ثقافة

الشعر الشعبي

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ القصيدة الأولى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على مرمى وطن
عاشق أنا ملحك يا شمس الأرض،
عاشق أنا خنّة صباحات البيوت الزرق،
عاشق أنا طين السكيك الضيّقة،
من طعنتي للموت والميلاد،
ثلاثين عام من الكتابة الشائكة،
مجاهل التجريب..
الحفر في جلد القصيدة الباذخة.
في قصائد الشاعر محفوظ الفارسي روح التجريب العميق، ذلك الابتكار الذي يصعب الوصول إليه، تلك الكيمياء المتصالحة مع الشعر، وتلك الوصفة السحرية التي لا يجيدها سوى شاعر متمكن من أدواته، وغارق في الشعر حتى أخمص قدميه، وفي تلك الرؤية القادرة على جعل اللاممكن ممكنا، في غابة من اللغة المتشابكة، والمتشعبة، والصور البكر التي تخرج من قبعة 'ساحر' مبتكر.
في النص التالي يمارس محفوظ ذلك الهوس الجميل، ويلخص لعبة الشعر والشاعر، ويمارس ابتكاراته دون توقف، ودون عياء..لندخل العالم القادم.
الليل يعصب غترته على رأس نجمة،
يتوضأ فـ الماضي،
في 'نستالوجيا' أرواحنا،
وجراحنا
وأفراحنا
وأنا على مرمى شعر،
مرمى وطن،
وجهي تواريخ وصكوك أجداد.
هذا البحر وجهي،
وهذا الفلج وجهي،
وهذا السفر وجهي،
وهذي القلاع الفاتحة ذراعها للنور والتاريخ وجهي،
وهذي الصحاري الماتحة من غيمتك وجهي،
من جدي الأول إلى الأحفاد.
يا بلادي في صدري وجع شاعر،
ورجلٍ أصيلٍ ما خذل هـالأرض،
و لا طعن هالأرض،
ولا تملّق في كتاباته وطن أو أرض،
على ثرى هالأرض شِعري يستفز المستحيلات،
ويكون أو لا يكون..
عاشق أنا ملحك يا شمس الأرض،
عاشق أنا خنّة صباحات البيوت الزرق،
عاشق أنا طين السكيك الضيّقة،
من طعنتي للموت والميلاد،
ثلاثين عام من الكتابة الشائكة،
مجاهل التجريب..
الحفر في جلد القصيدة الباذخة،
وأبعاد من رحم القصيدة بلاد،
في كل عزلة لي قراءة فاحصة،
وبعض الرؤى والاسئلة،
وبعض اجتراحاتي على الأبعاد،
الليل يعصب غترته على كتف ساحل،
وأنا أتهندم كل صبح،
هوّيتي دشداشتي اللّي لابسنها فخر،
وهذا المصر..
اللّي على راسي من الأجداد!!.
محفوظ الفارسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القصيدة الثانية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحلة شاعر
ما مدى الوقت ياخذ من صروفه عِبَر
شاغلتنا الحياة وللأسف وش نضيف؟!
رحلة الشاعر دائما ما تكون محفوفة بالعذب، والعذاب، تطواف لا نهائي في ملاذات الكتابة، شروق على أرض بكر، مساحات من البوح الذي لا ينتهي، بحث دائم عن ذلك الكهف المنزوي في جبل شاهق، يدخله، ليسامر نفسه، ويستذكر ما فات، ويعيد كتابة قصيدته، وينظر إلى زوايا حياته كأنها قصة غير مكتملة، فيندم، أو يمضي في طريقه.
الشاعر سالم الريسي يرسم تلك اللوحة الذاتية التي تتجلى فيها تجربته، وحياته، ويعيد تشكيل ذاكرته، ولا يلقى سوى القصيدة ملاذا ليفرغ فيها همومه، وحكايتهن وشعوره المكبوت في داخله.
شاعرٍ في زماني ينحني لي الشجر
والورد عند بابي تقول 'قصر المضيف'
من يشلّه كتابي وبه يعيد النظر
كل شي صار عندي في عيوني مخيف
الحمولة ثقيلة، ومتعبة وفي خطر
ما تكفي المواني ومنتهاها رصيف
رحلتي كل أبوها في الدفاتر سطر
لا شتاء عاد ينفع لا ربيع وخريف
ما مدى الوقت ياخذ من صروفه عِبَر
شاغلتنا الحياة وللأسف وش نضيف؟!
