غزة تموت.. ماذا عن المواقف الإنسانية؟
الاثنين / 25 / محرم / 1447 هـ - 20:06 - الاثنين 21 يوليو 2025 20:06
أكثر ما كشفته الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هو حجم تناقض العالم، تناقضه مع مبادئه التي تأسس عليها سياسيا وفكريا واجتماعيا، وتناقضه مع نفسه، بين المواقف السياسية والإنسانية. فالعالم الذي ما زال يعتقد أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، فماذا عن حق آلاف الأطفال في قطاع غزة الذين يموتون جوعا، ماذا عن حق النساء والمدنيين الأبرياء؟! ومن كان يرى فيما يحدث في غزة إبادة جماعية فما موقفه منها؟ ومن كان يرى أن تجويع أكثر من مليوني فلسطيني جريمة حرب مكتملة الأركان فلماذا لا يتحرك من أجل وقفها؟ لماذا لا يتحرك عبر المواقف الإنسانية إن لم يكن عبر المواقف السياسية!
يستطيع العالم، من يدين التجويع ومن يصمت عنه تواطئا، أن يفعل الكثير من أجل تجاوز وصمة العار التي ستبقى ملتصقة في إنسانية هذا العالم.. فهذا العالم لا تحركه المبادئ ولا القيم ولكن بات واضحا أن محركه الوحيد هو المصالح مع الحركة الصهيونية العالمية التي تقود العالم نحو مزيد من الانهيار فالعالم لا يمكن أن يستقيم طويلا على الظلم والقهر وغياب العدالة.
يرى العالم أجمع كيف يموت الأطفال في غزة، وكيف يعجز الآباء عن توفير رغيف خبز لأطفالهم الجوعى.. تنقل شاشات الأخبار هذه المشاهد على الهواء مباشرة، كما تنقل مشهد آلاف العائلات البسيطة التي تفترش الطرقات في محاولة للفرار من الموت قبل أن تكتشف أنها لا تفر منه إلا إليه.
رغم كل ذلك، يصرّ الخطاب الدولي، خصوصًا من العواصم الغربية المؤثرة، على «تفهم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس»، دون أن يُخصص ولو سطرا واحدا لحق الفلسطينيين في الحياة، لحق الأطفال في الحليب ولحق الجميع في الكرامة الإنسانية.
لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر ببشر يتعرضون للمآسي في مكان آخر من العالم كما هو الحال في أوكرانيا على سبيل المثال، إذ يبدو الأمر هناك مختلفا وتبدو للإنسان قيمة مختلفة تماما عن قيمته في غزة.
ومع الأسف فإن هذا التناقض تجاوز الغرب صاحب التاريخ الإمبريالي القائم على فكرة ومبدأ التفاوت في قيمة الإنسان إلى الشرق نفسه الذي تتواطأ بعض دوله في السر والعلن مع إسرائيل، وليتها تقف عند هذه النقطة، ولكنها تمعن في دعم إسرائيل وفي تجنيد كل طاقاتها ضد الفلسطينيين الذين تختزلهم في «حماس».
لا يطلب الفلسطينيون من أحد في الشرق أو في الغرب أن يعلنوا الحرب ضد إسرائيل، ولا حتى تغيير سياستهم، ولكن كل ما يطلبوه هو الاعتراف بالكارثة بوصفها ما هي عليه: «كارثة»، وأن يتحركوا في ضوء الكارثة بما تمليه عليهم مبادئهم السياسية أو حتى الإنسانية.. لا مجال هنا للحياد، ولا للمواقف الرمادية؛ فحين يُدفن مئات المدنيين تحت الأنقاض بفعل قصف متكرر عن نقاط توزيع الدقيق أو عبوات الماء فإن الصمت لا يكون حيادا أبدا بل شكل من أشكال التواطؤ.
وأخطر ما في هذا التواطؤ ليس أنه يُطلق يد المعتدي، بل لأنه يدمّر فكرة القانون الدولي ذاتها ويدمر الجانب الإنساني الذي، يفترض أن الجميع يشترك فيه.. فإذا كان المجتمع الدولي عاجزًا عن إدانة قتل الأطفال، فعمَّ يمكنه أن يتحدث؟ وإذا أصبح ضحايا غزة مجرد أرقام تمر في شريط الأخبار، فلماذا نواصل التظاهر بأن هناك منظومة قيم تحكم هذا العالم أصلًا؟
من حق أي دولة ألا تنحاز سياسيا، لكن لا يحق لها أن تسقط أخلاقيا؛ لأن الصمت أمام جريمة موثقة ليس موقفا حياديا، بل إعلان انحياز مضمر للجاني. وإذا قبل العالم أن تمر هذه المجازر بلا موقف، فليعلن ذلك صراحة: أن المبادئ لا تطبق على الجميع، وأن هناك شعوبا يمكن التضحية بها دون مساءلة.
الضمير العالمي سقط سقوطا مروعا أمام مأساة غزة، وعليه أن يتوقع نتائج هذا السقوط في المستقبل القريب.. فستكون نتائج كارثية جدا لن يحتملها أحد أبدا.