عمان اليوم

السكن المستدام في عُمان.. خيار واعد يصطدم بتحديات التكلفة

 


في ظل التوجهات العالمية نحو ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية وتحقيق جودة حياة أفضل، برز مفهوم السكن المستدام كخيار ضروري لمستقبل المدن والمجتمعات. هذا التوجه لم يعد ترفًا بيئيًا، بل أصبح حاجة ملحّة تفرضها التحديات المرتبطة بارتفاع استهلاك الكهرباء والمياه، وتزايد تكاليف المعيشة، وما يترتب على ذلك من ضغوط على الأفراد والبيئة على حد سواء.
وفي سلطنة عمان، شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا متناميًا بمشاريع الاستدامة، سواء من خلال المبادرات الحكومية أو من خلال وعي متزايد لدى المواطنين والمطورين العقاريين.
يقوم السكن المستدام على استخدام الطاقة المتجددة، وتشجيع إعادة التدوير، والاعتماد على أنظمة بناء تقلل الأثر البيئي وتخفض النفقات على المدى الطويل.
ورغم وضوح فوائد هذا النمط السكني، ما مدى تقبّل المجتمع العُماني لتطبيقه فعليًا في حياته اليومية؟ وهل يمكن أن يتحول السكن المستدام من فكرة نظرية إلى ممارسة واقعية تساهم في بناء مدن أكثر صداقة للبيئة وأكثر كفاءة في استهلاك الموارد؟
ومن هذا المنطلق، توجهنا إلى عدد من المواطنين لسماع آرائهم وانطباعاتهم حول إمكانية تطبيق هذا المفهوم في واقعهم المعيشي.
التحديات كبيرة
ترى فخرية بنت خميس الزدجالية أن فكرة السكن المستدام ما زالت محايدة بالنسبة لها، فهي تُقدّر أهدافه في الحفاظ على البيئة وترشيد استهلاك الموارد، لكنها تعتقد أن تطبيقه في عُمان يواجه تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع التكاليف وقلة توفر مواد البناء المستدامة محليًا. وتشير الزدجالية إلى أن التصميم الجيد، والعزل الحراري، وأنظمة ترشيد المياه يمكن أن تسهم في تقليل استهلاك الكهرباء والمياه إذا نُفذت بشكل صحيح، معتبرة أن الطاقة الشمسية تمثل العنصر الأهم في هذا الجانب.
وتضيف أنها قد تفكر في تبني هذا النوع من البناء في حال وجود دعم حكومي مناسب، مؤكدة أن إلزامية تطبيق معايير البناء المستدام تحتاج إلى دراسة أوسع قبل التنفيذ، وأن انعكاسها على جودة الحياة يرتبط بمدى وعي المجتمع والتخطيط السليم.
توفير وتقليل
أما أميمة الشيزاوية، فتؤكد أن السكن المستدام يمكن أن يسهم بشكل واضح في تقليل استهلاك الكهرباء والمياه إذا جرى تطبيقه بطريقة صحيحة. لكنها ترى أن أبرز العقبات التي تعترض انتشاره في السلطنة تتمثل في قلة الوعي المجتمعي، وارتفاع أسعار المواد المستدامة بسبب محدودية توافرها محليًا، إلى جانب غياب معايير وقوانين تنظم هذا النوع من المباني، وارتفاع التكلفة الأولية للمشاريع.
وتشير الشيزاوية إلى أن أهم ما ينبغي التركيز عليه عند تصميم المنازل المستدامة هو إعادة تدوير المواد لتقليل الانبعاثات، إلى جانب ترشيد استهلاك المياه والكهرباء. كما أوضحت أنها ستفكر في بناء منزل مستدام إذا توفر دعم أو تمويل حكومي، لكنها لا تميل إلى أن يكون البناء المستدام إلزاميًا في جميع المشروعات السكنية الجديدة، بل يجب أن يُراعى حجم المشروع وموقعه وكلفته. وتختم قائلة: 'إذا تم اعتماد السكن المستدام وتطبيقه بطرق صحيحة، فإن أثره سينعكس إيجابًا على صحة ونفسية المجتمع، وعلى الأجيال القادمة في مختلف الجوانب'.
تحسين جودة الحياة
تؤيد عائشة بنت عبدالله البلوشية فكرة السكن المستدام، مؤكدة أنه يساهم في تقليل الهدر وخفض استهلاك الكهرباء والمياه بشكل ملحوظ. وتشير إلى أن أي مبنى مستدام ينبغي أن يحقق معيارًا أساسيًا وهو أن يكون صديقًا للبيئة. أما عن التحديات، فترى أن أبرزها يتمثل في ارتفاع التكلفة الأولية، وضعف الوعي المجتمعي، وقلة الخبرات المحلية في هذا المجال.
وتلفت البلوشية النظر إلى أن النمط الهندسي التقليدي للبناء في عُمان، كما في القلاع والحصون، كان أقرب إلى الاستدامة بطبيعته. وتؤكد أنها ستبادر إلى بناء منزل مستدام إذا توفر دعم أو تمويل حكومي، لافتة إلى أن هذا التوجه سيؤدي في السنوات المقبلة إلى تحسين جودة الحياة عبر تقليل الهدر وخفض النفقات على الأفراد.
بيئة صحية
من جانبه، يرى فاروق بن سعيد بن خلفان المجيزي أن السكن المستدام يمثل فكرة إيجابية تهدف إلى خلق بيئة صحية وتوفير استهلاك الكهرباء والمياه مع الاستفادة من الطاقة الشمسية. لكنه يشير في المقابل إلى أن التحدي الأكبر يتمثل في ارتفاع الكلفة، إذ تبقى المواد الصديقة للبيئة أغلى مقارنة بالمواد التقليدية.
ويؤكد المجيزي أنه لا يؤيد إلزامية تطبيق معايير البناء المستدام في جميع المشاريع السكنية الجديدة في المرحلة الحالية، معتبرًا أن السوق العُماني ما زال ناشئًا في هذا المجال، وأن محدودية الموردين ستؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد بشكل أكبر.
إمكانات كبيرة
يرى محمد بن سعيد بن علي الجرادي أن السكن المستدام يمثل خيارًا واعدًا في السلطنة، لأنه يسهم في الحفاظ على البيئة وتقليل استنزاف الموارد الطبيعية كالماء والكهرباء، فضلًا عن تعزيز كفاءة الطاقة وتخفيض تكاليف المعيشة على المدى الطويل.
ويشير الجرادي إلى أن أبرز العقبات التي تعترض انتشاره تتمثل في ارتفاع التكلفة الأولية للمواد والتقنيات المستدامة، وقلة الوعي بين المواطنين والمطورين العقاريين، إلى جانب ندرة الخبرات المحلية في مجال التصميم والتنفيذ. لكنه يؤكد أنه لن يتردد في بناء منزل مستدام إذا توفر الدعم أو التمويل الحكومي، خصوصًا أن هذا التوجه يساعد في تقليل استهلاك الكهرباء المرتبط بأجهزة التبريد، ويتيح الاستفادة من الطاقة الشمسية، ويوفر المياه في ظل ندرتها في سلطنة عمان.
ويشدد على أن الدعم الحكومي وسن التشريعات عاملان حاسمان لتقليل التكلفة الأولية وتسريع استرداد الاستثمار من خلال خفض فواتير الخدمات. كما يرى أن تطبيق معايير تدريجية للاستدامة ثم رفعها مع نضوج السوق سيحقق نتائج إيجابية. وعن الأثر المستقبلي للسكن المستدام، يوضح أنه سيؤدي إلى تحسين جودة الهواء، وخفض تكاليف المعيشة، وزيادة الوعي البيئي، وجذب استثمارات خضراء، وتعزيز السياحة البيئية، مؤكدًا أن الاستدامة في البناء لها إمكانات كبيرة في السلطنة إذا توافرت بيئة داعمة.
تكلفة الاستثمار
أما مجتبى بن مرتضى اللواتي فكان له موقف مختلف، إذ وصف فكرة السكن المستدام في السلطنة بأنها 'سلبية' من زاوية اقتصادية، معللًا ذلك بأن الكلفة الاستثمارية الأولية مرتفعة، وفترة الاسترداد طويلة تتجاوز عشر سنوات، في ظل محدودية الدعم الحكومي للكهرباء. كما يرى أن حلول المياه المنزلية ليست مجدية ماليًا إلا عند وجود ري وزراعة كثيفة.
ويضيف اللواتي أن من أبرز العقبات غياب التمويل الميسّر وطول فترة استرداد التكاليف مقارنة ببدائل أخرى لخفض الفواتير، فضلًا عن ارتفاع تكاليف البناء أصلًا، ما يجعل الحلول المستدامة تبدو 'كمالية' أكثر من كونها أولوية. ويشير إلى تحديات عملية مثل الحاجة لمساحات كبيرة غير مظللة لتركيب الألواح الشمسية، وهو ما قد يكون صعبًا في الأسطح الصغيرة أو المزدحمة.
كما لفت إلى أن نجاح السكن المستدام يتطلب دمج الاستدامة منذ مرحلة التصميم عبر معماريين ومهندسين متخصصين، وإدارة عوامل مثل اتجاه السقف والتظليل والغبار لضمان الكفاءة. وعلى الرغم من ذلك، يقر اللواتي بأن هناك إيجابيات واضحة مثل تحسين العزل وكفاءة أجهزة التكييف، والتحكم الذكي في استهلاك الكهرباء، والاستفادة من الطاقة الشمسية لتقليل الفاتورة، إضافة إلى جدوى أكبر لحلول المياه عند تطبيق أنظمة إعادة الاستخدام.
ويختم بالقول إن الموقف من البناء المستدام يرتبط بمدى جدوى الدعم الحكومي، مؤكدًا: 'نعم قد أتبنى هذا التوجه إذا كانت هناك حوافز مجزية مثل القروض الخضراء'.
تمويل حكومي
تؤكد فايزة محمد شعبان تأييدها لفكرة السكن المستدام، مشيرة إلى أنه يسهم في الحفاظ على البيئة والاستفادة من الموارد الطبيعية عبر تقليل استهلاك الكهرباء والمياه، وتشجيع إعادة التدوير، والاستفادة من الطاقة الشمسية لتحقيق الاستدامة الفعلية.
وترى أن أبرز العقبات تكمن في مدى توفر المواد اللازمة للبناء المستدام، إضافة إلى تقبل المواطنين لفكرة التغيير في نمط البناء وتحمل التكاليف المرتبطة به. وتشير إلى أن التكلفة المرتفعة تبقى السبب الأبرز وراء عزوف كثير من الناس عن هذا التوجه، على الرغم من فوائده.
وعن إمكانية تبنيها لهذا النوع من البناء، أوضحت أنها ستقدم على ذلك في حال توافر تمويل حكومي أو دعم مالي يقلل الأعباء على الأفراد، لكنها في الوقت نفسه لا تؤيد أن تصبح معايير البناء المستدام إلزامية في جميع المشروعات السكنية الجديدة، مبررة ذلك بعدم جاهزية السوق والمجتمع لتطبيقها على نطاق واسع في المرحلة الحالية.