هل نشهد عودة للحرب الباردة في الشرق الأوسط؟
الثلاثاء / 2 / ربيع الأول / 1447 هـ - 20:28 - الثلاثاء 26 أغسطس 2025 20:28
ترجمة : أحمد شافعي
ستيفن أ. كوك
في الربيع الماضي سنحت لي فرصة السفر إلى هونج كونج، وفيما كنت هناك التقيت بأشخاص من الصين، وناقشت معهم سلسلة القضايا المطروحة على الأجندة الأمريكية الصينية. ولما امتد النقاش إلى الشرق الأوسط قال أحدهم: إن بكين لا تنظر إلى المنطقة مثل نظرة واشنطن موضحا أن «غاية ما نريده هو أن نشتري من الشرق الأوسط ونبيع له لا أكثر». وقد وصف فريق كبير من محللي الشؤون الصينية المقيمين في الغرب السياسة الصينية بمثل ذلك على مدار السنين، ولكنني أتساءل عما لو أن نهج الصين تجاه المنطقة يتغير.
منذ أن انتهت الأعمال العدائية بين إسرائيل وإيران في يونيو الماضي ظهرت تقارير عديدة عن جهود الصين لمساعدة طهران في إعادة بناء قدراتها العسكرية. وإن صحت هذه التقارير فإن هذه الخطوات تمثل تحولا ذا شأن من الصين عن حيادها تجاه صراعات الشرق الأوسط؛ فلماذا هذا التغيير؟
لست مستعدا بعد لاستخراج ثياب الجينز المبيضة بالأحماض التي كنت أرتديها في الثمانينيات، لكن يبدو لي أننا نشهد التجهيز لصراع بالوكالة في الشرق الأوسط شبيه بصراعات الحرب الباردة في تلك الحقبة؛ فالولايات المتحدة وإسرائيل ألحقتا بإيران أذى داميا، ويبدو أن الصين ـ حماية لاستثماراتها في إيران ـ تشعر أنها لا بد أن تساعد النظام الحاكم على إعادة تأسيس قدراته العسكرية. وكل ذي دراية بتاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سيدرك هذه الدينامية التي لا يرجح أن تزيد المنطقة أمانا.
تدور مصالح الصين في الشرق الأوسط حول النقطة التي سمعت بها في هونج كونج، وهي البيع والشراء في المنطقة (وغالب الشراء يقتصر على الطاقة)، وذلك يعني أن بكين تريد استقرارا في المنطقة، وحرية لتدفق موارد الطاقة، وحرية للملاحة، ووصولا إلى الأسواق.
وتتداخل هذه الشروط مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، لكن واشنطن وبكين ـ بدلا من التعاون ـ عالقتان في تنافس استراتيجي. ولا يتعلق هذا بالشرق الأوسط بقدر ما يتعلق بتايوان، وبأجزاء في آسيا تعدها بكين مجال نفوذها، وبالتنافس الحتمي بين قوة قائمة وقوة صاعدة ترجو أن تغير النظام العالمي لصالحها.
لكن التنافس يتجلى في أجزاء متعددة من العالم منها الشرق الأوسط الذي لا تكف بكين وواشنطن عن محاولة التفوق على بعضهما بعضا فيه.
ويمثل اليمن والحوثيون مثالا جيدا لكيفية تجلي هذه المنافسة؛ فبرغم أن لأمريكا والصين مصلحة مشتركة واضحة في ضمان حرية الملاحة؛ فقد اختلفت طريقة كل منهما اختلافا تاما في التعامل مع تحدي الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر. فأبرمت بكين اتفاقا مع الحوثيين؛ لحماية خطوط الشحن الصينية من الهجوم. واستعملت واشنطن من جانبها القوة العسكرية؛ لإرغام الحوثيين على التراجع محققة نتائج مختلطة. فاللعبة بارعة من بكين؛ إذ تتلقى واشنطن ضربة الرأي العام العالمي بضربها للحوثيين، وتعلق بعض موارد الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط بدلا من احتمال نشرها في آسيا. وزيادة على ذلك؛ يستعمل الجيش الصيني قاعدة في جيبوتي لإلقاء نظرة جيدة على كيفية عمل البحرية الأمريكية، وقد يكون لذلك نفعه في حال بدء الأعمال العدائية في مضيق تايوان.
استغل الصينيون أيضا الدعم الأمريكي لإسرائيل بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر سنة 2023 لتظفر بميزة لا في الشرق الأوسط وحده، وإنما في كل ما يعرف بالجنوب العالمي. فعلى غير المعتاد انتقدت بكين إسرائيل، وجاءت النبرة القاسية أقل علاقة بمحنة الفلسطينيين في غزة ووثيقة العلاقة بربط واشنطن بمعاناة الفلسطينيين، فألحقت ضررا بسمعة الولايات المتحدة عالميا.
وإبرام الصفقات مع الحوثيين، وزيادة حدة الخطاب المناهض لإسرائيل طريقتان زهيدتان ليتسبب صناع السياسة الصينيون في إزعاج نظرائهم الأمريكيين. يبدو هذا مختلفا تماما عن نهجهم مع إيران التي تحتاج إليها بكين احتياجا فعليا؛ فالحكومة الصينية قد تدبر أمرها بدون الحوثيين أو بدون القدح في إسرائيل، لكن لا يمكنها بسهولة أن تستغني عن قرابة الـ13% من النفط التي تستوردها من طهران؛ فهذا أمر كبير بالنسبة لأكبر مستورد لخام النفط في العالم (11.1 مليون برميل في اليوم سنة 2024)، وهو سبب حرص الصين على استقرار إيران. في عام 2021 وقَّع وزيرا خارجية البلدين اتفاقية تعاون تستمر خمسة وعشرين عاما. وبرغم أن النسخة النهائية لم تعلن قط؛ فقد حصلت نيويورك تايمز على مسودة تبين منها التزام بكين باستثمار أربعمائة مليار دولار في إيران في مقابل عدم انقطاع النفط بتخفيضات كبيرة. وبرغم أن سهولة وصول بكين إلى مصادر الطاقة كانت أمرا أساسيا في الاتفاقية؛ فقد احتوت المسودة بنودا لمشروعات بنية أساسية، وتعزيزا للتعاون الدفاعي، وتعاونا أمنيا.
