أعمدة

«التسريح المقنن» وضرورة «الحماية الوظيفية»

الدعوة إلى العمل في القطاع الخاص، يجب أن تتبعه تطمينات للموظف، وضمانات وظيفية، وتشريعات حكومية، وإصلاحات في النظام نفسه، وإجراءات واضحة تحفظ للموظف، والتاجر حقوقه، وتؤكد على واجباته، وتمنع تسريحه تحت أي مبرر، ما دام قائما على عمله، مؤديا واجباته المهنية، قادرا على العطاء، وكان وضع الشركة المالي والإداري جيدا، وثابتا، ففي ظل غياب تلك العوامل بشكل «واضح»، وصارم أدى إلى حالات هائلة من «التسريح المقنن»، وأوجد طوابير من الباحثين عن عمل، والمحتاجين للدعم المعنوي والمالي، وهذا يشكل خطرا اجتماعيا لا يمكن السيطرة عليه في حال ظلت الحالات «المنفلتة» للتسريح على ما هي عليه، كما أن ذلك يمثل خطورة كبيرة على الأسر التي تصبح فجأة دون عائل، ودون دخل، مما يؤدي إلى تداعيات اجتماعية خطيرة، وغير متوقعة. 

ولنأخذ مثلا أحد أسباب حالات الطلاق وتداعياته التي ازدادت في الآونة الأخيرة نتيجة الضغوط المالية التي تواجه الأسرة، بسبب التسريح، وهو ما يزيد ـ بالتبعية ـ أعباء الحكومة الاقتصادية، فوجود حالة طلاق واحدة معناه زيادة الضغط على بنود الضمان الاجتماعي، كما أن «الطلاق» يعني زيادة عبء إضافي مالي على الزوج، حيث هو مطالب في كل الأحوال بـ«النفقة»، وهذا يعني في حال الامتناع أو عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات زيادة أعداد «السجناء»، ومن ناحية أخرى يظل الأبناء عرضة للصراع النفسي، والذهني، وهو ما يعرضهم للانحراف، وبذلك تتولد الجريمة بكافة أشكالها، وأنواعها، وتزدادا الضغوط على المجتمع، والدولة كذلك، وكل هذه السلسلة، والآثار نتيجة «التسريح» الذي طال ربّ الأسرة، وعجزه عن أداء واجباته الأسرية في المجتمع، وذلك نتيجة لاستغلال بعض الشركات الكبرى للقانون، تحت ذريعة «انتهاء المشروع»، أو «الأعباء المالية على الشركة»، أو «وجود خسائر على الشركة»!!، وهي الأعذار «الكلاسيكية» التي تسوقها هذه الشركات، لإعادة تشغيل الموظف العماني براتب أقل، وضمانات غير واضحة، كي تستعيد هي أنفاسها، مقابل «عقود إذعان»، للتضييق على المواطن. 

إن التسريح معضلة اجتماعية، واقتصادية كبيرة، يدفع ثمنها في البُعد القريب المواطن، وتدفع الدولة فاتورتها البعيدة، ولذلك يجب أن يكون للحكومة وقفة حاسمة، وحازمة في هذا الملف، وأن تكون هناك «مظلة حماية وظيفية واجتماعية» واضحة، لا تتأثر بالمتغيرات القريبة، وتأخذ في الاعتبار التوازن بين مصلحة الدولة والمواطن، وتحفظ حقوق الموظف المواطن حتى يجد عملا يناسب إمكاناته، وشهاداته، وخبراته، وفي الوقت نفسه لا تتيح للشركات الكبرى هامش المناورة الفضفاض للتخلص من أعباء التوظيف، في مقابل زيادة أرباحها، حتى ولو كان ذلك عبر التخلي عن المواطن، ثم رمي الكرة في ملعب الحكومة، وإجبار العماني على القبول بأي وظيفة بأقل أجر.. وهذا هو الهدف الأساسي للتسريح المقنن والمنفلت» الذي تمارسه الشركات حاليا كي تحرج الحكومة، وتجعلها في مواجهة مباشرة مع المجتمع ككل. 

مسعود الحمداني كاتب وشاعر عُماني