عمان الثقافي

رحلة شخصية: سينما إيرانية ولقطة مقربة للثورة

 

عزمتُ على تعلم الفارسية نوفمبر الماضي، واتفقت مع مدرسة إيرانية تتقن العربية على حصص 'اون لاين'. من بين الأسئلة التي أجبتُ عليها، عن سر اهتمامي بالفارسية، قراءة الشاعرة فروغ فرخزاد بلغتها الأصلية، ثم الرغبة العارمة في التعرف على ثقافة قريبة منا، إلا أن السياسة نجحت في عزلنا عنها. جاء هذا بعد نفوري من الآداب الأوربية وقد يظهر في ذلك نوع من المبالغة والسذاجة، لكن ما يحدث في فلسطين قد غيرني على نحو جذري، وربما يُفهم على أنه أنتج نوعاً من التطرف ولا أجد في هذا أي مشكلة. كنتُ مستاءة للغاية من أننا ايضاً بالكاد نعرف شيئاً عن الهند وأدبها، تحبطني هذه الفكرة، وأرى فيها استسلامنا لمعرفة مركزها أوربا فحسب. هذه المعرفة التي ولدت إسرائيل.
تعرفتُ شتاء ٢٠١١ على فروغ فرخزاد، قرأتُ حينها ترجمة عربية بعنوان 'تشرق الشمس' لمحمد الفوزي، صدرت عن دار افريقيا الشرق عام ١٩٩٩م. وأولعتُ بها من ذلك الحين، تتبعتها في اتخاذها الشعر درعا لمواجهة الواقع القاسي الذي عاشته سواء بحياتها في البيت مع عائلتها، أو باندفاعها للزواج في سن مبكرة جداً، أو في تحملها الاشاعات القبيحة التي أظهرتها ساقطة، ولم تتوقف قط. تقول المخرجة الإيرانية شهلا رياحي لصديقها ومواطنها الناقد ومنظر ما بعد الاستعمار حميد دباشي عن ولعها هي الأخرى بشعر فروغ: 'القصص التي كان يرويها لها جدّها، والنظام الصارم الذي فرضته والدتها في المنزل، وبتلات الأكاسيا التي كانت تحب قشطها ورميها في جدول ماء، وهمساتها الليلية مع شقيقتها بوران تحت سماء مرصعة بالنجوم على سطح المنزل غذت خيالها، الذي نما عليه مزاجها الشعري: بسيط إلى حدّ رفيع، ووحيد على نحو مدهش'.
بعيداً عن تجربة فرخزاد الشعرية فإنني مأخوذة على نحو خاص بفيلمها القصير 'البيت الأسود' الذي أخرجته عام ١٩٦٢ عندما ذهبت لمقر مرضى الجذام المعزول في شمال غرب إيران. وما لا يُعرف عنها أنها كانت قد عملت على مونتاج أول فيلم إيراني حظي باعتراف دولي هو 'حريق' عام ١٩٥٨ الذي أخرجه إبراهيم كلستان. مول كلستان في العام نفسه عبر شركة انتاجه رحلة لفروغ الى أوربا لدراسة السينما.
عندما أفكرُ في هذا الآن، تزداد محبتي لفروغ، وأتعجبُ دوماً من قدرة الحياة على دفعي إلى تجربتها في كل مرة، حتى في الأحوال التي أتألم فيها مما يحدث الآن لإخوتي الذين تُمزق أشلائهم بلا رحمة. وما يدهشني حقاً، أنني وفي مشروعي هذا للكتابة عن مشاهدة أفلام من 'الجنوب العالمي' أثناء الإبادة، وفي حتمية أن أتناول التجربة السينمائية الإيرانية، أبدأ من فروغ، التي كانت جزءاً من بداية السينما وعتبة أولى نحو الواقعية الجديدة في إيران. وأمام هذه الصدف (التي قد لا تكون كذلك' يتحقق هدفي بمزج هذه الممارسة، أعني مشاهدة الأفلام بالشخصي جداً.