كان صدري ملاذ وبه هموم البشر
ساهر الليل كله رغم أنه ضعيف
وامتداد الحياة فـْ رحلتي للنصر
زحمة الآم قلبي ما تحمّل وصيف
كلمتين فـْ لساني لو يجف الحبر
مبدع الحرف باقي فيه نبض.. وكفيف
..يستند في عصاه ويستند به الصبر
ما تراخت عزومه ما تميل وتهيف
وريحة البن توفي في ثيابه نذر
عاذر الصمت منه ما لقى له وليف
سالم بن سيف الريسي (روح الشمال)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القصيدة الثالثة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عقارب الوقت
واتضح لي بأن هذا الوقت فاني
والعقارب تلسع اللحظة العجولة!
الشعر مرآة الشاعر، قلبه المتعب، ومعاناته المتتالية، ورسوله للحياة، يلخص فيه مواقفه، ويستدرج حسه الإنساني، ويعيد تشكيل ذاكرته، ويحمل تلك الخصال التي يجمعها في القصيدة، ويعيد ترتيبها في نهر كلماته، وحين يرى الآخرين يحاولون النيل منه، يبقى شاهقا، مرتفعا كنسر، لا يهبط إلى الأسفل، حتى ولو كان الأسفل مغريا.
الشاعر أحمد المعمري 'فلك' يرسم لوحة رائعة الجمال، والمعنى، تنسكب على روح القصيدة، ويسير بها إلى ساحل من كلمات، وشعر.
في المرايا ينعكس ماضي زماني
والبراءة شي تحويه الطفولة
ليش ظنيت النوارس والمواني
بينهم رابط عجز غيري يطوله؟!
ليش شفت البحر لونه أرجواني
ليه حسبت خيولنا تشبه خيوله؟!
واتضح لي بأن هذا الوقت فاني
والعقارب تلسع اللحظة العجولة!
قلت: بهدي من ثمر نخله هداني
والهدايا صعبة للناس الخجولة
يبني العصفور عشه في المباني
ذي رغبته وكل طير وله ميوله!!
أما أنا سحر الشعر منطق لساني
والجزل وش له سوى تسلم ذلوله؟!
أحسب لشهرين.. لسهيل اليماني
يفتق الظلمات وتهيّج فحوله
والمعاني بعضها سهل المعاني
ما ني اللي راخصٍ قيمة بتوله؟!
والحصان اللي من الزانة رماني
ألتمس له عذر جافلته طبوله
ومن يسنّد خط حبره ويهجاني
أبتر عروقي وأسند له مقوله!!
لإنه جسمي كل جيناته 'عماني'
والرجولة ورث شجعان وبطولة
أحمد المعمري (فلك)
ــــــــــــــــــــــــــ القصيدة لرابعةـــــــــــــــــــــــــــــــ
حسافة رامي
وعليـك أتحـسف حسـافة رامـي
إذا ضـرب بآخــر ذخـيرة وأخـطا!!
يبقى الشاعر انعكاس لبيئته، يأخذ منها إلهامه، وكلماته، يصوغها في أصعب حالاتها، ويشكلها في نسق جميل، ويكتبها في قصيدته التي يحملها، وهذا هو ما يقال عنه 'أن الشاعر ابن بيئته'، ولك أن تتخيل في النص القادم تلك الصورة التي يرسمها الشاعر بخيت تبوك، وذلك المشهد الذي يشكله في نصه القادم، رغم أن القصيدة غزلية إلا أنه لا يستطيع تخطي البيئة التي يحيا فيها، ويتفاعل معها..لاحظ الابتكار غير الاعتيادي في البيت الأخير لصورة إبداعية مذهلة.
قصيدة تستحق المتابعة، ومشهد يستحق الترقب، ضمن قافية عذبة، وقالب بسيط، وعميق في نفس الوقت.
وعليـك أتحـسف حسـافة رامـي
إذا ضـرب بآخــر ذخـيرة وأخـطا!!
حـقي أشـوفك لو بعـين إلـهامـي
شوفك عطاء سبحان من هو أعطى
مهــما تغـطي صـورتك قــدامي
صعــبة تـغــطي شـي ما يـتـغــطى
أنا أعتـرف وأشـهد وأحـط إبهامي
مـن شـاف نـورك ما قـدر يتـخـطى
أخــذت روح المــعلم الإسلامي
واخذت من فن العصور الوسطى
عليك أتلــهف بلـهـفة ضامـي
إذا قصـد صوب الغدير وأبـطـا
وعليـك أتحـسف حسـافة رامـي
إذا ضـرب بآخــر ذخـيرة وأخـطا!!
بخيت تبوك