ بعين التقدير للتعلم الذاتي، التفكير النقدي التحليلي. مما يعني أنّ القصّة أبعد من تحول سطحي من لوح طباشير إلى سبورة ذكية، أو من كُتب ورقية إلى كتب مُحملة إلكترونيا، فهذه التفاصيل لا تعدو أن تكون قشورا خارجية لما ننشده من صلابة في المتن التدريسي! 

يُصاب الطالبُ اليوم بعرجٍ تعليمي، فقد يُقيَّم وفق منهجية تقليدية وعلى الضفة الأخرى من النهر يُطالب بمهارات إبداعية حديثة! قرأتُ ذات مرّة أنّ التعليم اليوم: مثل قارب يُحاول الإبحار، نصفُ شراعه ورق قديم ونصفه ألياف كربونية حديثة. مما يعني أننا في مرحلة انتقالية دقيقة، فإذا كانت رؤية عُمان واقتصادها اليوم يُراهن على تنوع معرفي تقني، فينبغي أن تُصقل هذه التصورات وهذه العقول منذ مقاعد درسها الأول. 

هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة «نزوى»