مختصون: الثقافة القانونية ضرورة لإعداد جيل واع بالصالح العام
دمج مفاهيم الحقوق والواجبات في الأنشطة الصفية
الأربعاء / 20 / محرم / 1447 هـ - 18:49 - الأربعاء 16 يوليو 2025 18:49
- تسهم في احترام القواعد والنظم والحد من السلوكيات الخاطئة
-على الأسر دعم سلوك الأبناء الإيجابي وترسيخ الوعي القانوني
يمثل الإلمام بالثقافة القانونية لدى طلبة المدارس ضرورة ملحة خاصة مع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي وانتشار الجرائم الإلكترونية، بات من المهم تعزيز الوعي ونشره عبر تشارك مختلف الجهات المعينة.
وفي استطلاع أجرته 'عمان' حول هذا الموضوع، أوضح عدد من المختصين أهمية إدراج مناهج تربوية مختصة، إلى جانب إشراك أولياء الأمور في الشراكة المجتمعية من أجل بيئة داعمة ومتكاملة.
تقول إبتسام الشهومية، نائبة مديرة بمدرسة رؤى المستقبل للتعليم الأساسي: لا يمتلك الطلبة غالبا وعيا كافيا بالقوانين والحقوق، فمعظمهم يملكون معرفة محدودة بحقوقهم وواجباتهم، خصوصًا فيما يتعلق بالقوانين التي تمس حياتهم المدرسية واليومية، وتوجد حاجة ماسة إلى تعزيز هذا الوعي بطريقة مبسطة ومناسبة لأعمارهم، مشيرة إلى أنه يمكن نشر الثقافة القانونية في الأنشطة اليومية من خلال دمج مفاهيم الحقوق والواجبات في القصص والنقاشات الصفية، واستخدام مواقف يومية في المدرسة لتوضيح القوانين (مثل أهمية احترام النظام والانضباط)، إضافة إلى تنظيم أنشطة مثل المحاكم الصورية، والحوارات الصفية حول العدالة والمسؤولية، وإعداد لوحات حائطية أو نشرات مدرسية توعوية بسيطة ومباشرة، واستثمار حصص الاحتياط أو الأنشطة في تقديم مفاهيم قانونية بطريقة تفاعلية.
وتضيف: تمتلك المدرسة أدوات مثل المحاضرات أو الشراكات مع جهات قانونية لتثقيف الطلبة من خلال دعوة محامين أو ممثلين من جهات رسمية لتقديم محاضرات توعوية، والتعاون مع وزارة العدل أو الشرطة المجتمعية في تنظيم فعاليات توعوية، وإقامة أسابيع قانونية مدرسية تضم مسابقات وحلقات عمل، ولكن في بعض المدارس، هذه المبادرات ما تزال محدودة وتحتاج إلى تطوير واستمرارية، موضحة إلى أهمية إشراك أولياء الأمور في هذه العملية التوعوية، وذلك من خلال تعزيز التوعية القانونية في المنزل يكمل ما يُقدم في المدرسة، كما يساعد أولياء الأمور على أن يكونوا قدوة لأبنائهم في احترام القانون، إلى جانب أن إشراكهم يعزز من قيمة الشراكة المجتمعية ويضمن بيئة داعمة ومتكاملة، ويمكن لأولياء الأمور المساهمة من خلال حضور حلقات عمل توعوية أو المشاركة في برامج مجتمعية مدرسية.
وتوضح أروى بنت عيسى آل عبدالسلام -معلمة- من الملاحظ أن أغلب الطلبة لا يملكون وعيا كافيًا بالقوانين التي تنظم حياتهم داخل المدرسة أو في المجتمع، فهم يعرفون بعض القواعد السلوكية الأساسية البسيطة، لكنهم يفتقرون إلى الفهم العميق لحقوقهم وواجباتهم، مثل احترام النظام، والمسؤولية القانونية وغيرها من المفاهيم، مشيرة إلى أن المعلم يسهم بشكل كبير في نشر الوعي القانوني من خلال دمج المفاهيم القانونية ضمن الأنشطة اليومية، وذلك بطرق بسيطة منها طرح مواقف صفية افتراضية ومناقشتها قانونيا، وإدخال مفاهيم مثل العدالة والحقوق ضمن دروس المواد أو النقاشات الصفية، إضافة إلى استخدام الإذاعة المدرسية لطرح فقرات توعوية قانونية، وربط السلوكيات اليومية بالقوانين مثل احترام الدور أو أهمية الالتزام بالأنظمة.
وتضيف: بعض المدارس بدأت بالفعل باتخاذ خطوات جيدة في هذا المجال، مثل تنظيم محاضرات أو حلقات توعوية يقدمها مختصون في القانون، وإدراج التوعية القانونية ضمن البرامج اللاصفية، ولكن تبقى هذه الجهود محدودة، وهناك حاجة لتفعيلها بشكل أوسع ومنهجي أكثر، مشيرة إلى أن مشاركة أولياء الأمور في نشر الثقافة القانونية أمر ضروري، فهم يمثلون الامتداد التربوي للمدرسة في البيت، وإشراكهم يسهم في ترسيخ المفاهيم القانونية لدى الأبناء بشكل عملي، وتعزيز التواصل بين البيت والمدرسة حول القيم القانونية، ودعم سلوك الأبناء الإيجابي والمبني على احترام الأنظمة وتعزيزهم.
الوعي القانوني
يقول الدكتور أمجد بن حسن الحاج، أستاذ العمل الاجتماعي المشارك بجامعة السلطان قابوس: انطلاقا من مفهوم الثقافة الواسع، الذي يحمل في طياته كل الجوانب المادية والمعنوية من القيم والمعتقدات والسلوكيات والأدوات التي ترتبط بالإنسان والبيئة، يمكننا أن نعرف الثقافة القانونية في السياق التعليمي على أنها نشر الوعي بالقواعد والقوانين التي تنظم العلاقات بين الهيئة التدريسية والإدارية والطلبة في ضوء ثقافة المؤسسة التعليمية، من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها تعزيز الوعي بالحقوق والوجبات بين عناصر المؤسسة التعليمية؛ احترام القواعد والنظم المنظمة لعمل المؤسسات التعليمية؛ والحد من السلوكيات الخاطئة، وحماية القانون والمؤسسات التعليمية.
ويوضح الدكتور أن التنشئة القانونية في الصغر كالنقش على الحجر، فالمؤسسات التعليمية تلعب دورا هاما في تعزيز وترسيخ وحماية القانون لدى الطلبة، وبالأخص في مراحل التعليم المبكرة، وعليه يجب على المؤسسات التعليمية تعليم الطلبة القواعد والنظم والقوانين التي تساعدهم في بناء أنفسهم وأوطانهم من خلال إدماج الثقافة القانونية في المواد التعليمية بصورة تدريجية تساعد على نمو وتترسخ الوعي القانوني في المؤسسات التعليمية، الأمر الذي يؤدي إلى حماية واستقرار المجتمع في المستقبل، مشيرا إلى أنه عند غياب الثقافة القانونية يظهر الجهل بالقوانين مما يؤدي إلى ظهور السلوكيات الخاطئة التي تعيق عملية البناء واستقرار المجتمع وظهور الفوضى وانعدام الأمن، ومن هنا نؤكد على نشر الوعي القانوني في المراحل التعليمية المبكرة عبر المواد التدريسية والورش التعليمية والنشرات التوعوية.
كما يشير إلى أنه توجد هناك مناهج وأنشطة لتعزيز الثقافة القانونية، ولكن نحتاج دائما إلى المزيد نظرا للتطورات التي نشهدها في عالمنا المتغير نتيجة التطورات التكنولوجية التي ساهمت على نشر الثقافات المتعددة عبر المنصات الافتراضية، فاليوم نحن بأمس الحاجة إلى المواد التعليمية المتخصصة في نشر الثقافة القانونية في المؤسسات التعليمية حتى تمكن الجميع من فهم حقوقهم وواجباتهم اتجاه أنفسهم ومجتمعهم.
وحول دور البيئة المدرسية في تحفيز نقاش القوانين والمسؤوليات المدنية، أفاد: دور المدرسة مهم في تحقيق المعرفة من خلال الأساليب التربوية والتعليمية التي يتقنها المعلمون والتربويون، وفتح النقاش والحوارات يعد أحد الأساليب الضرورية التي يجب اتباعها في نشر الثقافة القانونية.
ويضيف: من أبرز التحديات التي تعيق نشر الثقافة القانونية في المدارس والجامعات هو غياب رؤية موحدة لنشر الوعي القانوني، فالمؤسسة التعليمية يجب أن تعمل المؤسسات الاجتماعية والقانونية والأمنية والعسكرية لتحقيق الثقافة القانونية، ويتمثل المعوق الثاني في غياب المناهج التعليمية المتخصصة حسب المراحل التعليمية المختلفة، فمثلا طلبة المراحل التعليمية المبكرة بحاجة إلى مواد تعليمية تتناسب مع إعمارهم وإدراكهم وهذا ينطبق على المراحل الأخرى، فالثقافة القانونية يجب أن تكون حاضرة في كل المراحل التعليمية في المدارس والجامعات، وثالث أهم تحد يتمثل في اختلاف الثقافات حول نظرتها إلى القانون، وللأسف بعض الثقافات تنظر للقانون على أنه وسيلة عقاب وليس تنظيم علاقات وحماية حقوق، وهذا من يدفع بعض الثقافات إلى رفض فكرة وجود القانون. وأخيرا ضعف الدعم المالي والمهني التخصصي يعدان من التحديات في نشر الوعي القانوني.
السلوكيات الخاطئة
وفي السياق ذاته تقول الدكتورة وفاء الشامسية، أكاديمية وباحثة متخصصة: غرس الثقافة القانونية في مرحلة التعليم المدرسي مهم وذلك من أجل بناء وعي مبكر يكتسب الطالب منذ صغره مفاهيم العدالة والمساواة واحترام القانون، مما يقلل من الانحرافات مستقبلاً، وتشكيل قيم مدنية تسهم في تنشئة جيل يقدر الحق العام ويحرص على الصالح العام، إضافة إلى تعزيز المسائلة، فيعي الطالب أن لكل فعل عواقب قانونية، فيصبح أكثر مسؤولية في تصرفاته.
وتضيف الدكتورة وفاء: تساهم الثقافة القانونية في بناء شخصية الطالب الواعي بحقوقه وواجباته، من خلال عدة طرق منها التعرف على الحقوق، فعندما يعرف الطالب حقوقه (كحق التعليم والحرية التعبيرية)، يطالب بها بطرق حضارية، كما يدرك الفرق بين الحق والواجب، فيحرص على أداء واجباته تجاه الأسرة والمدرسة والمجتمع، إلى جانب التعرف على التعرف القنوات القانونية للإبلاغ عن أي اعتداء أو ظلم، فيصبح فاعلا مدنيا نشطا، مبينة أن لنشر الوعي القانوني أثرا على تقليل السلوكيات الخاطئة داخل البيئة المدرسية، وذلك من خلال الحد من العنف والتنمر، فيفهم الطلبة أن التصرفات العدوانية قد تُحاسب قانونياً، فيتجنبونها، إضافة إلى تعليم الطلبة احترام الأنظمة المدرسية يُنظر إليه كتمهيد لاحترام القوانين الأوسع، مما يقلل الغياب والتأخير والتخريب.
وبينت أن هناك نماذج ناجحة لتجارب تعليم القانون في المدارس في سلطنة عُمان منها برامج التوعية المرورية بالتعاون مع الشرطة، حيث أطلقت بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم أكثر من 640 محاضرة وأنشطة توعوية داخل المدارس (الحكومية والأهلية)، تناولت قوانين السير والمرور وأهميتها في حماية الطالب داخل وخارج الحرم المدرسي، كما نظّمت 177 زيارة ميدانية إلى معاهد السلامة المرورية لتعريف الطلبة بقواعد السلامة القانونية على الطرق، كما تنفذ اللجنة العمانية لحقوق الإنسان برامج توعوية لتعريفهم بمبادئ حقوق الإنسان الأساسية كالمساواة، والكرامة، وعدم التمييز.
وحول أبرز المواقف التي تكشف عن ضعف الوعي القانوني لدى الطلبة أضافت الدكتورة وفاء: يعد الغش في الاختبارات كنسخ الأسئلة أو الإجابات دون مراعاة القوانين المدرسية والأكاديمية، وتخريب الممتلكات كرسم عبارات أو رموز على جدران المدرسة أو تكسير أدوات دون إدراك لمسؤولية التعويض، إلى جانب التنمر الإلكتروني ونشر صور أو معلومات شخصية للزملاء دون إذن، مما ينتهك خصوصيتهم من أكثر المواقف تكرارا.
التنسيق بين الجهات
ويقول المحامي أمير بن حسن الراشدي، محامي ابتدائي بمكتب للمحاماة والاستشارات القانونية: هناك جهود مبذولة لنشر الوعي القانوني بين الطلبة ولكنها غير كافية، وتفتقر المدارس إلى وجود مناهج تركز على الثقافة القانونية لدى الطلبة، بالرغم من ضرورة المعرفة القانونية حالياً، ولكنها تقتصر فقط على القوانين الأساسية التي تضمن حقوقهم وواجباتهم مثل قانون المرور أو حقوق الطفل، موضحا أن من أبرز القوانين التي يجب أن يلم بها الطلبة هي المتعلقة بتقنية المعلومات وبالابتزاز الإلكتروني وذلك لكثرة القضايا المنتشرة بصورة كبيرة بين أبناء المجتمع، ودعا إلى ضرورة التنسيق بين الجهات المعينة لعمل المحاضرات والدروس التوعوية المتعلقة بالثقافة القانونية، وذلك من أجل تفادي الظواهر السلبية.
مشيرا إلى أن هناك تحديات تواجهها المدارس كعدم وجود مناهج دراسية مختصة بالقوانين العمانية، كذلك قد تكون التحديات من خلال عدم إلمام الأسرة بالقوانين، وبالتالي تلعب الثقافة القانونية دورا كبيرا في تعزيز القيم الوطنية والانضباط المدرسي من خلال خلق شعور الإحساس بالمسؤولية لدى الطلبة وعدم التهاون أثناء فترة الدراسة.
-على الأسر دعم سلوك الأبناء الإيجابي وترسيخ الوعي القانوني
يمثل الإلمام بالثقافة القانونية لدى طلبة المدارس ضرورة ملحة خاصة مع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي وانتشار الجرائم الإلكترونية، بات من المهم تعزيز الوعي ونشره عبر تشارك مختلف الجهات المعينة.
وفي استطلاع أجرته 'عمان' حول هذا الموضوع، أوضح عدد من المختصين أهمية إدراج مناهج تربوية مختصة، إلى جانب إشراك أولياء الأمور في الشراكة المجتمعية من أجل بيئة داعمة ومتكاملة.
تقول إبتسام الشهومية، نائبة مديرة بمدرسة رؤى المستقبل للتعليم الأساسي: لا يمتلك الطلبة غالبا وعيا كافيا بالقوانين والحقوق، فمعظمهم يملكون معرفة محدودة بحقوقهم وواجباتهم، خصوصًا فيما يتعلق بالقوانين التي تمس حياتهم المدرسية واليومية، وتوجد حاجة ماسة إلى تعزيز هذا الوعي بطريقة مبسطة ومناسبة لأعمارهم، مشيرة إلى أنه يمكن نشر الثقافة القانونية في الأنشطة اليومية من خلال دمج مفاهيم الحقوق والواجبات في القصص والنقاشات الصفية، واستخدام مواقف يومية في المدرسة لتوضيح القوانين (مثل أهمية احترام النظام والانضباط)، إضافة إلى تنظيم أنشطة مثل المحاكم الصورية، والحوارات الصفية حول العدالة والمسؤولية، وإعداد لوحات حائطية أو نشرات مدرسية توعوية بسيطة ومباشرة، واستثمار حصص الاحتياط أو الأنشطة في تقديم مفاهيم قانونية بطريقة تفاعلية.
وتضيف: تمتلك المدرسة أدوات مثل المحاضرات أو الشراكات مع جهات قانونية لتثقيف الطلبة من خلال دعوة محامين أو ممثلين من جهات رسمية لتقديم محاضرات توعوية، والتعاون مع وزارة العدل أو الشرطة المجتمعية في تنظيم فعاليات توعوية، وإقامة أسابيع قانونية مدرسية تضم مسابقات وحلقات عمل، ولكن في بعض المدارس، هذه المبادرات ما تزال محدودة وتحتاج إلى تطوير واستمرارية، موضحة إلى أهمية إشراك أولياء الأمور في هذه العملية التوعوية، وذلك من خلال تعزيز التوعية القانونية في المنزل يكمل ما يُقدم في المدرسة، كما يساعد أولياء الأمور على أن يكونوا قدوة لأبنائهم في احترام القانون، إلى جانب أن إشراكهم يعزز من قيمة الشراكة المجتمعية ويضمن بيئة داعمة ومتكاملة، ويمكن لأولياء الأمور المساهمة من خلال حضور حلقات عمل توعوية أو المشاركة في برامج مجتمعية مدرسية.
وتوضح أروى بنت عيسى آل عبدالسلام -معلمة- من الملاحظ أن أغلب الطلبة لا يملكون وعيا كافيًا بالقوانين التي تنظم حياتهم داخل المدرسة أو في المجتمع، فهم يعرفون بعض القواعد السلوكية الأساسية البسيطة، لكنهم يفتقرون إلى الفهم العميق لحقوقهم وواجباتهم، مثل احترام النظام، والمسؤولية القانونية وغيرها من المفاهيم، مشيرة إلى أن المعلم يسهم بشكل كبير في نشر الوعي القانوني من خلال دمج المفاهيم القانونية ضمن الأنشطة اليومية، وذلك بطرق بسيطة منها طرح مواقف صفية افتراضية ومناقشتها قانونيا، وإدخال مفاهيم مثل العدالة والحقوق ضمن دروس المواد أو النقاشات الصفية، إضافة إلى استخدام الإذاعة المدرسية لطرح فقرات توعوية قانونية، وربط السلوكيات اليومية بالقوانين مثل احترام الدور أو أهمية الالتزام بالأنظمة.
وتضيف: بعض المدارس بدأت بالفعل باتخاذ خطوات جيدة في هذا المجال، مثل تنظيم محاضرات أو حلقات توعوية يقدمها مختصون في القانون، وإدراج التوعية القانونية ضمن البرامج اللاصفية، ولكن تبقى هذه الجهود محدودة، وهناك حاجة لتفعيلها بشكل أوسع ومنهجي أكثر، مشيرة إلى أن مشاركة أولياء الأمور في نشر الثقافة القانونية أمر ضروري، فهم يمثلون الامتداد التربوي للمدرسة في البيت، وإشراكهم يسهم في ترسيخ المفاهيم القانونية لدى الأبناء بشكل عملي، وتعزيز التواصل بين البيت والمدرسة حول القيم القانونية، ودعم سلوك الأبناء الإيجابي والمبني على احترام الأنظمة وتعزيزهم.
الوعي القانوني
يقول الدكتور أمجد بن حسن الحاج، أستاذ العمل الاجتماعي المشارك بجامعة السلطان قابوس: انطلاقا من مفهوم الثقافة الواسع، الذي يحمل في طياته كل الجوانب المادية والمعنوية من القيم والمعتقدات والسلوكيات والأدوات التي ترتبط بالإنسان والبيئة، يمكننا أن نعرف الثقافة القانونية في السياق التعليمي على أنها نشر الوعي بالقواعد والقوانين التي تنظم العلاقات بين الهيئة التدريسية والإدارية والطلبة في ضوء ثقافة المؤسسة التعليمية، من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها تعزيز الوعي بالحقوق والوجبات بين عناصر المؤسسة التعليمية؛ احترام القواعد والنظم المنظمة لعمل المؤسسات التعليمية؛ والحد من السلوكيات الخاطئة، وحماية القانون والمؤسسات التعليمية.
ويوضح الدكتور أن التنشئة القانونية في الصغر كالنقش على الحجر، فالمؤسسات التعليمية تلعب دورا هاما في تعزيز وترسيخ وحماية القانون لدى الطلبة، وبالأخص في مراحل التعليم المبكرة، وعليه يجب على المؤسسات التعليمية تعليم الطلبة القواعد والنظم والقوانين التي تساعدهم في بناء أنفسهم وأوطانهم من خلال إدماج الثقافة القانونية في المواد التعليمية بصورة تدريجية تساعد على نمو وتترسخ الوعي القانوني في المؤسسات التعليمية، الأمر الذي يؤدي إلى حماية واستقرار المجتمع في المستقبل، مشيرا إلى أنه عند غياب الثقافة القانونية يظهر الجهل بالقوانين مما يؤدي إلى ظهور السلوكيات الخاطئة التي تعيق عملية البناء واستقرار المجتمع وظهور الفوضى وانعدام الأمن، ومن هنا نؤكد على نشر الوعي القانوني في المراحل التعليمية المبكرة عبر المواد التدريسية والورش التعليمية والنشرات التوعوية.
كما يشير إلى أنه توجد هناك مناهج وأنشطة لتعزيز الثقافة القانونية، ولكن نحتاج دائما إلى المزيد نظرا للتطورات التي نشهدها في عالمنا المتغير نتيجة التطورات التكنولوجية التي ساهمت على نشر الثقافات المتعددة عبر المنصات الافتراضية، فاليوم نحن بأمس الحاجة إلى المواد التعليمية المتخصصة في نشر الثقافة القانونية في المؤسسات التعليمية حتى تمكن الجميع من فهم حقوقهم وواجباتهم اتجاه أنفسهم ومجتمعهم.
وحول دور البيئة المدرسية في تحفيز نقاش القوانين والمسؤوليات المدنية، أفاد: دور المدرسة مهم في تحقيق المعرفة من خلال الأساليب التربوية والتعليمية التي يتقنها المعلمون والتربويون، وفتح النقاش والحوارات يعد أحد الأساليب الضرورية التي يجب اتباعها في نشر الثقافة القانونية.
ويضيف: من أبرز التحديات التي تعيق نشر الثقافة القانونية في المدارس والجامعات هو غياب رؤية موحدة لنشر الوعي القانوني، فالمؤسسة التعليمية يجب أن تعمل المؤسسات الاجتماعية والقانونية والأمنية والعسكرية لتحقيق الثقافة القانونية، ويتمثل المعوق الثاني في غياب المناهج التعليمية المتخصصة حسب المراحل التعليمية المختلفة، فمثلا طلبة المراحل التعليمية المبكرة بحاجة إلى مواد تعليمية تتناسب مع إعمارهم وإدراكهم وهذا ينطبق على المراحل الأخرى، فالثقافة القانونية يجب أن تكون حاضرة في كل المراحل التعليمية في المدارس والجامعات، وثالث أهم تحد يتمثل في اختلاف الثقافات حول نظرتها إلى القانون، وللأسف بعض الثقافات تنظر للقانون على أنه وسيلة عقاب وليس تنظيم علاقات وحماية حقوق، وهذا من يدفع بعض الثقافات إلى رفض فكرة وجود القانون. وأخيرا ضعف الدعم المالي والمهني التخصصي يعدان من التحديات في نشر الوعي القانوني.
السلوكيات الخاطئة
وفي السياق ذاته تقول الدكتورة وفاء الشامسية، أكاديمية وباحثة متخصصة: غرس الثقافة القانونية في مرحلة التعليم المدرسي مهم وذلك من أجل بناء وعي مبكر يكتسب الطالب منذ صغره مفاهيم العدالة والمساواة واحترام القانون، مما يقلل من الانحرافات مستقبلاً، وتشكيل قيم مدنية تسهم في تنشئة جيل يقدر الحق العام ويحرص على الصالح العام، إضافة إلى تعزيز المسائلة، فيعي الطالب أن لكل فعل عواقب قانونية، فيصبح أكثر مسؤولية في تصرفاته.
وتضيف الدكتورة وفاء: تساهم الثقافة القانونية في بناء شخصية الطالب الواعي بحقوقه وواجباته، من خلال عدة طرق منها التعرف على الحقوق، فعندما يعرف الطالب حقوقه (كحق التعليم والحرية التعبيرية)، يطالب بها بطرق حضارية، كما يدرك الفرق بين الحق والواجب، فيحرص على أداء واجباته تجاه الأسرة والمدرسة والمجتمع، إلى جانب التعرف على التعرف القنوات القانونية للإبلاغ عن أي اعتداء أو ظلم، فيصبح فاعلا مدنيا نشطا، مبينة أن لنشر الوعي القانوني أثرا على تقليل السلوكيات الخاطئة داخل البيئة المدرسية، وذلك من خلال الحد من العنف والتنمر، فيفهم الطلبة أن التصرفات العدوانية قد تُحاسب قانونياً، فيتجنبونها، إضافة إلى تعليم الطلبة احترام الأنظمة المدرسية يُنظر إليه كتمهيد لاحترام القوانين الأوسع، مما يقلل الغياب والتأخير والتخريب.
وبينت أن هناك نماذج ناجحة لتجارب تعليم القانون في المدارس في سلطنة عُمان منها برامج التوعية المرورية بالتعاون مع الشرطة، حيث أطلقت بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم أكثر من 640 محاضرة وأنشطة توعوية داخل المدارس (الحكومية والأهلية)، تناولت قوانين السير والمرور وأهميتها في حماية الطالب داخل وخارج الحرم المدرسي، كما نظّمت 177 زيارة ميدانية إلى معاهد السلامة المرورية لتعريف الطلبة بقواعد السلامة القانونية على الطرق، كما تنفذ اللجنة العمانية لحقوق الإنسان برامج توعوية لتعريفهم بمبادئ حقوق الإنسان الأساسية كالمساواة، والكرامة، وعدم التمييز.
وحول أبرز المواقف التي تكشف عن ضعف الوعي القانوني لدى الطلبة أضافت الدكتورة وفاء: يعد الغش في الاختبارات كنسخ الأسئلة أو الإجابات دون مراعاة القوانين المدرسية والأكاديمية، وتخريب الممتلكات كرسم عبارات أو رموز على جدران المدرسة أو تكسير أدوات دون إدراك لمسؤولية التعويض، إلى جانب التنمر الإلكتروني ونشر صور أو معلومات شخصية للزملاء دون إذن، مما ينتهك خصوصيتهم من أكثر المواقف تكرارا.
التنسيق بين الجهات
ويقول المحامي أمير بن حسن الراشدي، محامي ابتدائي بمكتب للمحاماة والاستشارات القانونية: هناك جهود مبذولة لنشر الوعي القانوني بين الطلبة ولكنها غير كافية، وتفتقر المدارس إلى وجود مناهج تركز على الثقافة القانونية لدى الطلبة، بالرغم من ضرورة المعرفة القانونية حالياً، ولكنها تقتصر فقط على القوانين الأساسية التي تضمن حقوقهم وواجباتهم مثل قانون المرور أو حقوق الطفل، موضحا أن من أبرز القوانين التي يجب أن يلم بها الطلبة هي المتعلقة بتقنية المعلومات وبالابتزاز الإلكتروني وذلك لكثرة القضايا المنتشرة بصورة كبيرة بين أبناء المجتمع، ودعا إلى ضرورة التنسيق بين الجهات المعينة لعمل المحاضرات والدروس التوعوية المتعلقة بالثقافة القانونية، وذلك من أجل تفادي الظواهر السلبية.
مشيرا إلى أن هناك تحديات تواجهها المدارس كعدم وجود مناهج دراسية مختصة بالقوانين العمانية، كذلك قد تكون التحديات من خلال عدم إلمام الأسرة بالقوانين، وبالتالي تلعب الثقافة القانونية دورا كبيرا في تعزيز القيم الوطنية والانضباط المدرسي من خلال خلق شعور الإحساس بالمسؤولية لدى الطلبة وعدم التهاون أثناء فترة الدراسة.