وحتى لو أن الاتفاقية النهائية تختلف عن المسودة؛ فإن تبادل النفط وحده يشير إلى علاقة بين بكين وطهران أوثق مما تصل إليه تقديرات المحللين وصناع السياسية بصفة عامة. وهذا هو السبب ـ خلافا لمزاعم المتشددين والواقعيين والمسارعين إلى انتقاد إسرائيل ـ في أن حرب يونيو بين إيران وإسرائيل لم تصب في صالح بكين.
فعمليات إسرائيل العسكرية البارعة المتطورة تكنولوجيا ـ بجانب ضربات الولايات المتحدة الجوية لثلاثة مواقع نووية إيرانية ـ تسببت في تراجع بكين من طريقين: أولا؛ يبدو أنها قوّت النظام أمريكي القيادة في المنطقة. وفي السنوات الأخيرة حينما أخذ كل من الديمقراطيين والجمهوريين خطوات لتقليص الحضور الأمريكي في المنطقة كان هذا التراجع تشجيعا لقادة في الشرق الأوسط على التحوط بالصين وبروسيا.
وأظهرت عملية (مطرقة منتصف الليل) أن واشنطن تنظر بجدية إلى الاعتبارات الأمنية لبلاد المنطقة، لا لإسرائيل فقط. وأدى هذا إلى ترسيخ نظام أمريكي القيادة كان قد بدا قبل ذلك متذبذبا؛ بسبب مخاوف في المنطقة من أن «التوجه إلى آسيا» الذي انتهجته واشنطن يجعل شركاءها تحت رحمة طهران. ولا يعني إظهار أمريكا عزمها نهاية النفوذ الصيني في الشرق الأوسط؛ إذ يروق لقادة المنطقة ما بينهم وبين بكين من روابط اقتصادية، لكنهم يفضلون الأمن الذي توفره الولايات المتحدة على أي بديل له.
ثانيا: ألحق الإسرائيليون ضررا كبيرا بقدرة إيران العسكرية، وأدوات النظام القمعية؛ فإيران اليوم أضعف مما كانت عليه قبل الثالث عشر من يونيو، ومن شأن إيران في ضعفها وعدم استقرارها أن تضير بالصينيين من الناحيتين الاقتصادية والجيواستراتيجية. ومع أن الصين تختزن النفط بحكمة؛ ففي حال انقطاع تدفقه إلى بكين ولو بصفة مؤقتة سيكون لذلك أثر عكسي على الصينيين، وعلى كل من عداهم أيضا. وفي حال انهيار النظام الإسلامي الحاكم ووصول قيادة جديدة ودودة تجاه الولايات المتحدة إلى السلطة؛ فمن شأن ذلك أن يقلل قدرة الصين على التفوق على واشنطن أو إعاقتها في المنطقة. فمن المنطقي كثيرا إذن بالنسبة للحكومة الصينية أن تتحرك بسرعة؛ لإعادة بناء قدرات الدفاع الجوية لإيران، وكذلك مخزونها من الصواريخ الباليستية.
ويبدو ذلك أيضا معهودا في كتاب قواعد اللعب في المنطقة، ومألوفا لمن يتابعون منا الشرق الأوسط منذ عقود. ففي عام 1967 تحرك السوفييت بسرعة؛ لإعادة بناء القوات المصرية بعد انتصار إسرائيل المذهل في حرب الأيام الستة. فقد كانت هزيمة إسرائيل الساحقة لعملاء موسكو في ذلك الصراع انتصارا أيضا للولايات المتحدة. وبعد مرور قرابة ستة عقود يبدو أن حوافز مماثلة تصوغ العلاقة التنافسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران والصين. وإدارة ترامب ملتزمة بضمان حصول إسرائيل على ما تحتاج إليه؛ لمواجهة تهديدات أمنها، ومن ذلك تهديدات إيران، والصين بالمثل تساعد طهران في تخفيف تهديد إسرائيل. وفي حال تجدد اندلاع الصراع بين إسرائيل وإيران؛ فمن المرجح أن يتكرر الأمر كله بما يزيد من المخاطر الكبيرة أصلا للصراع الإقليمي بين إسرائيل وإيران، وهذا تقريبا ما جرى خلال الحرب الباردة.
ليس التماثل تاما؛ فإسرائيل ليست بلدا عميلا بقدر ما كانت عليه السلفادور مثلا في الثمانينيات. ولديها أيضا علاقة اقتصادية قوية بالصين لم تكن لشركاء أمريكا بصفة عامة خلال الحرب الباردة. ومع ذلك يصعب ألا ترجع أجواء الثمانينيات مرة أخرى ـ تحت مستوى تنافس القوى العظمى ـ حينما سادت صراعات صفرية، وكان العالم أشد خطورة.
ستيفن أ. كوك من كتاب الأعمدة في فورين بوليسي وزميل إيني إنريكو ماتي الأول لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية.
عن فورين بوليسي