الذكاء الاصطناعي يقلب موازين الزراعة: كيف يمكن للتكنولوجيا إنقاذ مستقبلنا الغذائي؟
الأربعاء / 25 / صفر / 1447 هـ - 10:01 - الأربعاء 20 أغسطس 2025 10:01
د. سيف بن علي الخميسي -
في القطاع الزراعي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات، وتقديم حلول ذكية لمشكلات الإنتاج، ما يساعد على تحسين الكفاءة، وتقليل الهدر، وزيادة الربحية. كما يعد أداة ثورية لتحويل الزراعة التقليدية إلى أنظمة ذكية قادرة على مواجهة التحديات العالمية مثل: تزايد الطلب على الغذاء، وندرة الموارد. وفي ظل التحديات المتزايدة التي تواجه القطاع الزراعي العالمي، مثل: ندرة المياه، وتغير المناخ، وتدهور التربة؛ يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة حاسمة لتعزيز الإنتاجية، وضمان الأمن الغذائي. يأتي دور التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل البيانات الضخمة في تقديم حلول دقيقة لإدارة الموارد، وتقليل الهدر، ما يسهم مباشرة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما القضاء على الجوع. من ناحية أخرى تشهد الأنظمة الغذائية العالمية ضغوطاً غير مسبوقة بسبب تغير المناخ، ونمو السكان؛ حيث يعاني أكثر من 300 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي عالمياً. وفي سلطنة عُمان تتفاقم هذه التحديات بسبب ندرة المياه، والاعتماد على الواردات الغذائية ما يجعل تحقيق الاستدامة الغذائية أولوية وطنية تتماشى مع «رؤية عُمان 2040» التي تركز على الأمن الغذائي، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر. وهنا يبرز الذكاء الاصطناعي (AI) كأداة تحويلية لمواجهة هذه التحديات عبر تحسين كفاءة الموارد، وزيادة الإنتاجية.
الزراعة الدقيقة وإدارة الموارد
تشكل الزراعة الدقيقة أحد أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع الزراعي. تعتمد هذه التقنيات على أنظمة ذكية تستخدم أجهزة استشعار إنترنت الأشياء، والتنبؤات الجوية؛ لتحديد احتياجات المياه بدقة، ما أسفر عن توفير يتراوح بين 20-30% من استهلاك المياه في التجارب المحلية. يسهم الري الذكي باستخدام أجهزة الاستشعار، والبيانات المناخية بشكل كبير في إدارة الموارد المائية؛ حيث يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي تحليل احتياجات المياه للمحاصيل بدقة، ما يقلل الهدر بنسبة تصل إلى 30%. وهذا بالغ الأهمية في سلطنة عمان؛ حيث يشكل شح المياه تهديداً رئيسياً. ومن ناحية أخرى تتيح أنظمة مثل (CropIn) مراقبة صحة التربة والمحاصيل عبر التعلم الآلي، ما يحد من الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية، ويحافظ على التوازن البيئي. في الزراعة العمودية مثل مشاريع (Plenty) التي تستخدم الروبوتات والذكاء الاصطناعي لإدارة مزارع داخلية بتقنيات التحكم البيئي، ما يوفر حلولاً للإنتاج الزراعي في المناطق الجافة. كما وظفت تقنيات المراقبة الجوية عبر الأقمار الصناعية، والطائرات المسيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مشروع «مليون نخلة»؛ حيث أسهمت في الكشف المبكر عن الآفات والأمراض، ورفع إنتاج التمور بنسبة 25% مع تحسين جودتها بشكل ملحوظ.
الذكاء الاصطناعي لتحسين
سلاسل الإمداد الغذائي
يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين سلاسل الإمداد الغذائي من خلال تحليل بيانات السوق والاستهلاك للتنبؤ بالطلب بدقة، ما ساعد في خفض الفاقد الغذائي بنسبة 25% في بعض متاجر التجزئة الكبرى. كما تعتمد بعض الشركات على أجهزة الاستشعار الذكية؛ لمراقبة ظروف تخزين ونقل المنتجات الزراعية والسمكية، ما يضمن وصولها طازجة إلى الأسواق المحلية والدولية، وخاصة المنتجات الاستراتيجية مثل التمور والأسماك التي تشكل عناصر مهمة في الصادرات العمانية.
