محادثات السلام حول أوكرانيا لا تُنهي الحرب بل تطيل أمدها
الاحد / 29 / صفر / 1447 هـ - 19:01 - الاحد 24 أغسطس 2025 19:01
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
خلال الأسبوعين الماضيين شهدنا نشاطاً دبلوماسياً محموما قُصد منه إنهاء الحرب في أوكرانيا؛ إذ زار المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف موسكو في 6 أغسطس للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ثم توجّه بوتين إلى ألاسكا يوم الجمعة للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعدد من القادة الأوروبيين فقد قصدوا البيت الأبيض يوم الاثنين للاجتماع بترامب.
كل هذه اللقاءات التي رافقتها تغطية إعلامية تركز على المظاهر -السجاد الأحمر، والبدلات السوداء- أوحت بأن السلام بات قريباً. ترامب بدا واثقاً من ذلك؛ إذ قال للقادة الأوروبيين ومن بينهم زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا: «أعتقد أن التوصل إلى اتفاق سلام في نهاية المطاف أمر ممكن جداً، ويمكن إنجازه في المستقبل القريب... أظن أننا سنتوصل اليوم إلى حل بشأن معظم القضايا». وأنا أشك في ذلك. ما أراه ليس سوى حراك واسع بلا نتائج حقيقية، ومجرد لعبة تسجيل نقاط؛ حيث يسعى بوتين لإقناع ترامب بأن زيلينسكي مسؤول عن فشل المفاوضات المحتمل، بينما يحاول زيلينسكي ومعه القادة الأوروبيون إقناع ترامب بأن المسؤول الحقيقي هو بوتين، وهو كذلك.
بدأت هذه العملية ملتبسة، وما زالت كذلك؛ فبعد لقاء ويتكوف مع بوتين في 6 أغسطس خرج المبعوث الأمريكي موحياً بأن الرئيس الروسي مستعد لتقديم تنازلات كبيرة. هذا دفع ترامب إلى الكتابة في منصته «تروث سوشال»: «لقد أحرزنا تقدماً عظيماً!». فأجّل العقوبات التي هدّد بفرضها على روسيا -مع إبقاء الرسوم على الهند-، وسارع إلى تحديد موعد لقمة مع بوتين، لكن بعد ذلك اكتشفنا أن ما قدّمه بوتين لا يعدو أن يكون تنازلات هامشية.
فعندما اجتمع ممثلون روس وأوكرانيون في إسطنبول في 2 يونيو قدّم الروس قائمة طويلة من المطالب التي لو قُبلت لجعلت من أوكرانيا مستعمرة روسية بالمعنى الفعلي. الروس اشترطوا وقف إطلاق النار مقابل انسحاب كامل للجيش الأوكراني من أربع مناطق محتلة جزئياً، وهي دونيتسك، ولوغانسك، وخيرسون، وزاباروجيا. كما طالبوا بوقف إمدادات السلاح الغربي لأوكرانيا، وتحديد حجم جيشها. هذه المطالب القصوى هي نفسها التي يتمسك بها بوتين منذ بداية النزاع.
فما كان «التنازل الكبير» هذه المرة؟ على ما يبدو قال بوتين لويتكوف: إن الأوكرانيين ليسوا مضطرين للانسحاب من خيرسون وزاباروجيا، لكن عليهم التخلّي عن دونيتسك ولوغانسك -إقليم دونباس-. أوكرانيا بنت في دونيتسك شبكة حصون قوية صمدت أمام الهجمات الروسية على مدى 11 عاماً. وبعد أن عجز بوتين عن السيطرة على دونيتسك عسكرياً ها هو يطالب أوكرانيا بتسليمها على طاولة المفاوضات. أي تنازل هذا؟ ثم إن بوتين لم يتخلّ عن بقية مطالبه التي تهدف إلى جعل الدفاع عن أوكرانيا أمراً مستحيلاً.
في ألاسكا انحاز ترامب إلى جانب بوتين؛ إذ تراجع الرئيس الأمريكي عن مطلبه بوقف فوري لإطلاق النار -الذي قبله زيلينسكي، ورفضه بوتين-، وأبدى دعمه لفكرة أن تتخلى أوكرانيا عن كامل دونيتسك مقابل السلام. في المقابل؛ عرض بوتين ضمانات مكتوبة بعدم غزو أوكرانيا مجدداً، وكأن الأوكرانيين يمكنهم أن يثقوا بكلام من دأب على خرق الهدن السابقة.
سارع القادة الأوروبيون إلى البيت الأبيض؛ لمحاولة ثني ترامب عن الوقوع في فخ خدع بوتين. وأصرّوا على ضرورة تمسّك ترامب بشرطه الأصلي بوقف إطلاق النار، وأن يتضمن أي اتفاق ضمانات أمنية حقيقية لأوكرانيا.
ترامب الآن يبدو مستعداً لبحث نوع من الضمانات الأمنية، وهو تقدم نسبي، لكن تصريحاته غامضة إلى درجة تفقدها أي معنى؛ فقد كتب بعد لقائه الأوروبيين: «ناقشنا موضوع الضمانات الأمنية لأوكرانيا، وهي ضمانات ستقدَّم من قبل دول أوروبية مختلفة بالتنسيق مع الولايات المتحدة». لكن «التنسيق» الأمريكي لن يردع أي هجوم روسي مستقبلي. وحده ضمان أمني أمريكي مكتوب ومُصادق عليه من الكونغرس ومدعوم بوجود قوات أمريكية على الأرض يمكن أن يحقق ذلك. وحتى كخيار بديل كان يمكن للولايات المتحدة أن تتعهد بمساندة قوات حفظ السلام الأوروبية في أوكرانيا إذا تعرضت لهجوم روسي، لكن لا إشارة إلى استعداد ترامب للذهاب إلى هذا الحد، ولا دلائل على استعداد بوتين للسماح بأي ضمانات قوية لأمن أوكرانيا. وزارة الخارجية الروسية أصدرت بياناً يوم الاثنين الماضي ترفض فيه وجود أي قوات تابعة للناتو على الأراضي الأوكرانية.
فما الذي تحقق فعليا بعد هذه الاجتماعات المتتالية خلال أسبوعين؟ الجواب: القليل جداً.
ترامب كتب في «تروث سوشال»: «في ختام الاجتماعات اتصلت بالرئيس بوتين، وبدأنا الترتيبات لعقد لقاء في مكان سيُحدد لاحقا بين الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي». لكن ما لم يقله ترامب أهم مما قاله؛ فلا دليل على أن بوتين وافق بالفعل على لقاء زيلينسكي لأول مرة منذ 2019. بوتين يرفض لقاءه؛ لأنه يعتبره حاكماً غير شرعي لإقليم روسي متمرّد. وحتى لو التقيا فلا سبب لتوقع اختراق حقيقي؛ فقد اجتمع المفاوضون الروس والأوكرانيون مرتين هذا العام كان آخرها في 2 يونيو، ولم يستغرق الاجتماع سوى ساعة، وأسفر فقط عن تبادل جديد للأسرى.
إذا أردت أن تحكم على نوايا بوتين فلا تصغِ إلى كلماته، بل انظر إلى أفعاله. قبل وصول زيلينسكي إلى البيت الأبيض بساعات قتلت الهجمات الروسية 14 شخصاً في أنحاء أوكرانيا بينهم طفلان في خاركيف. وبعد مغادرته مباشرة شنّت روسيا أوسع هجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة خلال ذلك الشهر. ولأن ترامب علّق مؤقتاً التهديد بعقوبات أميركية أشد؛ فإن الهجوم الدبلوماسي لبوتين لا يوفر سوى متنفس لقواته لمواصلة حرب العدوان.
وهكذا؛ فإن جولات السلام الأخيرة بدلاً من أن توقف القتل تسهم في استمراره.
ماكس بوت كاتب عمود في واشنطن بوست، وزميل مجلس العلاقات الخارجية. وصل إلى نهائيات جائزة بوليتزر في فئة السيرة الذاتية، وهو مؤلف كتاب ريغان: حياته وأسطورته الذي تصدّر قائمة نيويورك تايمز عام 2024.