المستثمرون في الشركات الأمريكية وسياسات ترامب
الثلاثاء / 24 / صفر / 1447 هـ - 19:46 - الثلاثاء 19 أغسطس 2025 19:46
ترجمة: قاسم مكي
دونالد ترامب هو من يختار الكاسبين والخاسرين في قطاع الشركات الأمريكية الآن. يتيح هذا فرصا جديدة ومثيرة لكل أحد يشعر بالثقة الكافية في التنبؤ بالخطوات التالية التي يتخذها الرئيس الأمريكي، ويشكل أيضا مخاطرَ قد تكون مقلقة لكل أحد آخر.
لقد حفل الأسبوعان الماضيان ببعض المشاهد غير المألوفة. وصار يتضح أكثر فأكثر ويوما بعد يوم أن «اليد الخفية» للرأسمالية لم تعد هي التي تحدد من الذي سيكسب في لعبة المال. بل إدارة ترامب هي التي تضع قواعد اللعبة كلها وتفخر بذلك. (اليد الخفية -حسب موسوعة إنفستوبيديا- مصطلح صاغه آدم سميث مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي وأبو الرأسمالية في كتابه «ثروة الأمم» لوصف قوى السوق الخفيّة التي تحرك الاقتصاد الحر من خلال السعي وراء المصلحة الذاتية والتبادل العفوي « المترجم».
في الأسبوع الماضي ذكرت الإدارة الأمريكية أنها ستمنح رُخَص استيراد مبتكَرة لعملاق الرقائق الإلكترونية «إنفيديا»، وشركة «أيه أم دي» تمكنهما من تصدير منتجات معينة إلى الصين. وستحصل الحكومة مقابل ذلك على حصة بنسبة 15% من الإيرادات.
قال لنا أحد الخبراء هذا الأسبوع: «ما الذي سيتلو ذلك؟ هل هو السماح لشركة لوكهيد مارتن ببيع طائرات إف 35 للصين مقابل عمولة بنسبة 15%»؟ يجب وضع المخاوف الأمنية جانبا (المخاوف المرتبطة بتصدير الرقائق الأمريكية ذات الاستخدامات العسكرية إلى الصين)، والتركيز بدلا عن ذلك على الطبيعة غير المسبوقة كما يبدو لصفقات الرخص هذه. ثم التفكير في الكيفية التي قد تمنح بها إدارة ترامب هذه الرخص في المستقبل.
يعتقد سكوت بيسينت وزير الخزانة الأمريكي أن هذا الترتيب «فريد»، وقال: لأنه قد تمَّ الآن فلماذا لا نتوسع فيه»؟ في الأثناء أصبحت النماذج الصارخة للشركات التي تتزلف إلى الزعيم (ترامب) شيئا عاديا. ففي وقت مبكر من هذا الشهر أهدى الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» تيم كوك إلى ترامب ما وصف بأنها كتلة من الذهب عيار 24 قيراط بحجم جهازي آيفون ملتصقين وفي شكل حامل لقرص زجاجي منحوت عليه شعار الشركة تكريما له. كانت تلك هدية خاصة من رجل خسرت أسهم شركته حوالي 700 بليون دولار في أعقاب إعلان ترامب عن رسومه الجمركية العالمية يوم 2 أبريل. وبعد فترة قصيرة من استلامه الهدية أعلن ترامب فرض رسوم جديدة وقاسية على واردات الرقائق، لكنه قال: شركة أبل ستعفى منها.
من الصعب القول: إن تفضيل الإدارات الأمريكية قطاعات اقتصادية معينة شيء جديد؛ فالرئيس جو بايدن على سبيل المثال قاد دعما حكوميا ضخما لقطاع الطاقة الخضراء عبر قانون خفض التضخم لعام 2022.
لكن هذه المعاملة مختلفة؛ فهي شخصية وعلى مرأى من الناس وبالغة الخصوصية. لقد نجحت حتى الآن بشكل جيد مع الشركات المتموضعة في دائرة تفضيل ترامب؛ فقيمة أسهم شركة «إيه أم دي» ارتفعت بنسبة 6% تقريبا منذ الكشف عن صفقة الصين، وارتفعت أسهم أبل بنسبة 13% منذ تقديم تيم كوك هديته. وقفزت كل الأسهم المرتبطة بالعملات المشفرة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض عاكسة بذلك الحماس الذي أبداه هو وأبناؤه لهذا القطاع.
بالنسبة للمستثمرين؛ تكوين فكرة عن الشركات أو القطاعات الأخرى التي قد تحظى بالمباركة والقبول في المستقبل قد يفيد حقا، لكن القبول لا يتحقق في كل الأحوال كما في حكاية شركة تيسلا المؤسفة. لقد هبطت قيمة أسهمها بنسبة 17% حتى الآن هذا العام بعد مشاجرة رئيسها التنفيذي إيلون ماسك مع ترامب الذي سحب دعومات ضرورية للسيارات الكهربائية. وهبطت أسهم شركة «إنتل» لفترة وجيزة في أوائل أغسطس بعد دعوة الرئيس إلى استقالة رئيسها التنفيذي. ومؤخرا جدا ارتفعت بشدة بعد ظهور مؤشرات بأن إدارة ترامب تدرس اتخاذ خطوة «تدخلية» جريئة بشراء حصة في الشركة.
كل ذلك يعني أن مديري المال يلزمهم التعامل مع تقلبات الرئيس الأمريكي بقدر أكبر من الجدية سواء كانوا مستثمرين في أسهم منتقاة أم مستثمرين «شكليا» في أداء المؤشر؛ بسبب الوزن الهائل الذي تحتله الشركات الكبيرة (وهي الهدف الرئيسي لاهتمام ترامب حاليا) في مؤشرات الأسهم الرئيسية.
في الوقت الراهن تهب الرياح لصالح شركة إنفيديا على سبيل المثال، لكن ماذا إذا غيرت اتجاهها في وقت ما خلال فترة رئاسة ترامب؟ ماذا إذا أثارت شركة أصغر وأقل مرونة غضب الرئيس على نحو أو آخر؟
التنبؤ بالشركات التي ستكون الفائزة والخاسرة في هذه الحال يكاد يقترب من المستحيل. لكن المستثمرين يعلمون أنهم ليس لديهم خيار سوى التكيف ومسايرة الأمور. يقول شيب بيركنز كبير مسئولي الاستثمار بشركة بوتنام للاستثمارات «ثمة شيء يسهل التنبؤ به. سيكون هنالك تقلب في السياسات الحكومية وفوضى في كل قطاعات الاقتصاد؛ فالرئيس ترامب يحب عقد الصفقات». حين نبحث عن مؤشرات توضح إلى أين يقود كل هذا من المفيد التفكير في الصين التي باغتت المستثمرين بمفاجآت سيئة وكثيرة في السنوات الأخيرة.
ففي عام 2021 مثلا شنت الصين حملة على شركات التعليم الخاص. فوجئ المستثمرون، وخسرت بعض الشركات المتأثرة بشكل مباشر ما يصل إلى 40% من قيمتها في يوم واحد. كما أضرت حملة مماثلة على شركات التقنية في نفس العام بأسهم شركات معينة مرتبطة بالصين مثل شركة خدمات النقل «ديدي» . وقتها كان مستثمرون دوليون عديدون يعتبرون الصين كاسبة محتملة من انحسار جائحة كوفيد؛ فهي في نظرهم أول بلد عانى من الجائحة، وقدَّروا أنها ستكون أول من يتعافى منها، لكن الصدمات المتكررة من السياسات الحكومية التي استهدفت قطاعات (أو شركات) محددة ولا تكاد ترتكز على أسس يمكن التنبؤ بها دفعت الكثيرين من هؤلاء المستثمرين إلى اعتبار أسواق الصين غير قابلة للاستثمار.
من الواضح أن الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى تلك اللحظة، لكن رئيسها المُعْتَد بقراراته والمزهوّ بنجاحه مع انتعاش الأسواق التي لا تقاوِم تصرفاته المتقلبة يمكن بسهولة أن يحدد نجاح أو فشل «السنة الاستثمارية» لمن يستثمر في أسهمٍ مُنتقاة دون سابق إنذار.
كاتي مارتن كاتبة رأي وعضو في هيئة تحرير الفاينانشال تايمز.