يمثل الفاقد الغذائي تحدياً عالمياً، وتُظهر تطبيقات مثل (Afresh) في قدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بالطلب وتخزين المنتجات بشكل أمثل، كما تستخدم شركات مثل AgNext الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة المنتجات الزراعية خلال النقل، وهو أمر حيوي لتصدير المنتجات العُمانية كالتمور والأسماك. وفي مجال الاستزراع السمكي الذكي يمكن لتقنيات مثل (Aquabyte) في مراقبة صحة الأسماك، ووزنها عبر الرؤية الحاسوبية، ما يرفع كفاءة الإنتاج ، خاصة في ظل اهتمام السلطنة بالثروة السمكية التي تمثل 1.4% من الناتج المحلي.
الذكاء الاصطناعي
لتحسين الإنتاجية الزراعية
تحلل نماذج الذكاء الاصطناعي بيانات الطقس، وخصائص التربة؛ للتنبؤ بالإنتاجية، ما يساعد المزارعين على تجنب الخسائر؛ حيث يعتمد الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الضخمة من أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية لتقديم رؤى قابلة للتطبيق. على سبيل المثال؛ تستخدم خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ بأفضل مواعيد الزراعة بناءً على أنماط الطقس التاريخية، ما يزيد الإنتاجية بنسبة تصل إلى 25%. على سبيل المثال قدمت منصة AgroSmart في البرازيل نموذجًا ناجحًا لمساعدة مزارعي فول الصويا على زيادة الإنتاج بنسبة 15% عبر تحليل بيانات التربة والطقس. وفي دراسة أخرى وجد أن أنظمة الري الذكية القائمة على تحليل البيانات الضخمة قللت هدر المياه بنسبة 15-30% في عدد من مزارع دول الشرق الأوسط. كما أشارت التقارير إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة المياه زاد كفاءة التوزيع بنسبة 25% في مشاريع بالمغرب والأردن.
تتمثل إحدى أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية عبر خوارزميات التعلم الآلي التي تحلل عوامل مثل طقس التربة، وصحة المحاصيل. على سبيل المثال؛ أظهرت إحدى الدراسات أن استخدام الشبكات العصبية الاصطناعية (Artificial neural networks) للتنبؤ بمواعيد الزراعة المثلى يرفع الإنتاجية بنسبة 30%؛ حيث تتحكم تقنية أنظمة الري الذكية في كمية المياه بناءً على رطوبة التربة، والتنبؤات الجوية. كما أظهرت دراسة أخرى أن هذه التقنية قللت استهلاك المياه بنسبة 35% في مزارع القمح. في السعودية مثلا؛ حقق مشروع «الاستزراع الذكي» في مدينة نيوم زيادة بنسبة 50% في إنتاجية الخضروات باستخدام الروبوتات الزراعية. وأظهرت دراسة حالة في الإمارات العربية المتحدة أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحراء زاد إنتاجية الطماطم بنسبة 25%. وأظهرت المقارنة بين نظامي الري أن النظام التقليدي يستهلك 5000 م³ من المياه للهكتار، وينتج 8 أطنان في حين يستهلك النظام بالذكاء الاصطناعي 4000 م³ فقط، وينتج 8.2 أطنان للهكتار. يشير ذلك إلى أن النظام الذكي يقلل استهلاك المياه بنسبة 20% مع تحسين طفيف في الإنتاجية. وبالتالي؛ يعد أكثر كفاءة واستدامة في إدارة الموارد المائية.
الذكاء الاصطناعي للتكيف
مع التغير المناخي
يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة محورية وفعالة في مواجهة التحديات المعقدة للتغير المناخي؛ حيث تتجاوز تطبيقاته حدود القطاعات التقليدية؛ لتقدم حلولاً مبتكرة ومتكاملة. فمن خلال تحليل كميات هائلة من البيانات المناخية؛ يسهم الذكاء الاصطناعي في بناء نماذج تنبؤية فائقة الدقة للظواهر الجوية المتطرفة، ما يمنح المجتمعات فرصة ثمينة للاستعداد المبكر. وفي الوقت نفسه يلعب دورًا حاسمًا في تسريع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة عبر تحسين إدارة شبكات الكهرباء لدمج مصادر الطاقة المتجددة بكفاءة، وتحسين أداء توربينات الرياح، والألواح الشمسية.
وتمتد إسهاماته إلى تعزيز الأمن الغذائي من خلال تمكين الزراعة الدقيقة التي تقلل من هدر الموارد المائية والأسمدة، وتسرّع من تطوير سلالات محاصيل قادرة على التكيف مع الظروف المناخية القاسية. علاوة على ذلك، يستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة مواردنا الطبيعية الحيوية، مثل الكشف عن إزالة الغابات بشكل فوري عبر صور الأقمار الصناعية، وتوجيه فرق الإنقاذ بفعالية أثناء الكوارث الطبيعية. وبهذا التكامل، لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على فهم التغير المناخي فحسب، بل يمتد لتمكيننا من بناء مستقبل أكثر استدامة وقدرة على الصمود في مواجهة آثاره.
