التوازن بين القرار المالي للأسرة والاعتبارات الاجتماعية
الاثنين / 1 / ربيع الأول / 1447 هـ - 21:03 - الاثنين 25 أغسطس 2025 21:03
يعد التخطيط الجيد المبني على التوازن بين الجانبين المالي والاجتماعي مدخلًا فاعلًا لنجاح القرارات، وينطبق تماما على الفرد والأسرة والمجتمع، وعملية التوازن ليست سهلة كما يتصورها البعض؛ فهي معقدّة، وتعتمد على الظروف المالية للفرد، والتنبؤات المستقبلية التي يتوقعها الفرد، وربما تؤثر على الأسرة مستقبلًا، أو في مسار إنجاز الخطة المالية. ورغم معاناة بعض الأسر من ظروف مالية صعبة؛ نتيجة لبعض السلوكيات غير المسؤولة في الإنفاق مثل: الإكثار من التسوّق الاستهلاكي، وكثرة المتطلبات الشرائية رغم محدودية الموارد المالية للأسرة؛ إلا أن التوازن بين القرار المالي ومتطلبات الحياة الاجتماعية بات أمرًا ضروريًا لمجابهة ظروف المعيشة، والتفاعل مع متغيراتها ونتائجها من خلال إطلاع أفراد الأسرة على الثقافة الاستهلاكية، وتعريفهم بها، وبفوائد الالتزام بها.
من التحديات التي يعانيها الفرد ماليا الاعتماد على مصدر دخل واحد، وهو المتعارف عليه الراتب الشهري في ظل عدم وجود خطة مالية محكمة لترتيب أولويات الإنفاق الشهرية، وعدم امتلاك الفرد الجرأة على خوض غمار البحث عن مصدر دخل بديل مع توفّر الفرص الاستثمارية المتاحة.
أدت جميع هذه العوامل إلى كثرة الالتزامات المالية التي أثقلت كاهل رب الأسرة، وهو ما نرصده باستمرار من استياء في وسائل التواصل الاجتماعي من بعض شرائح المجتمع؛ نتيجة سلوكيات خاطئة قاموا بها سابقا مثل: عدم بذل جهد أكبر للبحث عن فرص عمل، أو رفض فرص العمل المتوفرة ما جعلهم في محيط الاعتماد على منفعة الأمان الوظيفي، وأثّر بطريقة أو بأخرى على تلبية احتياجات حياتهم اليومية. وهو تصرّف في رأيي غير مسؤول، وينبغي أن يعي الفرد أن الاقتصاد لا يقوم على النفقات الريعية، بل على تنمية موارده وقطاعاته الاقتصادية بالموارد البشرية المؤهلة والممكنة؛ لتستمر عجلة التنمية والازدهار الاقتصادي، وتوفير فرص عمل مستدامة.
في رأيي؛ أعتقد أن التشاور بين أفراد الأسرة في اتخاذ القرارات المالية، ودراستها جيدا من حيث انعكاساتها على الجانب الاجتماعي للأسرة هو السبيل لتفادي حدوث اختلال مالي بين النفقات والدخل الكلي للأسرة. وحتى لا يحدث إرباك في الحياة الاجتماعية اليومية؛ لا بد من مراعاة انعكاسات القرار المالي، ومواءمته مع الاعتبارات الاجتماعية من حيث جعل أولوية الشراء للاحتياجات، وتأجيل الكماليات حتى تحسّن الوضع المالي للأسرة.
قبل يومين تفاجأنا باختفاء شركة أوهمت كثيرًا من أفراد المجتمع بالاستثمار في تطبيق الشركة؛ للحصول على نقاط عند كل عملية شراء تصل إلى ضعف مبلغ الشراء. ورغم توجّس البعض من الاشتراك في المنصة الوهمية؛ إلا أن القرار المالي الذي اتخذته بعض الأسر لتحقيق مكاسب اجتماعية، ورفاهية اجتماعية مستدامة من خلال الاشتراك في المنصة الوهمية انعكس سلبًا على مستوى التخطيط المستقبلي للمكاسب المالية المتوقعة، إلا أن الشركة اختفت فجأة محملة بالأموال التي جمعت نتيجة قرار مالي ساعد في اتخاذه مروجو وسائل التواصل الاجتماعي. ولم يراعِ القرار المتخذ الاعتبارات الاجتماعية للأفراد التي ستتأثر ماليًا ونفسيًا لفترة طويلة. وربما البعض أعطى الاستثمار في المنصة الوهمية أولوية في اتخاذ القرار المالي؛ طمعًا في الحصول على مبالغ طائلة تحقّق جميع القرارات المالية المؤجلة. وهنا لا بد من التوازن بين القرار المالي للأسرة وبين الاعتبارات الاجتماعية التي ينبغي أن تحظى بأولوية التخطيط والقرار؛ حتى لا يحدث إرباكا في التخطيط المالي للأسرة نتيجة اتخاذ قرارات مالية غير مدروسة.
مع قرب بدء العام الدراسي الجديد، وانتظام الطلبة في المدارس؛ لا بد أنّ يحظى موضوع التوازن بين القرارات المالية والاعتبارات الاجتماعية محل اهتمام الأسرة والمجتمع والمدرسة. فلا يمكن أن تنهال طلبات الطلبة غير الضرورية على ولي الأمر ما تثقل كاهله، وينبغي أن تكون الحاجيات الضرورية والأساسية أولوية في الشراء، وتأجيل المتطلبات الأخرى غير الضرورية؛ فالتخطيط الأسري الفعّال يعد مفتاحًا للاستقرار المالي والاجتماعي للأسرة والفرد والمجتمع عموما. وفي رأيي تحقيق الاستقرار المالي للأسرة يبدأ من الموازنة بين الدخل والمصروفات، وينتهي باتخاذ قرارات تتناسب مع القدرة المالية للأسرة من خلال تعزيز الادخار لمواجهة الحالات الطارئة التي تتطلب إنفاقًا استثنائيًا -خارج نطاق الخطة المالية الشهرية-، وتقليل الضغوط المالية عبر توجيه الإنفاق للحاجيات كأولوية، ثم تأتي الأمور الأخرى تباعًا وفقًا للقدرة المالية للأسرة.
إن التوازن بين اتخاذ القرارات المالية والاعتبارات الاجتماعية يتحقق بالوعي المجتمعي بأهمية حوكمة الإنفاق الشهري وتجويده مع وضع خطة طارئة للأوضاع الاستثنائية التي ربما تعترض الأسرة. وفي رأيي هناك فرصة للاستفادة من المنصات الإلكترونية؛ لغرس مثل هذه المفاهيم في ظل كثرة ارتياد هذه المنصات شريطة ألا يتأثر البعض بالعقل الجمعي في اتخاذ القرار المالي والاقتصادي المبني غالبا على الجانب العاطفي الذي ربما يكلّف الفرد تبعات مالية ليست بسيطة.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي