عُمان الاقتصادي

افتتاحية: البحر في ميزان السوق

 
لطالما ظلت المحيطات مصدرا يُنظر إليه بإعجاب جغرافي أكثر منه برؤية اقتصادية، واليوم يعيد العالم النظر في هذه الزُرقة الواسعة بوصفها أحد أعمدة النمو المستدام، ومخزونا استراتيجيا لثروات لم تُستغل بعد، ومع تصاعد التحديات البيئية والضغوط على الموارد التقليدية، يبرز الاقتصاد الأزرق كمفهوم متجدد لا يكتفي بالحفاظ على البيئة البحرية، بل ويسهم في إعادة تعريف معنى القيمة الاقتصادية من منظور أكثر توازنا واستدامة.

ويُظهر المشهد العالمي اليوم سباقًا متسارعًا نحو المياه، فنرى استثمارات ضخمة تُضَخ في موانئ ذكية، وأبحاثا متقدمة تطور استخدام الطحالب في الغذاء والصناعة، وتقنيات حديثة تستخرج الطاقة من حركة الأمواج وغيرها الكثير، ومع تزايد الحاجة إلى التنويع الاقتصادي، باتت المحيطات مصدرًا محتملًا للثروة يتجاوز في قيمته الكثير من الموارد التقليدية.

وضمن هذا الحراك العالمي، تمثّل سلطنة عُمان نموذجًا لبلدٍ يمتلك مقومات الاقتصاد الأزرق ويعمل على تفعيلها بخطى استراتيجية، حيث أطلقت حزمة من المشاريع في الاستزراع السمكي والصناعات البحرية التحويلية، وركّزت على تطوير موانئ الصيد، وتمكين الكوادر الوطنية للمشاركة في هذا التحول، وذلك انسجامًا مع «رؤية عُمان 2040» التي تضع التنمية الزرقاء ضمن أولوياتها الاقتصادية والبيئية.

وتتّسع رقعة الاقتصاد القائم على المحيطات لتشمل قطاعات ذات قيمة مضافة عالية كالبنية التحتية الساحلية، والطاقة المتجددة البحرية، والموانئ الذكية، والاستزراع المائي، والنقل البحري النظيف، وتشير تقديرات حديثة إلى أن القيمة السنوية لهذه القطاعات قد تتجاوز 3.2 تريليون دولار بحلول عام 2030، غير أن هذا النمو ما زال يواجه فجوة تمويلية مقلقة، إذ لم تتجاوز الاستثمارات الموجهة للاستدامة البحرية 13 مليار دولار خلال عقد كامل، معظمها من المساعدات الرسمية في ظل غياب واضح للقطاع الخاص.

وفي هذا العدد، نفتح ملف الاقتصاد الأزرق من زوايا عدة، تناقش الفرص والتحديات، والأبعاد الاستثمارية والتقنية، وارتباطه بالأمن البحري والمناخي، وقيمته كأفق اقتصادي مستقبلي، كما يسلط العدد الضوء على موضوعات اقتصادية منوعة منها التحويلات الأجنبية وهجرة العقول وما تطرحه من إشكالات وفرص، وقراءة في أهمية الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية في جذب الاستثمارات وتعزيز الحضور الدولي، وملف فكري حول الأثر السلبي للنوستالجيا حين تتحول من حنين إلى الماضي إلى عبء على صانع القرار الاقتصادي، وغيرها..

رحمة الكلبانية محررة الملحق