إيران تعيد ترتيب أوراقها .. فهل لذلك من أثر؟
الاثنين / 1 / ربيع الأول / 1447 هـ - 20:58 - الاثنين 25 أغسطس 2025 20:58
بهنام بن طالبلو
ترجمة: أحمد شافعي
في إيران يرجع القديم جديدا تارة أخرى؛ ففي خلال محض أسبوع واحد من أغسطس أقامت الجمهورية الإسلامية كيانا جديدا أطلقت عليه اسم مجلس الدفاع في صدى لكيان مماثل التسمية يرجع إلى أيام الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988). يشرف على المجلس وينشئه مجلس الأمن الوطني الأعلى(SNSC) بموجب المادة 176 من الدستور، وأطر مجلس الدفاع بالفعل في الإعلام الإيراني باعتباره «مجلس الحرب».
في الأسبوع نفسه انخرطت إيران أيضا في لعبة كراسي موسيقى، فأعادت تعيين السياسي المخضرم علي لاريجاني منسقا لمجلس الأمن الوطني الأعلى، وممثلا للمرشد الأعلى فيه. وقد سبق أن شغل لاريجاني هذا الدور في مجلس الأمن الوطني الأعلى فيما بين 2005 و2007.
ومما لا شك فيه أن الخلفية الاستراتيجية لهذين القرارين هي حرب الأيام الاثني عشر مع إسرائيل. وبالنظر إليهما مجتمعين يشير الترتيب الجديد إلى أن طهران تضاعف استعدادها لجولة أخرى من الصراع.
لقد كشفت تلك الحرب ـ التي بدأت باغتيالات مستهدفة لقيادات عليا في الحرس الثوري للجمهورية الإسلامية ـ نقاط ضعف النظام الحاكم في هيكل القيادة والسيطرة، وعملية صنع القرار الأمني الوطني الآني. كما أن هجمة إسرائيل المباغتة أعاقت بعض خيارات النظام المعينة في الرد، وجعلت خطط المعارك المعدة قبلا عديمة جدوى.
وفي ظل عدم التغيير؛ من المرجح أن تتضخم هذه التحديات في أي سيناريو صراع مستقبلي مع إيران. ويصدق هذا بصفة خاصة إذا ما تصاعدت الاشتباكات لتتجاوز الحدود التي قيدت حرب الأيام الاثني عشر، فشملت استهداف قيادات سياسية. فعلى سبيل المثال؛ ما الذي يمكن أن يفعله النظام إذا ما أدت ضربات إسرائيلية إلى منع الوصول إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، أو تسببت في عجزه؟
لذلك تبدو الجمهورية الإسلامية حريصة على الظهور بمظهر من تعلم الدرس، وصحح المسار. وتعلن النخب الإيرانية بالفعل أملها في أن تكون خطوة إنشاء مجلس الدفاع قوة رادعة؛ فقد تساعد جهة صغيرة لصنع القرار في تعويض مخاطر العجز عن عقد اجتماع كامل لمجلس الأمن الوطني الأعلى خلال الأزمات، وكذلك في تقليل فرص الاختراق المخابراتي. والأخير يمثل خطرا حذر منه مسؤولون أمنيون طوال سنوات، وتجلى أخيرا خلال حرب الأيام الاثني عشر عندما تحركت فرق منشقة قائمة على الأرض بتوجيهات من الموساد الإسرائيلي.
وفقا لجريدة مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني؛ كان تعزيز التنسيق بين المؤسسات القائمة بعد حرب الأيام الاثني عشر أحد أسباب إنشاء مجلس الدفاع. وأشارت الصحيفة تحديدا إلى ضرورة المضي بمهمة «تقوية قدرات البلد الدفاعية» إلى ما يتجاوز الاختصاص المقصور على القوات المسلحة.
وحاولت منشورات أخرى مرتبطة بالحرس الثوري أن تخفف من هذا التقدير مشيرة إلى وجوب النظر إلى خطوة إنشاء مجلس الدفاع باعتبارها إيجادا لفضاء يُسمع فيه المزيد من أصوات الجيش. ومهما يكن الأمر؛ ففي وقت يسعى فيه النظام إلى انسيابية صنع قرار الأمن الوطني فإن زيادة المؤسسات الأمنية لا تقليلها، وتقسيم العمل تقسيما غير واضح قد يعيدان إنتاج مشكلة هياكل الحكومة المتوازية، وهي مشكلة قديمة.
وها هنا يدخل لاريجاني إلى الصورة في حين أن القول الفصل يظل لخامنئي في جميع الشؤون الخارجية والأمنية. غير أنه مع اتجاه إيران إلى أزمات جديدة في ظل حكم رجل الدين البالغ من العمر ستة وثمانين عاما سوف تزداد أهمية الأفراد المنفذين لأوامر خامنئي، والعدسات التي يقوم من خلالها المسؤولون بالفهم والتحليل.
