لا يزال إنهاء مأساة غزة يعتمد على أسوأ الناس
مارينا هايد
السبت / 6 / ربيع الأول / 1447 هـ - 20:52 - السبت 30 أغسطس 2025 20:52
ترجمة - أحمد شافعي
صرنا في اليوم رقم 222 من رئاسة ترامب، ولا تزال حرب روسيا وأوكرانيا التي وعد بإنهائها في يوم واحد قائمة ولا تبدو لها بادرة على قرب الانتهاء. ولم يكن ذلك وعدا صالحا للاستعمال لمرة واحدة، إذ أبرمه ترامب ما لا يقل على ثلاث وخمسين مرة. غير أن الرئيس عجز عن الوفاء به، سواء وفاء فعليا أو على طريقة الرئيس الأثيرة، أي الطريقة الاستعارية. وهل بوسع امرئ أن ينهي حربا على نحو استعاري؟ لا، ولا حتى في ظاهر الأمر.
غير أن ما تعنيه أحدث جولات فشل ترامب هو أنه ينحو نحو حرب أخرى، هي الكارثة الإنسانية المروعة غير القانونية التي تجري في غزة. ولعل ذلك لم يكن على النحو الذي صاغه. ففي هذا الأسبوع حاد ترامب عن مساره في التعليق على غزو إسرائيل لمدينة غزة أو مراكمته التصريحات بأن المجاعة والتجويع في غزة قائمان بوضوح في القطاع، وأعلن بدلا من ذلك قوله : «أعتقد أنكم في غضون الأسبوعين أو الأسابيع الثلاثة القادمة، سوف تشهدون نهاية جيدة للغاية وحاسمة». أحسنت أيها الرجل! تبدو وصفة ترامب حتى الآن لإنهاء الرعب مشابهة لخطة عمل أقزام ساوث بارك الشهيرة : فالمرحلة الأولى هي (جمع الثياب الداخلية) والمرحلة الثانية هي (؟) والمرحلة الثالثة هي (جني الأرباح).
في نسخة الرئيس الأمريكي، سار هذا الأمر على النحو التالي : المرحلة الأولى هي (كارثة إنسانية مريعة وغير قانونية). والمرحلة الثانية هي (؟). والمرحلة الثالثة هي (المنتجع الشاطئي). وإنه لأمر غريب أن ننظر إلى صورة مؤتمر يالطا لتشيرشل وستالين وروزفلت ونفكر في مدى السرعة التي كان يمكن أن ينهي بها حلفاء الحرب الثلاثة كل شيء لو أنهم أعرضوا عن شتى التعقيدات وفهموا العالم باعتباره انتقاء بسيطا لفرص عقارية ساحلية. لكن لعل الأغرب هو أن نتخيل أنه وإن لم نجد بين أيدينا صورة سيلفي تضم ترامب وفلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو، فإن لعنة زماننا هذا تكمن في أن مصير كثير جدا من البشر اليائسين المضطهدين معلق على ثلاثة رجال كان ينبغي أن يكونوا الآن في السجن لولا أنهم متربعون في السلطة.
لكن هذا هو الواقع. فطريق السلام في غزة يمر بترامب، لا بمنشورات مواقع التواصل الاجتماعي، ولا بالأعلام المعلقة في الشبابيك، ولا بالاستعمال الخلاق للمنصات، ولا بأي من اللفتات الأخرى التي قد يتصور المتفائلون أنها جهر بالحق في وجه السلطة الجائرة وما هي في الحقيقة إلا صورة أوضح لإحساسنا المتفشي والمتزايد بقلة الحيلة في عصرنا هذا.
كما أن طريق السلام في غزة لا يمر بأي حال من الأحوال بإعلان إد دافي هذا الأسبوع بعد طول تفكير وتدبر ودعاء أنه لن يحضر مأدبة الملك لترامب خلال زيارته الرسمية القادمة. ومن نافلة القول إن ترامب ما كان ليعرف على الإطلاق من يكون زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين (لكن لعل الأكثر إلحاحا بالنسبة لدافي، والأمر الذي قد يكون بوسعه أن يؤثر فيه بعض الشيء، هو استطلاع الرأي الذي أجري هذا الأسبوع وأظهر أن 35% من ناخبي حزب الديمقراطيين الليبراليين لا يعرفون أيضا من يكون إد دافي حينما توضع صورته أمامهم). غير أن دافي يعتقد أن مقاطعة مأدبة العشاء هي خير وسيلة في يده لـ« توجيه رسالة إلى كل من ترامب وستارمر» مفادها أنه ليس بوسعهما أن يرجوا زوال الكارثة الجارية في غزة. والرجل يضمر الخير، لكن لفتته هذه تظل شبيهة بتغريدة، بل وبمقالة في ذي جارديان كالتي أعلن من خلالها موقفه. لكن المؤسف أن كل ما سبق ذكره ليس بشيء في صراع دولي.
إن العجز عن تدبير مسار للحلول يعني أن سؤالا يهيمن على عصرنا المضطرب: هل حسن النية يكفي؟ وهل هو في واقع الأمر أفضل في وسعي؟ فهل أخليت مسؤوليتي في مواجهة رعب تاريخي بنشري كتابات عنه في مواقع التواصل الاجتماعي، أو بمهاجمة شخص لعدم نشره كتابات عنه في مواقع التواصل الاجتماعي أو بتلميحي إلى أن من لا ينشر عن موضوع معين في مواقع التواصل الاجتماعي إنما هو شخص غير مهتم بهذا الموضوع؟ قد يكون لطيفا أن نتصور هذا، لكنني أخشى أن من يفكرون بهذه الطريقة، فضلا عن كونهم الأقل انخراطا في الأمر، هم الأكثر تضررا أيضا. فبعض من أسوأ البشر في العالم ـ أو هم على الأقل أسوأ من لا يديرون جيوش العالم ـ هم الذين يديرون شركات التواصل الاجتماعي، فضلا عن أن الظن بأن قضاء ساعات مريحة في مراقبة منصاتهم، والعمل لحسابهم بالمجان، يمثل اتخاذ موقف أو إبداء للاهتمام، فهذا أمر يتجاوز الغرابة ليبلغ المرض الثقافي.
لقد زعمت وسائل التواصل الاجتماعي أنها تربط بين الناس وتزيدهم قوة ـ وهذا إن كنتم سمعتم به وعد شعبوي ـ ومع ذلك فإن ما نسمع كثيرين من أصحابنا وأقاربنا يقولونه طوال الوقت في حواراتهم عن الأخبار هو أنهم يشعرون بقلة الحيلة. لقد فتتت هذه التكنولوجيا البشر وخدّرتهم برغم افتراض أنها توحدهم وتقويهم، ويوم يتوافر المنظور التاريخي الكبير لأحفادنا أو لأنفسنا في المستقبل، فقد نكتشف أن هذه التكنولوجيا كانت سببا في أغلب أزماتنا الحالية وليست دواء لها. لقد رأيت هذا الصباح صورة انتشرت على نطاق واسع لترافيس كيلسي وهو يقبّل تيلور سويفت في صورة خطوبتهما، موضوعة فوق مبنى هدمته الحرب، ومصحوبة باقتباسٍ من بيل هوكس يقول: إن «صمتنا في مواجهة الاعتداء العنصري تواطؤ معه». فيا إلهي! ضعوها في كبسولة زمنية، مع رسالة اعتذار عن الأنقاض الثقافية التي سيتعين إخراجها من تحتها.
فعلى المستوى العملي، لا شيء يتغير. إذ لا يزال طريق السلام يمر عبر سياسيين أصحاب سلطة. وكثير منهم لا يزالون أشخاصا سيئين. وسوف يظل لزاما عليهم خوض نقاشات غير سارة، بل و«سامة»، ولا مفر فيها من المساومات والتنازلات الأخلاقية. ومع ذلك، تظل هذه الأمور مطلوبة، لأن هذه هي النهاية التي طالما انتهت إليها الأمور. فبهذه الطريقة تصمت القنابل، ويتوقف جوع الأطفال، وتنتهي المذبحة البشعة. فهو طريق طويل ومحفوف بالمخاطر، ولكن التاريخ جعله مألوفا لنا، لأنه الطريق الوحيد الذي يقترب بنا على أي قدر من الوجهة التي ينبغي أن نتجه إليها.
مارينا هايد من كاتبات الرأي في صحيفة ذي جارديان
عن صحيفة الجارديان البريطانية