وإن كنتُ في الحلقة الأولى من هذه السلسلة عن إعادة مشاهدة أفلام سينمائية في وقت الإبادة، قد أشرت لاستسلامٍ حر أثناء اختيار أفلام المخرج الياباني اوزو، حسمها ايقاع العنوان جرسه، فأنني في الحلقة الثانية عن السينما الوطنية في إيران، بحثت عن خط ناظم، حينها استعدتُ غضبي من الموقف الذي اتخذه سلمان رشدي في بداية الإبادة الاسرائيلية في غزة. إن التفكير في سلمان رشدي مرتبط بإيران في ذهني. ولنعد بسبب من ذلك لإيران سنة ١٩٨٩، سنة مفصلية إذ توقفت فيها الحرب العراقية الإيرانية، وأصدر الخميني فتوى لإهدار دم سلمان رشدي على تجديفه. وفي وقت العام نفسه مات الخميني ولم تمت فتواه.
لستُ من الجيل الذي نشأ على روايات سلمان رشدي، وأحبها، ثم عاد لمراجعة موقفه منها مع مرور الوقت لكنني أتذكر جيداً أنني في نهاية عقدي الثاني، حاولت الحصول على روايته 'آيات شيطانية' لا أعرف لم ظننت وأصدقائي في الجامعة آنذاك، أن قراءتها مهمة في الفترة التي كنا نحاول فيها التعرف على أنفسنا وموقعنا من العالم. مع مرور الوقت لم تعد الروايات المعروفة بمناقشتها السرديات الكبرى مثار اهتمامي، هذا لا يعني أن رواياته تمثيل لهذا، لكن هذا ما كونته عنها، ثم أنني رغبتُ في قراءة أعمال هندية لهنود ليسوا في المنفى ولا يكتبون بالإنجليزية. حان اليوم الذي سأشتري فيه كل كتب سلمان رشدي من مكتبة ٢٣٤ في مسقط، في اليوم الذي تعرض فيه للطعن ٢٢ أغسطس ٢٠٢٢، لم أكن حتى ذلك الحين أعرف تفاصيل الفتوى التي أصدرها الخميني لإهدار دمه عام ١٩٨٩. وجاء تضامني البسيط لتسجيل موقف في وجه أي دولة ثيوقراطية، لكنني بعد لم أعرف من هو سلمان رشدي هذا.
أصيب رشدي بلوثة 'الاسوموفوفيا' وفي تعليقه على ما يحدث بعد السابع من أكتوبر، تعجب من دعم الطلاب اليساريين في الجامعات الأوربية جماعة 'إرهابية فاشية' مثل حماس. وقد عقب على استحياء في أنه من 'المفهوم' الحديث عن 'وفيات الغزيين' لكن ذلك سرعان ما ينحرف إلى خطاب معادٍ للسامية. وأشار لمفارقة يجدها مهمة في هذا السياق، وهو اعتماد هذا اليسار للتأكيد على عدم معاداته للسامية على مشاركة يهود في هذه الاحتجاجات يقول رشدي إنهم أنفسهم تعرضوا للمضايقة من قبل المتظاهرين. كان رشدي قد صرح في أكثر من مناسبة بأن دولة فلسطينية تعني بالضرورة 'دولة تشبه طالبان'.
أتذكر جيداً اليوم الذي نُشر فيه رأيه فيما يحدث، كنتُ وصديقتي نقرأ الخبر ونشعر بالغضب، لم نتخيل هذا ابدا. وربما هذا هو جوهر المشكلة، عدم قدرتنا على أن نتخيل رغم أننا نتحرك في أفق حداثة أوربية لا يمكن إلا أن تنتج دولة استعمارية كإسرائيل وأنها في الوقت نفسه، رسخت وبصلابة تقويض إنسانيتنا (حيوانات بربرية) كما يقول نتيناهو في الأيام الأولى، والأهم من ذلك كله أننا نسينا دور المثقفين الذين يُحسبون علينا في توظيف الاسلاموفوبيا عبر الإشارة للحركات الإسلامية المقاومة لتوليد أيدلوجية تبرر الفظائع التي ترتكب بحقنا. وما يُرعب حقاً، تجاوزنا الساذج عن تمظهرات هذا خلال العقود الأخيرة، وكأننا كنا بحاجة لإبادة غير مسبوقة لاختبار ما عشناه سلفا من امتداد الاستعمار المباشر أو تنويعاته الحديثة.
ومن هنا فكرتُ في قدرتنا على الخروج برؤية تخصنا، وتحدي الأفق الكولونيالي، وتحدي النموذج الذي يمثله سلمان رشدي هذه المرة عبر السينما وأين؟ في إيران نفسها. فقررتُ مشاهدة أفلام أنتجت في ١٩٩٠، سنة ما بعد الحرب، وسنة بعد فتوى قتل رشدي سلمان التي ستُسدعى منه ومن 'الغرب' في كل مناسبة. ترى ما الذي سيحدث هنا الآن؟
قدمت السينما الإيرانية مشروعا مضادا لهذا الخطاب الصادر من المغتربين الذين يرتدون أقنعة بيضاء فوق جلدهم الأسود، ليتحولوا بذلك إلى علمانيين أصوليين لا يختلفون على الاطلاق عن الجماعات التي يدعون مقاومتها. والذين في كراهيتهم المرضية للإسلام والمسلمين اعتبروا أنه وبعد 'الفاشية والنازية والستاليانية' يواجه العالم تهديد جديد هو 'الإسلام'. كما ينقل حميد دباشي.
أشار دباشي في أطروحاته العديدة، إلى أن السينما الإيرانية من التجارب الأكثر أهمية في استقلالية المستعمَر عن المستعِمر، إذ أنها تمكنت من خلق لغة جديدة، خارج أفق الحداثة الغربية، كان دباشي قد انتقد الإمكانيات الخطابية لكثير من الحراكات الثورية والأيدلوجية الإيرانية بعد الثورة على اختلافها اذ أخفقت في تجاوز حدود الكولونيالي، بل ساهمت في تدعيمه ' بل قام في الواقع بتدعيمها، سواء حين مَشْرَقَ ذاتَهُ Self-Orientalized، أو قاوم تلك الأعمال بمصطلحات مدجّنة في حظيرة الحداثة الكولونيالية التي اعتقد أنه يحاربها بينما هو في الحقيقة يمنحها التماسك والمنعة
وعلى العكس من ذلك اعتبر دباشي أن الممكنات الشعرية والجمالية ستعيد بناء الشخصية الثقافية وتمثيلها الذاتي التاريخي مما سيقضي على مسألة كلام 'التابع*' بلغة مضطهديه فيستخدم لغة أملتها الهيمنة الأوربية حتى وان على صوتها للمطالبة بالحرية. وهذا ما فعلته السينما الإيرانية، في استئناف العلاقة الجدلية بين الثورة والفنون، مستعيداً من بين أمثلة عديدة: تاريخ علاقة جدلية بين الاحتجاجات الثورية في القرن التاسع عشر والتجديد في النثر الفارسي، الذي نجح في استخدام آلة الطباعة، والذي دفع بالصحف الأولى التي أوجدت المناشير الثورية. أظهرت السينما الإيرانية الذات الثورية المتحدية يكتب دباشي' لم يكن المناوئ للكولونيالية الذي وسم واقعية التحدي الإبداعي في السينما الإيرانية هو الجانب الواعد فيها بقدر ما كانت نزعتها اللّاكولونيالية. كما لم يكن هذا الفن في أحسن الأحوال إعلاناً عن مقاومة الحداثة الكولونيالية، وإنما لخلق وترسيخ خارطة الحضور المعاصر في تاريخٍ ليس رجعياً تراثياً ولا حداثيّاً كولونيالياً، ويكون هذا الحضور هادماً لذلك التضادّ الثنائي الموهِن، فاصماً الصلة بين طرفي هذه الثنائية والواقع'
...
أعدتُ مشاهدة فيلمين كنتُ قد شاهدتهما سابقاً، أنتجا عام ١٩٩٠ لاثنين من أهم المخرجين الإيرانيين، فيما بدا لي تمثيلاً لمسارين لسينما متحررة وخاصة.
كانت البداية مع فيلم فيلم «هامون» (Hamoun) للمخرج الإيراني داريوش مهرجويي، والذي نتابع فيه ارتباك هامون المثقف بين أطروحات الفكر 'الغربي' والحياة اليومية. من المثير للاهتمام كيف أنه حتى وفي رغبته القهرية لمعرفة لماذا قد يضحي الانسان بابنه كما في قصة إبراهيم، لمعرفة الحدود بين الايمان والجنون يستعيد الفيلسوف الدينماركي سورين كيركغارد (1813–1855) عبر كتابه 'خوف وعدة' الذي يطلب منه أستاذه قراءته، وفي الوقت الذي يدعي فيه الوقوف بجانب الفقراء والعمال، يتصرف كبرجوازي، يمتلك رفاهية الانفصال عن الواقع، وعدم الانصياع لشروطه. لا ينجز عمله على سبيل المثال ولا يستطيع الوفاء باحتياجات اسرته المكونة من زوجته وطفله، نتتبع في الفيلم قضية رفعتها الزوجة للحصول على الطلاق، والتحولات التي عاشتها مع هامون الذي سيفقد كل حقيقة حول العالم وحول نفسه، فيشكك طيلة الوقت بكل شيء، ويتقلب في هواجس منها دخول التقنية التي اعتبرها شراً مطلقاً دفع بالحب والروح جانباً لصالح 'سوني' و 'توشيبا' ومع استمرار تخبط ماهون ومطاردته لأسماء مفكرين غربيين يصور لنا الاحتجاز داخل افق الكولونيالية التي نقدها دباشي وإن كان الفيلم لا يحقق تماماً رؤية دباشي حول السينما الإيرانية المحررة إلا انه من الممكن اعتباره كشفاً لجرُح الاستعمار والامبريالية.
عند الحديث عن الأفلام، غالبا ما يتم تحديد موقع 'التوتر' في العمل، حتى مع اختلاف الاتجاه الفكري والنقدي للممارسة السينمائية، مع ذلك لا يمكنني الشعور بأي توتر في أفلام المخرج الثاني في رحلتي هذه وهو عباس كيارستمي، تحديداً في فيلمه الذي أنتج في ١٩٩٠ (لقطة مقربة) (Close-Up ، ربما لأنه ما من وعد بأي اشباع، مع ذلك لا يحول ذلك دون الانغماس في تجربة مشاهدة أفلامه، إن هذا يجعلني وعلى نحو ما، أتفق مع رؤية دباشي في كون سينماه ثورية، اذ أنها تعتمد على جمالية تحررية تدفع حواسنا لتلقي سينما جديدة.
يدور الفيلم حول سبزيان وهو عامل فقير في مطبعة، ادعى أنه المخرج الإيراني محسن مخملباف، بعد أن سألته امرأة في حافلة نقل جماعي، عن المكان الذي حصل فيه على الكتاب الذي يقرؤه وهو سيناريو فيلم الدراج لمخملباف، فمنحها الكتاب وعند إصرارها على عدم قبوله قال لها بأنه مخملباف نفسه، مما ادهشها كثيراً خصوصاً وأن أبنائها يحبونه للغاية وأحدهم مهتم بالسينما والعمل فيها، وبهذا تستمر الكذبة وتكبر شيئاً فشيئاً قبل أن تكتشف العائلة عملية الاحتيال وتصل بسبزيان للمحكمة.
يروي الفيلم هذه القصة الحقيقية، بالاستعانة بالمتهم الفعلي في أداء دور البطل في الفيلم، ويمزج الفيلم بين الوثائقي والسردي. ولكي أعود لمسألة حضور التوتر في سينما كيارستمي، نذهب لهذا المشهد في المحكمة بينما يسأله القاضي عن سبب تقمصه لشخصية المخرج، وأجوبته التي لا تخرج عن ولعه بالسينما وعن رغبته بالعيش في واقع آخر يتحقق فيها حلمه، وينسى فيها حياته كما هي عليه، عندها يتداخل فرد من العائلة التي احتال عليها) بأنه غاضب لعدم رغبة المتهم في الاعتراف بخطئه والاستمرار في التمثيل حتى هذه اللحظة، وعلى الرغم من أن رأي ذلك الشاب وجيه، إلا أنه على نحو ما، لا يعنينا، ولا يهمنا التحقق منه.
ينطلق كيارستمي من سطح الواقع في هذا الفيلم كما في أفلامه الأخرى والتي أحبها للغاية خصوصاً فيلمه 'بين أشجار الليمون' لكنني ملتزمة هنا بأفلام ١٩٩٠م. عادة ما توصف واقعية كيارستمي بالجذرية، وهي تلمح لإمكانية قراءة أخرى للواقع. أعتقد أن الواقعية لا تنتقي شيئاً، وبعدم اختيارها هذا لا تستغل عنصراً تعمل على تضخيمه أو تحويره، ربما هذا ما يجعل الشعور بالتوتر صعباً في العمل، فالواقعية غير مفتعلة. يبدو كما لو أن أعمال كيارستمي لا تقف على حافة أن تقلب العالم. لكن هل يعني ذلك خلوها من منظور سياسي؟ أقصد هل هذا يجعل هذه السينما جمالية خالية من حساسية تاريخية وسياسية لتصبح أفلامه إنسانية وشاعرية مجردة فحسب؟ يشير دباشي لخطورة هذا التلقي ويعتبر أن جوهره فعل سياسي يتمثل في المحو السياسي، وأن هذا ليس الا محاولة لإعادة انتاج الهيمنة.
تجسد سينما كيارستمي توجساً من الحقائق، وفي عملها على الواقع فإنها تختبر الخيال، ربما الى الحد الذي يصبح فيه الخيال واقعيا؟ كما في حالة سبزيان في 'لقطة مقربة' لا يتوقف الأمر هنا فحسب، فكيارستمي نفسه يظهر في الفيلم، وفي الأوقات الذي يكتفي فيها بصوته، يظهر في الكادر 'المايكرفون' لاقط الصوت الذي يستخدم في تنفيذ العمل في عملية تداخل تؤكد على نحو ما أن السينما هناك بانتظار ما ستطارده دون أن يبدو أن هنالك وصولاً ما. لا يمكنني وضع يدي على الطريقة التي أتلقى بها كيارستمي، لكنني أعرف بلا شك أنها تجربة روحانية .عند إعادة مشاهدتي لهذا العمل لم أتخيل أننا نعيش في العالم نفسه الذي يمكن أن يظهر فيه هذا القدر من الرهافة عبر الفن، بينما تظهر الوحشية في دقة صناعة القنبلة التالية وبإسقاط هذا على الحالة الإيرانية فإن دباشي يقول حول هذا السياق 'هنالك لغتين في ايران: لغة تعاني من الكليشيهات عن الانقلاب العسكري والتدخل الأجنبي والعدو المصطنع، وأخرى من المعاجم البصرية والأدائية والشعرية والدرامية تنتمي لتحرير أكثر جوهرية '
...
ترفض صديقتي المقربة نشر روايتها التي فرغت من كتابتها قبل سنتين، لأنه من المخجل أن تفعل ذلك بينما تستمر الإبادة في غزة، وكأن الصمت يشكلُ موقفاً سياسياً، بينما أسأل بصدق ما الذي يجعلنا مستعدين لمواجهة هذا في ظل وجوده أو عند توقفه إذا ما توقف، ما الحالة التي سيتحقق فيها موقفنا السياسي، خارج لغة المركز، وبعيدا عن لعب دور الهامش والتابع. ما الذي يمكن أن يحرر ذاتنا الثورية. إنها أسئلة وإن كانت بعيدة، إلا أنها من وحي تجربة السينما الإيرانية، في اختراعها رؤية ما بدا عصياً على الأحزاب السياسية والخطابات الأيدلوجية.
• الإشارة هنا لأطروحة الناقدة ومنظرة دراسات ما بعد الاستعمار غياتري سبيفاك 'هل على يمكن للتابع أن يتكلم' والتي تشير لقدرة (التابع) أن يُسمع صوته بنفسه، دون أن يعيد صياغة وجوده وصوته من خلال سلطة المستعمر مثلاً.
** أمل السعيدي ساردة وكاتبة عمانية