لقد كان سلف لاريجاني قصيرُ العمر في مجلس الأمن الوطني الأعلى، وهو علي أكبر أحمديان مثالا في هذا الصدد؛ ففي أبريل من عام 2024 ـ إثر ضربات إسرائيلية لمنشأة دبلوماسية إيرانية في دمشق ـ دعا خامنئي إلى معاقبة إسرائيل. وفي أثناء مناقشة الرد الرسمي للنظام؛ لم يتردد أن أحدا في مجلس الأمن الوطني الأعلى ـ بمن فيهم أحمديان ـ قد اختلف على قرار ضرب إسرائيل مباشرة من الأراضي الإيرانية. وكان هذا قرارا يغير قواعد اللعبة؛ فنقل صراع الجمهورية الإسلامية الغائم مع إسرائيل منذ أربعة عقود إلى نطاق الحرب التقليدية.
وبرغم حث نخب أخرى في النظام في ذلك الوقت على الاستمرار في سياسة الصبر الاستراتيجي، وحذرت من «دخول ملعب الصهاينة»؛ أطلقت طهران وابلها التاريخي من المسيرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية على إسرائيل، فأدى ذلك إلى توليد دائرة عنف أفضت مباشرة إلى حرب الأيام الاثني عشر في يونيو من العام الحالي.
لقد وصف خامنئي لاريجاني ذات مرة بأنه «حلال المشكلات»، ثم عاد فاستبعده من الترشح للرئاسة في عامي 2021 و2024 بشكل غير مباشر. وخير وصف للاريجاني هو أنه ابن النظام ونصيره، وليس السياسي المتحزب. وفي حين أنه قد يكون رجل دولة أشد كفاءة من أحمديان؛ فقد شكك إيرانيون كثيرون في حدود ما يمكن أن يفعله لاريجاني في هذا المنعطف، وأعربوا عن مخاوف من كون التغيير «سطحيا» لا أكثر.
وبحسب متحدث حكومي إيراني؛ اختير لاريجاني ليس فقط بسبب «جدارته بالثقة»، ولكن أيضا لأن حضوره يزيد من «قدرة إيران التفاوضية على المستوى الدولي». وفي حين أن منسق مجلس الأمن الوطني الأعلى يمثل تقليديا المفاوض النووي المفضل للنظام؛ فإن مسؤولية المحادثات النووية انتقلت منذ عام 2013 إلى وزارة الخارجية. وقد صرح وزير الخارجية الإيراني الحالي عباس عراقجي بأنه لم يصدر حتى الآن قرار بإعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن الوطني الأعلى.
ومع ذلك؛ فمن المرجح أن تكون الجمهورية الإسلامية متلهفة على أن يفهم الجمهور الدولي لعبة كراسي الموسيقى باعتبارها خطوة إلى الاعتدال، وإشارة إلى استئناف الدبلوماسية النووية في الوقت الذي ينظر فيها حتى حلفاء أمريكا عبر الأطلسي بعين الرضا إلى الضغط على النظام. فإذا ما استطاع لاريجاني أن يخفف هذا الضغط، أو يتسبب فقط في مشكلات تنسيقية بين أمريكا وحلفائها فسوف يكون قد أدى وظيفته.
أما إذا صدقت التقارير الصحفية فلن يقتصر دور لاريجاني على السياسة الخارجية؛ إذ تواجه الجمهورية الإسلامية الكثير من التحديات داخليا مثلما تواجهها خارجيا. وقد أفاد منبر مرتبط بمجلس الأمن الوطني الأعلى بأن من المهام المتوقعة من لاريجاني في هذا الصدد «تغيير مسار الأمن الوطني»، و«مأسسة الحوار الاستراتيجي مع جيل الشباب».
وهذه مهمة شاقة بالنسبة لنظام الحكم في إيران؛ فلن يمنح خامنئي أبدا منسق مجلس الأمن الوطني الأعلى من الاستقلال الذاتي ما يكفيه لمعالجة هذه المشكلات مستقلا عنه.
تمسك خامنئي بأيديولوجية النظام الثورية وعدائه لإسرائيل وأمريكا، غير أن خامنئي في مواجهة ضغوط مستمرة يمهد الطريق السياسي لتعديلات جزئية انتقائية، وتغييرات سطحية؛ للحفاظ على مكانته، ومكانة الجمهورية الإسلامية.
وبرغم عدم اندلاع احتجاجات على المستوى الوطني خلال حرب الأيام الاثني عشر مثلما كان يرجو مسؤولون إسرائيليون؛ فإن الخلاف السياسي الداخلي، والتحديات الاقتصادية والبيئية المتصاعدة قد توقع النظام في فخ الخسارة الحتمية في حال استئناف الضغوط الخارجية.
وهذا تحديدا هو الوضع الذي يرجو خامنئي اجتنابه، وهو ما تسعى إليه على الأرجح التغييرات السياسية في طهران؛ ففي نهاية المطاف قد لا يكون التغيير الهيكلي من نقاط قوة الجمهورية الإسلامية، ولكن القدرة على البقاء كذلك.
بهنام بن طالبلو المدير الأول لبرنامج إيران في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن.
عن ذي ناشيونال إنتريست