كما تسرع خوارزميات الذكاء الاصطناعي عملية استنباط أصناف نباتية مقاومة للظروف المناخية الصعبة، حيث طورت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه مؤخرًا ثماني سلالات جديدة من القمح تتحمل الملوحة والجفاف لتلائم المناخ العماني، مما يعزز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية المتزايدة. والتنبؤ بالظروف الجوية عن طريق تحليل البيانات المناخية عبر الذكاء الاصطناعي يساعد المزارعين على توقع الجفاف أو الأمطار الغزيرة، وتعديل مواعيد الزراعة والحصاد وفقًا لذلك. كما يمكن أن تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحديد الأصناف النباتية الأكثر ملاءمة للظروف العمانية، مثل المحاصيل التي تتحمل الملوحة والحرارة.
تقنيات الذكاء الاصطناعي
لمكافحة الأمراض النباتية
تستخدم الطائرات بدون طيار المجهزة بكاميرات حرارية وأجهزة استشعار لمراقبة الحقول عن كثب، حيث ساعدت هذه الأنظمة في الهند على خفض استخدام المبيدات بنسبة 25%. ولا تقتصر الفوائد على المراقبة فأنظمة الري الذكية التي تعتمد على مستشعرات التربة والأقمار الصناعية في كاليفورنيا نجحت بتخفيض استهلاك المياه بنسبة 20% دون التأثير على الإنتاجية. تقوم الطائرات بدون طيار (الدرونز) بمسح الحقول ورصد الأمراض النباتية عبر كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء ثم تُحللّ البيانات بأدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة. وبالشراكة مع جامعة السلطان قابوس، تم استخدام الدرونز في مزارع النخيل لتطوير نظام لرصد آفات سوسة النخيل الحمراء، مما خفض خسائر المحاصيل بنسبة 30%. وتدعم العديد من الدراسات العلمية هذه النتائج ، حيث أظهرت أبحاث أن خوارزميات التعلم العميق تفوقا مذهلا في تشخيص أمراض النباتات بدقة تصل إلى 98%، مقارنة بـ85% للطرق التقليدية. ولتقييم فعالية هذه التقنيات، يعتمد الباحثون على منهجيات مثل التجارب العشوائية المحكمة ومحاكاة النماذج الرياضية، التي تثبت بشكل متكرر أن الزراعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أكثر مرونة في مواجهة التقلبات المناخية.
الذكاء الاصطناعي: ثورة في
عالم سلامة وجودة الغذاء
يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة هائلة في ضمان سلامة وجودة الغذاء على مستوى العالم، مقدمًا حلولًا مبتكرة تتجاوز القدرات البشرية التقليدية. تعمل خوارزميات التعلم الآلي على تحليل كميات ضخمة من البيانات للتنبؤ بتفشي الأمراض المنقولة بالغذاء قبل حدوثها، مما يسمح باتخاذ إجراءات وقائية استباقية. كما تُستخدم أنظمة الرؤية الحاسوبية في المصانع لفرز المنتجات بدقة متناهية، والتعرف على أي عيوب شكلية أو تغيرات لونية قد تدل على الفساد. وفي هذا السياق، تستطيع هذه الأنظمة الذكية رصد الشوائب والمواد الغريبة بكفاءة تفوق الفحص البشري، مما يقلل من مخاطر وصول منتجات غير آمنة إلى المستهلك.
وتلجأ الدول المتقدمة تكنولوجيًا بشكل متزايد إلى هذه التقنيات لتعزيز سلاسلها الغذائية. ففي اليابان، تستخدم شركات مثل «Lawson» الذكاء الاصطناعي من شركة «DataRobot» لتقدير الطلب على المنتجات وتقليل الهدر الغذائي بشكل كبير. بينما في ألمانيا، يهدف مشروع «REIF» الممول حكوميًا إلى إنشاء منظومة ذكاء اصطناعي متكاملة لتحسين كفاءة الإنتاج وتقليل النفايات في صناعات مثل المخابز ومنتجات الألبان. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فتقود شركات مثل «IBM» الطريق من خلال منصة «Food Trust» التي تستخدم الذكاء الاصطناعي مع تقنية البلوك تشين لتوفير تتبع كامل للمنتجات الغذائية من المزرعة إلى المائدة، مما يسمح بتحديد مصدر أي تلوث في غضون ثوانٍ.
لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على الإنتاج والتوزيع فقط، بل يمتد ليشمل تطوير منتجات جديدة وأكثر صحة. وتسهم المستشعرات الذكية المدمجة بتقنيات إنترنت الأشياء في مراقبة ظروف التخزين والنقل بشكل لحظي، ضامنة الحفاظ على جودة الأغذية الطازجة. إن هذا التكامل بين الذكاء الاصطناعي والقطاع الغذائي لا يعزز ثقة المستهلك فحسب، بل يبني نظامًا غذائيًا عالميًا أكثر أمانًا واستدامة للأجيال القادمة.
الذكاء الاصطناعي في تحسين
إنتاجية المحاصيل بسلطنة عمان
تواجه الزراعة العمانية تحديات متعددة تتراوح بين ندرة المياه والتغيرات المناخية وتحديات جودة التربة. وفي ظل هذه المعوقات، يظهر الذكاء الاصطناعي كأداة واعدة يمكنها أن تسهم في تحويل واقع القطاع الزراعي وتحقيق إنتاجية أعلى مع استدامة الموارد. وتشير الدراسات الأولية إلى أن هناك اهتمامًا متزايدًا من قبل المزارعين العمانيين بتبني التقنيات الذكية؛ إذ ينظر إليها كوسيلة لتحسين الإنتاج وتقليل المخاطر المرتبطة بالعوامل البيئية. ومع ذلك، يواجه التطبيق تحديات مثل قلة الوعي التقني، حيث ما يزال عدد من المزارعين يحتاجون إلى التدريب والدعم الفني لاستخدام الأنظمة الحديثة بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الاستثمار.
وقد أظهرت دراسة استقصائية أجرتها جامعة صحار أن 45% فقط من المزارعين العمانيين يرون أن التقنيات الذكية مفيدة، لكن 60% منهم يفتقرون إلى المهارات التقنية اللازمة. وقد تكون التكاليف الأولية لتبني هذه التكنولوجيا عائقًا أمام بعض المزارعين، ما يتطلب دعمًا حكوميًا أو شراكات بين القطاعين العام والخاص. في المقابل تمثل التكاليف المرتفعة حاجزًا أمام تبني التقنيات الذكية، فمثلا قد تصل تكلفة تركيب نظام ري ذكي متكامل إلى 10,000 ريال عماني، وهو مبلغ يعجز عنه معظم المزارعين الصغار. كما تثير قضايا جمع البيانات الزراعية مخاوف أخلاقية وقانونية، خاصة في ظل غياب تشريعات واضحة لحماية البيانات في القطاع الزراعي، ما يتطلب تطوير أطر قانونية متكاملة لضمان الاستخدام الآمن والأخلاقي لهذه التقنيات. كما أن النقص الحاد في البيانات الدقيقة والشاملة عن التربة والمياه والمحاصيل يحد من فاعلية النماذج التنبؤية القائمة على الذكاء الاصطناعي. الأمر الذي يتطلب إنشاء قاعدة بيانات وطنية شاملة تدعم تطوير حلول ذكية تلائم الخصائص المحلية، مع ضمان مشاركة جميع الجهات المعنية في جمع وتحليل هذه البيانات.
أثر الذكاء الاصطناعي على مؤشرات الأمن الغذائي في سلطنة عمان
باستخدام التكنولوجيا الحديثة، تحدث الحلول الرقمية تحولًا كبيرًا في القطاع الزراعي عبر عدة محاور أساسية: المحور الأول في مجال كفاءة المياه، حيث تسهم أنظمة الري الذكية في توفير 20-30% من استهلاك المياه عبر التحكم الدقيق حسب احتياجات المحاصيل. أما بالنسبة لتعزيز الإنتاج الزراعي، فإن مراقبة المحاصيل باستخدام الذكاء الاصطناعي ترفع الإنتاجية بنسبة 25% بفضل تحليل بيانات النمو والتربة والمناخ. وفي مواجهة الهدر الغذائي، يسهم تحليل بيانات الطلب وسلاسل التوريد في خفض الفاقد بنسبة 25% عبر توقع الاحتياجات بدقة وتقليل الفائض.
هذه التطبيقات تظهر كيف أن الابتكارات التقنية تحقق توازنًا بين الإنتاجية والاستدامة. وعلى الرغم من التحديات، فهناك فرص واعدة لتطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع، ويمكن للتقنيات الذكية أن تساعد في استخدام الموارد بكفاءة أكبر، ما يقلل من الهدر. من خلال التحليل الدقيق للبيانات، يمكن تحسين جودة المحاصيل ومقاومتها للآفات والأمراض. كذلك يمكن تطوير البنية التحتية عن طريق الاستثمار في بنية تحتية رقمية قوية سيسهم في تسهيل تطبيق هذه التقنيات على المستوى الوطني. ولضمان الانتقال الناجح لهذه التقنيات على نطاق واسع، يجب التركيز على تعزيز البنية التحتية الرقمية: من خلال الاستثمار في شبكات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في المناطق الزراعية. وتشجيع البحث العلمي عبر إنشاء مراكز بحثية متخصصة تركز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الزراعة. والفرص كبيرة لتكوين شراكات محتملة مع شركات عالمية مثل «IBM» و«Microsoft» لتطوير حلول مخصصة خاصة مع «رؤية عمان 2040» التي تشجع على الابتكار.
تطوير إطار تشريعي متكامل للذكاء الاصطناعي في القطاع الغذائي بشكل عام والزراعة بشكل خاص يشكل أولوية قصوى في سلطنة عمان، وقد أوصت ندوة لجمعية حماية المستهلك بتخصيص صندوق دعم مالي بقيمة 5 ملايين ريال عُماني (تماشيًا مع استثمارات القمح) لمساعدة المزارعين على تبني التقنيات الذكية، مع وضع ضوابط واضحة لحماية البيانات وضمان الشفافية في استخدام التقنيات الحديثة. ويتطلب نجاح التحول الرقمي في القطاع الزراعي بسلطنة عمان إنشاء مراكز تدريب متنقلة لتمكين المزارعين من استخدام التطبيقات الأساسية. كما ينبغي دعم الشركات الناشئة في مجال التقنيات الزراعية (AgriTech) عبر توفير منح بحثية لتطوير حلول محلية تلائم البيئة العمانية، مع تشجيع الابتكار في مجالات مثل الزراعة العمودية والذكية التي تستهلك موارد أقل.
كما يمكن تعزيز كفاءة استخدام الموارد الطبيعية من خلال تطوير أنظمة ري ذكية تعمل بالطاقة الشمسية، ودمجها مع تقنيات تحلية المياه لتقليل الهدر. ومن ناحية أخرى ينبغي تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري عبر تحويل النفايات الزراعية إلى أسمدة عضوية باستخدام التقنيات الرقمية، على غرار مشروع «بيئة» المتنقل الذي حقق نجاحًا ملحوظًا في هذا المجال. ويمكن الاستفادة من الشراكات الدولية لنقل المعرفة، خاصة مع الدول التي تواجه تحديات مشابهة مثل الأردن في مجال الري الذكي، أو سنغافورة في إدارة سلاسل الإمداد الغذائي. كما يمكن جذب الاستثمارات الأجنبية عبر منصات مثل «أسبوع عُمان للاستدامة» وشراكات أخرى مع منظمات دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لتمويل المشروعات الذكية في القطاع الزراعي.
ختامًا، نستطيع القول إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية واعدة، بل أداة ضرورية لضمان استدامة الزراعة. ومع ذلك، يتطلب تعزيز تطبيقاته تعاونًا دوليًا بين الحكومات والقطاع الخاص لبناء بنية تحتية رقمية، وتدريب المزارعين على استخدام الأدوات الذكية عبر ورش عمل مخصصة، وإنشاء قواعد بيانات مفتوحة لتبادل المعلومات حول التربة والمناخ. كما تحتاج الأبحاث المستقبلية إلى استكشاف تأثير هذه التقنيات على صغار المزارعين في الدول النامية، وتطوير أنظمة هجينة تجمع بين الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتحقيق مراقبة فورية للحقول. وبذلك يمكن تحويل التحديات إلى فرص والانتقال من الزراعة التقليدية إلى عصر الزراعة الذكية القادرة على إطعام العالم. وبإمكان الذكاء الاصطناعي أن يحول سلطنة عمان إلى نموذج إقليمي في الأمن الغذائي المستدام إذا تم التغلب على التحديات الحالية. ويتطلب ذلك ضمان الوصول إلى التقنيات الذكية لجميع المزارعين، وتطوير حلول مبتكرة تحترم الخصوصية الثقافية وتلائم الموارد المحدودة، وتعزيز التكامل الإقليمي مع دول مجلس التعاون الخليجي لخلق سوق غذائي موحد.
د. سيف بن علي الخميسي – مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي - وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه