استثمار السياحة الموسمية في إحياء الأسواق
الاثنين / 23 / صفر / 1447 هـ - 22:20 - الاثنين 18 أغسطس 2025 22:20
السياحة الموسمية التي تتميّز بها سلطنة عُمان طيلة العام تمثّل عاملا فاعلا لإحياء الأسواق التقليدية تحديدا، ومن الممكن أن تحقّق توازنا بين التنمية الاقتصادية التي تشهدها أسواقنا المحلية منذ بدء تحسّن مؤشرات الاقتصاد الكلي، وبين الجهود الوطنية لتنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية من بينها قطاع السياحة الذي يعوّل عليه الكثير في إنعاش الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان؛ نظرا لما يزخر به بلدنا العزيز عُمان من مقومات سياحية، ومواقع جاذبة للسيّاح والزوّار طيلة العام. وأنا على يقين أن الجهود الوطنية التي تبذلها وزارة التراث والسياحة بالتكامل والتنسيق مع الجهات الحكومية في فترة السياحة الموسمية ستؤدي بلا شك إلى تنمية الأسواق المحلية التقليدية، وتعزيز قوتها الشرائية، ما سيرفع مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد العُماني إلى أكثر من 2.7 مليار ريال عُمان المسجّل بنهاية 2024م، وسيرفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي بما يتسق مع أولويات «رؤية عُمان 2040».
يعد موسم خريف ظفار فرصة لإعادة إحياء الأسواق التقليدية خلال مواسم السياحة الموسمية مثل سوق الحافة بمحافظة ظفار، والأسواق التقليدية الأخرى في ولايات مثل طاقة ومرباط، وسيحقّق منفعة مالية، وعوائد مجزية داعمة للمجتمع والبيئة؛ خاصة إذا استثمرت هذه الأسواق وطورت بطرق وآليات مستدامة وروج لها قبل بدء موسم الخريف؛ لتوفير فرص استثمارية واعدة تجمع بين دعم المجتمع، والمساهمة في التنمية الاقتصادية، إضافة إلى دعم الصناعات العُمانية التي تتميّز بها محافظة ظفار والتي تباع خلال موسم الخريف مثل: البخور، واللبان، والعطور، والمنتجات الأخرى التي تتفرّد بها المحافظة، ما يدعم الأسر المنتجة ماليا عبر تحقيق عدد أكبر من عمليات البيع.
إن التصور المأخوذ لدى البعض عند الحديث عن إحياء الأسواق التراثية أو التقليدية يتمثّل في تعزيز الهوية الوطنية، وهو تفكير جيّد، لكن هناك منافع أخرى ستتحقق مثل المساهمة في التنمية المستدامة اقتصاديا واجتماعيا من خلال تحقيق نمو اقتصادي على مستوى الاقتصاد الكلي، وأيضا تنمية صناعات الأسر المنتجة وتطويرها، إضافة إلى دعمها من ناحية التسويق بطرق وآليات مبتكرة، وربما وصول هذه المنتجات والسلع محلية الصنع للأسواق العالمية؛ نظرا لاستقطاب خريف ظفار الزوّار والسيّاح من مختلف بلدان العالم.
من الجيد الإشارة إلى أنّ إحياء الأسواق لا يعني تزاحم الأنشطة التجارية المتشابهة في موقع واحد؛ حتى لا يفقد السوق تنوّعه وبريقه وعدد مرتاديه بسبب الكثافة العددية للزوّار والسيّاح، ما يؤدي إلى تردد المستثمر من اتخاذ قرار الاستثمار في السوق.
لذلك لابد أن يتميّز السوق عموما بمساحات واسعة تستوعب أكبر عدد من الزوّار؛ خشية أن يتفاجأ المستثمر بتزاحم الأشخاص في مساحة ضيّقة تؤثر على القوة الشرائية، وبالتالي يؤدي الأمر إلى عزوف المستثمر عن السوق.
أرى أن هناك فرصا يمكن الاشتغال عليها لعودة الحياة إلى الأسواق عموما، وعودة مرتاديها تحديدا؛ لدورها في تنمية الاقتصاد العُماني، ودورها في تعزيز الهوية الوطنية والثقافية التي تزخر بها الأسواق التراثية، إضافة إلى إسهامها في تعزيز التنمية الاجتماعية من خلال التسويق الفعّال للأسر المنتجة، وكذلك الصناعات العُمانية. وفي رأيي أن تعرّف السيّاح والزوّار على الصناعات العُمانية على أرض الواقع أفضل بكثير عن التجارة الإلكترونية؛ لأهميتها في تعرّف السيّاح من داخل سلطنة عُمان وخارجها على المنتجات العُمانية، وكذلك تفاديا لعمليات النصب والاحتيال في البيع والشراء على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الأضرار الصحية والسلع المغشوشة، ولاستثمار السياحة الموسمية في إحياء الأسواق أقترح الآتي:
- الاشتغال على خطة لتطوير الأسواق من خلال تحسين تصاميمها، وتوفير مساحات حديثة مستدامة جاذبة للاستثمار، وتخصيص موقع لإقامة الفعاليات والمناشط المختلفة خلال فترة السياحة الموسمية.
- تشجيع الحرفيين وأصحاب الصناعات العُمانية الأخرى على عرض منتجاتهم في الأسواق بدلا من عرضها في المنصات الإلكترونية؛ لتعريف الزوّار بالصناعات العُمانية مع إثراء أفراد المجتمع بالنقاشات بين التاجر والمستهلك التي تسهم في غرس مفاهيم الهوية الوطنية لسلطنة عُمان.
- الاشتغال على تصوّر لتطوير الشركات والمؤسسات السياحية من حيث تعيين مترجمين عُمانيين يتحدثون بعدة لغات؛ لتعريف السيّاح والزوار بالأسواق العُمانية خاصة التراثية وبالصناعات العُمانية.
- إطلاق تطبيق إلكتروني لمراقبة أسعار السلع المعروضة في الأسواق، وكذلك لتسهيل الوصول إلى المنتجات المتوفّرة مع تضمين التطبيق صفحة ترويجية عن الصناعات العُمانية، مع إضافة ميزة الزي الافتراضي التجريبي؛ بهدف تجربة الزي العُماني افتراضيا، وفي رأيي أن هذه الخاصية ستسهم في الترويج للزي العُماني خارج سلطنة عُمان شريطة وضع ضوابط وشروط تحد من الإساءة للزي العُماني.
في رأيي أنّ الجمع بين الماضي والحاضر هو السبيل لإحياء الأسواق من خلال الاستفادة من أدوات التسويق الرقمي، وأدوات الذكاء الاصطناعي، وسيوفّر فرصا اقتصادية واجتماعية من بينها تنمية عوامل الاقتصاد الكلي، وتحسين إيرادات القطاع السياحي، إضافة إلى إحياء التراث الثقافي، والمحافظة عليه.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي