البحر في قلب الجغرافيا الاقتصادية الجديدة
الأربعاء / 20 / محرم / 1447 هـ - 10:05 - الأربعاء 16 يوليو 2025 10:05
بلغت العولمة نهايتها، وقد كانت تتسم بالسعي الحثيث إلى أرخص تكاليف الإنتاج حتى في أراضي الدول المنافسة. ولكن هذا لا يعني توقف التجارة والتبادل العالميين أو تباطؤهما. فعلى العكس من ذلك، لا يزال التفاعل والترابط العالميان أساسا للسلام والرخاء. وإلى حد كبير سوف يتشكل بنيان الاقتصاد والأمن العالمي في المستقبل بفعل الترابط المتنوع والمرن والمضمون بين منطقة المحيطين الهندي والهادي (المنطقة الهندهادية) ومنطقة البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي.
ولقد عرض رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي رؤية مفصلة لـ«منطقة هندهادية حرة منفتحة»، غير خاضعة لأي مجال نفوذ قسري. ومن فضائل صفتي الانفتاح والحرية أنهما قابلتان للتكيف مع أي خصائص مناطقية. فأغلب الشعوب تطمح إلى العيش في مجتمعات حرة ومنفتحة، محققة الرخاء من خلال أسواق حرة ومنفتحة. وقد تفسر بعض الدول والمناطق مفهوم الحرية والانفتاح باعتباره حالة إيجابية ومعيارية من الوجود. وأخرى قد تفسرها في الأساس باعتبارها عدم التعرض لقهر الفاعلين الفاسدين.
ويقوم الترابط المضمون من خلال البنيتين الأساسيتين الرقمية والمادية على عمادين. فهو يتطلب تنفيذ أفضل معايير الصناعة، وأهم من ذلك أنه يتطلب حكم القانون والمؤسسات التي تتسق مع كرامة الفرد وحريته وتخضع للمحاسبة. وبلاد من قبيل الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية تعجز بوضوح عن توفير العماد الثاني. لكن البلاد الملتزمة بكلا عمادي الترابط المضمون سوف تزيد من وضع القواعد والإجراءات التي تعلي أولوية التفاعلات التجارية والأمنية المضمونة بين الشعوب متشابهة العقليات.
وليس إطار الترابط «الحر المنفتح» بالنموذج الثابت الصالح للجميع، بل إنه يستمد قوته ومرونته عضويا من سمات ووجهات نظر مناطقية مشتركة دائمة التطور. ومن الثيمات المشتركة بين مختلف التنويعات المناطقية إعلاء السيادة والاستقلال الذاتي الاستراتيجي، بلا ضغوط من أصحاب النفوذ في المناطق المختلفة.
إعادة مد الطرق القديمة
في السنوات الأخيرة، نشهد إعادة إحياء للمسارات التاريخية التي مرت بها التبادلات التجارية والثقافية لقرون، ليبث ذلك طاقة جديدة في فضاءات العالم الحرة المنفتحة. فعلى سبيل المثال، تتوجه الأنظار والاهتمام الآن إلى المسارات البحرية الهندمتوسطية التي تربط نقاطا عديدة في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. وفي فترة ذروة الإمبراطورية الرومانية، كان قرابة ثلث عائداتها السنوية يأتي من الرسوم الجمركية على التجارة مع الهند وبلاد فارس. والحق أن أكبر تركيز للعملات الرومانية ـ خارج أراضي الإمبراطورية السابقة ـ كان موجودا في شبه القارة الهندية، وذلك ما يشهد على ما كان من ازدهار وعمق في الترابط بينهما.
لقد كانت الهند تمثل ـ على مدى أغلب الألفيتين الأوليين ـ ما بين ربع وثلث الثروة العالمية، وكانت هذه الثروة حافزا للتبادل الهندمتوسطي. ويطرح كتاب «الطريق الذهبي» الصادر في عام 2024 لوليم دالريمبل وصفا حيا للتجارة الهندرومانية والهندآسيوية التي ازدهرت خلال الحقبة الكلاسيكية والعصور الوسيطة.
وها هي الهند مرة أخرى ـ وهي أسرع اقتصادات العالم الضخمة نموا وثالث أضخم الاقتصادات بحلول عام 2030 ـ في موضع يسمح بدفع التبادل مع غرب آسيا وأوروبا وإطلاق «طريق ذهبي جديد». وفي عام 2023، خلال رئاسة الهند لمجموعة العشرين، أطلقت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيطاليا وألمانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والهند الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC). وترمي هذه المبادرة الواعدة إلى تحفيز التبادل وترابط المواصلات عبر الشرق الأوسط بعيدا عن قناة السويس من خلال إقامة طريق تكميلي وشبكة سكك حديدية عبر شبه الجزيرة العربية.
ومن المرجح أن يحفز هذا العراق وتركيا على مثله في محاذاة حوض نهر الفرات والبحر الأبيض المتوسط. ولقد تسنت مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بسبب التقارب الدبلوماسي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة من خلال الاتفاقات الإبراهيمية. وقد يشمل هذا الفتح الإقليمي المملكة العربية السعودية في المستقبل القريب بما يزيد من قوة الروابط التجارية بين منطقتي الخليج والبحر المتوسط.
قد يطرح وجود طريق مكتمل للتجارة الهندمتوسطية فرصة استثنائية للنمو الاقتصادي والرخاء لشعوب الأردن وإسرائيل وفلسطين بما هم عليه من ارتباط وبما يشتركون فيه من تاريخ وطموحات. والتقارب بين إيران وإسرائيل ـ برغم أنه قد يبدو بعيد المنال ـ سيكون عنصرا تاريخيا لتغيير قواعد اللعب بالنسبة لتنامي التبادل والتجارة الهندمتوسطيين.
تشترك بولندا ـ وهي أكبر اقتصادات أوروبا سريعة النمو ـ في مصالح جوهرية مع دول أخرى في وسط وشرق أوروبا من خلال تحسين الترابط الشمالي-الجنوبي بين بحر البلطيق والبحر الأدرياتيكي. ومن خلال ذلك، يمكن إعادة إحياء طريق العنبر الذي ارتحل عليه الفايكنج والرابطة الهانزية طوال العصور الوسطى. وتتأكد الأهمية الاقتصادية لتحديث البنيتين الأساسيتين المادية والرقمية بين البحرين بمتطلبات أمنية للحشد العسكري على طول جبهة الناتو من البلطيق إلى البحر الأسود.
بحر البلطيق الشمالي مؤهل للقيام بدور محوري في ربط المنطقة الهندمتوسطية المنبعثة بوسط أوروبا وشرقها، بما يحقق أثرا تراكميا استثنائيا بالتبعية. وثمة متغيران آخران قد يعززان هذا الأثر. الأول، أن هناك تقاربا متزايدا في المصالح التجارية والأمنية بين منطقة البلطيق ومنطقة القطب الشمالي عبر (الشمال الحر) الذي يشمل فنلندا وآيسلندا وجرينلاند وأمريكا الشمالية. والثاني، هو ممر آسيا الوسطى والقوقاز وأوروبا وهو نتيجة طبيعية للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا لإحياء الصلات التجارية والثقافية التاريخية في القارة الأورآسيوية التي ازدهرت في أغلب الألفية الثانية. والمتغير الثاني يولي أهمية كبيرة لضمان انفتاح البحر الأسود الذي يربط أوروبا بالقوقاز عبر بحر قزوين ووسط آسيا.
وسوف يؤدي الالتقاء بين «الذهبي» (الهندمتوسطي) و«العنبر» (بين البلطيق والأديراتيكي) و«الحرير» (وسط آسيا والقوقاز) إلى دمج الفضاءات الحرة المنفتحة من منطقة المحيطين الهندي والهادي إلى الأطلنطي.
ربط (الهندهادي) بـ(المتوسط - الأطلنطي)
سوف يتشكل المستقبل بازدياد الترابط بين الفضاءات الحرة المنفتحة في المنطقة الهندهادية ومنطقة المتوسط الأطلنطي، ومن جزر المحيط الهادي إلى الكاريبي. وبوسع ثلاثة مشاريع جيوسياسية أن تحقق هذا: الرباعية (Quad)، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وميثاق الأطلسي الجديد. ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تلعب دور القوة الدافعة للمشاريع الثلاثة، فتوثق الروابط بين المناطق وتحفز هذا التحول.
من المرجح أن تتطور الرباعية من شراكة غير رسمية إلى جهاز مؤسسي قادر على أن يحافظ على استقلال المنطقة الهندهادية ويعززها. وبدافع المصلحة الجماعية القوية، فإن الرباعية ماضية في منحنى التحول إلى مؤسسة دائمة في «العالم القديم المتجدد» الناشئ. وقد آتت الشراكة ثمارها بالفعل، فمنها الرد الجماعي على جائحة كوفيد 19، وتحسين التنسيق في إشراك دول الأسيان ودول جزر المحيط الهادئ وتوفير الأمن والتنمية في أنحاء المحيط الهندي.
وللرباعية في السياسة الخارجية الأمريكية أهمية تتجاوز الحزبين والإدارات. فكانت من أولى خطوات إدارة ترامب الثانية، استضافة اجتماع لوزراء خارجية الرباعية برئاسة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو. وتحرص الرباعية على التعامل مع الدول ذات العقلية المماثلة في نادى (الرباعية بلاس) Quad-Plus club ويضم بلادا من قبيل إندونيسيا ونيوزيلندا وبابوا غينيا الجديدة والفلبين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وفيتنام.
أما الأعضاء الثماني في الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ـ وهم الاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإيطاليا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية ـ وبالتنسيق مع مصر وإسرائيل وتركيا، فمن المقرر أن تؤكد أهمية المنطقة الهندمتوسطية بوصفها ممرا اقتصاديا أمنيا أساسيا يربط فضائي آسيا وأوروبا الحرين المنفتحين. ومن المصلحة الاقتصادية والأمنية لكل دولة موقعة على الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أن تستثمر في تحقيق أقصى نجاح لهذه المبادرة. فضلا عن أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يتيح فرصة استثنائية للدول الأفريقية كي تدمج اقتصاداتها الناشئة في أحد أضخم ممرات اقتصادية وأكثرها حيوية في العالم.
يقدم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا دفعة جيدة التوقيت للساحل الشرقي الأفريقي لإحياء تجارته البحرية التاريخية مع الهند ودول الخليج. ومثلما سبق القول، يقدم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا دعما لنمو وسط أوروبا وشرقها، وكذلك ممر وسط آسيا-القوقاز أوروبا الاقتصادي المنبعث، من المهم أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يؤكد الحاجة إلى حماية البحر الأسود والحفاظ لا على سلامة شرق المتوسط والتجارة عبر بحر قزوين وحسب وإنما على آفاق إعادة إعمار أوكرانيا وإعادة دمجها في الاقتصاد العالمي.
يوسِّع ازدهار المنطقة الهندمتوسطية حملة الفضاءات الحرة المنفتحة من مضيق ملقا إلى قناة بنما. ويتضافر اقتصاد إيطاليا ومستقبلها الأمني بشكل مباشر مع حرية وانفتاح المنطقة الهندمتوسطية. وبالمثل، تكمل هذه الرؤية بصورة وثيقة تبادل الهند التجاري الناشئ مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل وأوروبا، وكذلك جهودها لإقامة شبكة طرق وسكك حديدية إلى فيتنام، واستراتيجيتها في المحيط الهندي وأفريقيا. وتبدي اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان أيضا الحرص على زيادة انخراطها مع أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
نموذج حر ومنفتح
يحتاج العالم إلى نموذج عملي ومرن لاجتياز العصر الجديد التالي لعصر العولمة الجامحة، بينما تنخرط القوى الكبرى في لعبة كبرى جديدة. فماذا تفعل بقية العالم بينما تتنافس القوى الكبرى؟
لا تملك الولايات المتحدة وخصماها، أي الصين وروسيا، القوة والنفوذ اللازمين لتقسيم العالم في ما بينها إلى مناطق نفوذ خاصة. وبدلا من ذلك، تظهر من جديد المسارات التقليدية التي ربطت الكتلة الأرضية الأوروآسيوية ببقية العالم.
بدلا من محاربة (الجغرافيا القديمة) الجديدة، ينبغي على الدول الحرة، من قبيل مجموعة الدول السبع الكبرى، أن تدفع العالم قدما، ففي نهاية المطاف، سوف يستفيد الجميع من منع الانزلاق إلى الممارسات الوحشية للإمبريالية أو الانعزالية القديمة. فالقيادة المستنيرة الحكيمة لا تدعو إلى دفع العالم نحو رؤية تقدمية دافوسية أو إلى نزعة تجارية تعديلية كالتي تروجها الصين، وإنما إلى نهج أكثر انضباطا وتكاملا إلى التطلعات والروابط الإقليمية.
لا يجب أن تكتفي سياسة الولايات المتحدة بدعم هذه الجهود بل يجب أن تقيم الهياكل المؤسسية التي تزيدها قوة، لتنشأ سلاسل توريد أكثر مرونة وأمنا وتنوعا، وكذلك المزيد من الفرص التجارية.
فضلا عن أن ترابط الفضاءات يعزز الأمن العالمي بتقليله فرص قوى الاضطرابات في السيطرة على المشتركات العالمية وتفكيكها، أو توفير نقاط اختناق استراتيجية، أو الاستيلاء على موارد طاقة وخامات وسلاسل توريد حيوية، وقدرة تصنيعية. والترابط الحر المنفتح بديلا للتنافس المناطقي، حيث ينبع الأمن من مقاومة التحالفات المتصلبة، وحيث تتيح الروابط المشتركة الحرة المنفتحة المحققة للرخاء المشترك استقلالية للدول في تحديد مستقبلها، بعيدا عن ضغوط التنافس بين القوى الكبرى.
والتواصل عبر المساحات الحرة المنفتحة يعزز القيادة المستنيرة التي تتيح فرصة معززة للازدهار البشري، بما يسمح للشعوب بالتمتع بثمار الحرية، بعيدا عن الإمبريالية أو العولمة.
خلافا للوعود التي لم تف بها العولمة ومبادرة الحزام والطريق، لا تقدم الفضاءات الحرة المنفتحة وعودا بنظام جديد قائم على القواعد، ولا تعد بيوتوبيا. لكن ما يمكنها عمله هو أنها تتيح للأمم الحرة ذات السيادة مزيدا من المساحة لاتخاذ قراراتها. فالدول التي تعلي من أولوية الحكم والانفتاح الفعالين هي التي ستجني أعظم الفوائد.
بناء جسور الفضاءات الحرة المنفتحة
حان الوقت للتفكير إبداعيا في كيفية تحقيق زخم وتعاون في المبادرات المناطقية المطروحة، باستعمال أطر دولية جديدة كلما اقتضى الأمر. ويتطلب هذا تأسيس شراكات مستدامة تتجاوز التعاون العسكري وتشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، من الأرجنتين إلى كوريا الجنوبية. والمهم، أن هناك داعيا ضروريا لإشراك إفريقيا وأمريكا اللاتينية ودمجهما في الروابط الناشئة بين الفضاءات الحرة المنفتحة عبر المنطقتين الهندهادية والهندمتوسطية.
حان الوقت لأن تمثل المؤسسات الدولية مصالح المنطقة الهندهادية وترابطها مع البحر المتوسط. ويجب أن تبدأ بتحويل مجموعة السبعة إلى مجموعة العشرة بضم الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية بأثر فوري. فمجموعة العشرة أفضل تمثيلا للمنطقتين الهندهادية والهندمتوسطية، بالتساوي في عدد الدول الديمقراطية الليبرالية من كل منطقة: فالمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا من منطقة المتوسط الأطلنطي، واليابان والهند وأستراليا وكوريا الجنوبية من المنطقة الهندهادية، مع انتماء الولايات المتحدة وكندا إلى كلتا المنطقتين.
وثمة حاجة إلى تجمع أكثر تركيزا والتزاما وذكاء لقوى العالم الاقتصادية الأربع الأساسية ـ أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والهند ـ وذلك لضمان المصالح الاقتصادية الأمنية الجماعية. والمصالح الأمنية الاقتصادية الجماعية لمجموعة الأربعة الجديدة هذه ـ وهي رباعية اقتصادية أمنية عالمية ـ تستوجب سلاسل توريد مضمونة بين المنطقتين الهندهادية والهندمتوسطية.
يمثل إطارا مجموعتي الأربعة والعشرة الجديدان خطي جهد مزدوجين يحفزان الترابط المضمون. وذلك، أولا، بتعزيز التقنيات الجديدة، من قبيل اتصالات الأقمار الصناعية المدعومة بالغواصات، لدفع الاقتصادات الرقمية في الفضاءات الحرة المنفتحة. وثانيا، بالتنسيق بين مؤسسات التمويل التنموي المعنية للاستفادة من رأس المال السوقي في استثمارات البنية الأساسية بما يعزز التواصل المضمون بين الفضاءات الحرة المنفتحة. وثالثا، بدعم منتديات للجهات الإقليمية الفاعلة كي تعرض وتوضح وتجسد فضاءات حرة منفتحة ذات خصائص وسمات محلية.
توفر الفضاءات الحرة المنفتحة مع الترابط المضمون استراتيجية بديلة للدول متماثلة العقليات كي تحقق الحرية والرخاء والأمن في عالمنا الحديث المفتت، وتجتنب فكرة النظر إلى الجغرافيا السياسية من منظور الكتل المتنافسة ومجالات النفوذ الصلبة، والتنافس بين القوى العظمى. ومن مصلحة أمريكا أن تتبع نهجا استباقيا يعيد إرساء مسارات التجارة والتواصل التاريخية، بعد أن مزقتها حروب القرن العشرين وتنافساته، وبوسعها أن تربط الدول الحرة في عصرنا الحديث.
كاوش آرها رئيس منتدى المحيطين الهندي والهادئ الحر والمفتوح، وزميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي ومعهد كراتش للدبلوماسية التقنية.
جيمس جاي كارافانو خبير رائد في تحديات الأمن القومي والسياسة الخارجية، والمستشار الأول للرئيس وزميل إي دبليو ريتشاردسون في مؤسسة هيريتدج.
ذي ناشونال إنتريست
ولقد عرض رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي رؤية مفصلة لـ«منطقة هندهادية حرة منفتحة»، غير خاضعة لأي مجال نفوذ قسري. ومن فضائل صفتي الانفتاح والحرية أنهما قابلتان للتكيف مع أي خصائص مناطقية. فأغلب الشعوب تطمح إلى العيش في مجتمعات حرة ومنفتحة، محققة الرخاء من خلال أسواق حرة ومنفتحة. وقد تفسر بعض الدول والمناطق مفهوم الحرية والانفتاح باعتباره حالة إيجابية ومعيارية من الوجود. وأخرى قد تفسرها في الأساس باعتبارها عدم التعرض لقهر الفاعلين الفاسدين.
ويقوم الترابط المضمون من خلال البنيتين الأساسيتين الرقمية والمادية على عمادين. فهو يتطلب تنفيذ أفضل معايير الصناعة، وأهم من ذلك أنه يتطلب حكم القانون والمؤسسات التي تتسق مع كرامة الفرد وحريته وتخضع للمحاسبة. وبلاد من قبيل الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية تعجز بوضوح عن توفير العماد الثاني. لكن البلاد الملتزمة بكلا عمادي الترابط المضمون سوف تزيد من وضع القواعد والإجراءات التي تعلي أولوية التفاعلات التجارية والأمنية المضمونة بين الشعوب متشابهة العقليات.
وليس إطار الترابط «الحر المنفتح» بالنموذج الثابت الصالح للجميع، بل إنه يستمد قوته ومرونته عضويا من سمات ووجهات نظر مناطقية مشتركة دائمة التطور. ومن الثيمات المشتركة بين مختلف التنويعات المناطقية إعلاء السيادة والاستقلال الذاتي الاستراتيجي، بلا ضغوط من أصحاب النفوذ في المناطق المختلفة.
إعادة مد الطرق القديمة
في السنوات الأخيرة، نشهد إعادة إحياء للمسارات التاريخية التي مرت بها التبادلات التجارية والثقافية لقرون، ليبث ذلك طاقة جديدة في فضاءات العالم الحرة المنفتحة. فعلى سبيل المثال، تتوجه الأنظار والاهتمام الآن إلى المسارات البحرية الهندمتوسطية التي تربط نقاطا عديدة في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. وفي فترة ذروة الإمبراطورية الرومانية، كان قرابة ثلث عائداتها السنوية يأتي من الرسوم الجمركية على التجارة مع الهند وبلاد فارس. والحق أن أكبر تركيز للعملات الرومانية ـ خارج أراضي الإمبراطورية السابقة ـ كان موجودا في شبه القارة الهندية، وذلك ما يشهد على ما كان من ازدهار وعمق في الترابط بينهما.
لقد كانت الهند تمثل ـ على مدى أغلب الألفيتين الأوليين ـ ما بين ربع وثلث الثروة العالمية، وكانت هذه الثروة حافزا للتبادل الهندمتوسطي. ويطرح كتاب «الطريق الذهبي» الصادر في عام 2024 لوليم دالريمبل وصفا حيا للتجارة الهندرومانية والهندآسيوية التي ازدهرت خلال الحقبة الكلاسيكية والعصور الوسيطة.
وها هي الهند مرة أخرى ـ وهي أسرع اقتصادات العالم الضخمة نموا وثالث أضخم الاقتصادات بحلول عام 2030 ـ في موضع يسمح بدفع التبادل مع غرب آسيا وأوروبا وإطلاق «طريق ذهبي جديد». وفي عام 2023، خلال رئاسة الهند لمجموعة العشرين، أطلقت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيطاليا وألمانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والهند الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC). وترمي هذه المبادرة الواعدة إلى تحفيز التبادل وترابط المواصلات عبر الشرق الأوسط بعيدا عن قناة السويس من خلال إقامة طريق تكميلي وشبكة سكك حديدية عبر شبه الجزيرة العربية.
ومن المرجح أن يحفز هذا العراق وتركيا على مثله في محاذاة حوض نهر الفرات والبحر الأبيض المتوسط. ولقد تسنت مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بسبب التقارب الدبلوماسي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة من خلال الاتفاقات الإبراهيمية. وقد يشمل هذا الفتح الإقليمي المملكة العربية السعودية في المستقبل القريب بما يزيد من قوة الروابط التجارية بين منطقتي الخليج والبحر المتوسط.
قد يطرح وجود طريق مكتمل للتجارة الهندمتوسطية فرصة استثنائية للنمو الاقتصادي والرخاء لشعوب الأردن وإسرائيل وفلسطين بما هم عليه من ارتباط وبما يشتركون فيه من تاريخ وطموحات. والتقارب بين إيران وإسرائيل ـ برغم أنه قد يبدو بعيد المنال ـ سيكون عنصرا تاريخيا لتغيير قواعد اللعب بالنسبة لتنامي التبادل والتجارة الهندمتوسطيين.
تشترك بولندا ـ وهي أكبر اقتصادات أوروبا سريعة النمو ـ في مصالح جوهرية مع دول أخرى في وسط وشرق أوروبا من خلال تحسين الترابط الشمالي-الجنوبي بين بحر البلطيق والبحر الأدرياتيكي. ومن خلال ذلك، يمكن إعادة إحياء طريق العنبر الذي ارتحل عليه الفايكنج والرابطة الهانزية طوال العصور الوسطى. وتتأكد الأهمية الاقتصادية لتحديث البنيتين الأساسيتين المادية والرقمية بين البحرين بمتطلبات أمنية للحشد العسكري على طول جبهة الناتو من البلطيق إلى البحر الأسود.
بحر البلطيق الشمالي مؤهل للقيام بدور محوري في ربط المنطقة الهندمتوسطية المنبعثة بوسط أوروبا وشرقها، بما يحقق أثرا تراكميا استثنائيا بالتبعية. وثمة متغيران آخران قد يعززان هذا الأثر. الأول، أن هناك تقاربا متزايدا في المصالح التجارية والأمنية بين منطقة البلطيق ومنطقة القطب الشمالي عبر (الشمال الحر) الذي يشمل فنلندا وآيسلندا وجرينلاند وأمريكا الشمالية. والثاني، هو ممر آسيا الوسطى والقوقاز وأوروبا وهو نتيجة طبيعية للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا لإحياء الصلات التجارية والثقافية التاريخية في القارة الأورآسيوية التي ازدهرت في أغلب الألفية الثانية. والمتغير الثاني يولي أهمية كبيرة لضمان انفتاح البحر الأسود الذي يربط أوروبا بالقوقاز عبر بحر قزوين ووسط آسيا.
وسوف يؤدي الالتقاء بين «الذهبي» (الهندمتوسطي) و«العنبر» (بين البلطيق والأديراتيكي) و«الحرير» (وسط آسيا والقوقاز) إلى دمج الفضاءات الحرة المنفتحة من منطقة المحيطين الهندي والهادي إلى الأطلنطي.
ربط (الهندهادي) بـ(المتوسط - الأطلنطي)
سوف يتشكل المستقبل بازدياد الترابط بين الفضاءات الحرة المنفتحة في المنطقة الهندهادية ومنطقة المتوسط الأطلنطي، ومن جزر المحيط الهادي إلى الكاريبي. وبوسع ثلاثة مشاريع جيوسياسية أن تحقق هذا: الرباعية (Quad)، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وميثاق الأطلسي الجديد. ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تلعب دور القوة الدافعة للمشاريع الثلاثة، فتوثق الروابط بين المناطق وتحفز هذا التحول.
من المرجح أن تتطور الرباعية من شراكة غير رسمية إلى جهاز مؤسسي قادر على أن يحافظ على استقلال المنطقة الهندهادية ويعززها. وبدافع المصلحة الجماعية القوية، فإن الرباعية ماضية في منحنى التحول إلى مؤسسة دائمة في «العالم القديم المتجدد» الناشئ. وقد آتت الشراكة ثمارها بالفعل، فمنها الرد الجماعي على جائحة كوفيد 19، وتحسين التنسيق في إشراك دول الأسيان ودول جزر المحيط الهادئ وتوفير الأمن والتنمية في أنحاء المحيط الهندي.
وللرباعية في السياسة الخارجية الأمريكية أهمية تتجاوز الحزبين والإدارات. فكانت من أولى خطوات إدارة ترامب الثانية، استضافة اجتماع لوزراء خارجية الرباعية برئاسة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو. وتحرص الرباعية على التعامل مع الدول ذات العقلية المماثلة في نادى (الرباعية بلاس) Quad-Plus club ويضم بلادا من قبيل إندونيسيا ونيوزيلندا وبابوا غينيا الجديدة والفلبين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وفيتنام.
أما الأعضاء الثماني في الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ـ وهم الاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإيطاليا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية ـ وبالتنسيق مع مصر وإسرائيل وتركيا، فمن المقرر أن تؤكد أهمية المنطقة الهندمتوسطية بوصفها ممرا اقتصاديا أمنيا أساسيا يربط فضائي آسيا وأوروبا الحرين المنفتحين. ومن المصلحة الاقتصادية والأمنية لكل دولة موقعة على الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أن تستثمر في تحقيق أقصى نجاح لهذه المبادرة. فضلا عن أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يتيح فرصة استثنائية للدول الأفريقية كي تدمج اقتصاداتها الناشئة في أحد أضخم ممرات اقتصادية وأكثرها حيوية في العالم.
يقدم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا دفعة جيدة التوقيت للساحل الشرقي الأفريقي لإحياء تجارته البحرية التاريخية مع الهند ودول الخليج. ومثلما سبق القول، يقدم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا دعما لنمو وسط أوروبا وشرقها، وكذلك ممر وسط آسيا-القوقاز أوروبا الاقتصادي المنبعث، من المهم أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يؤكد الحاجة إلى حماية البحر الأسود والحفاظ لا على سلامة شرق المتوسط والتجارة عبر بحر قزوين وحسب وإنما على آفاق إعادة إعمار أوكرانيا وإعادة دمجها في الاقتصاد العالمي.
يوسِّع ازدهار المنطقة الهندمتوسطية حملة الفضاءات الحرة المنفتحة من مضيق ملقا إلى قناة بنما. ويتضافر اقتصاد إيطاليا ومستقبلها الأمني بشكل مباشر مع حرية وانفتاح المنطقة الهندمتوسطية. وبالمثل، تكمل هذه الرؤية بصورة وثيقة تبادل الهند التجاري الناشئ مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل وأوروبا، وكذلك جهودها لإقامة شبكة طرق وسكك حديدية إلى فيتنام، واستراتيجيتها في المحيط الهندي وأفريقيا. وتبدي اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان أيضا الحرص على زيادة انخراطها مع أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
نموذج حر ومنفتح
يحتاج العالم إلى نموذج عملي ومرن لاجتياز العصر الجديد التالي لعصر العولمة الجامحة، بينما تنخرط القوى الكبرى في لعبة كبرى جديدة. فماذا تفعل بقية العالم بينما تتنافس القوى الكبرى؟
لا تملك الولايات المتحدة وخصماها، أي الصين وروسيا، القوة والنفوذ اللازمين لتقسيم العالم في ما بينها إلى مناطق نفوذ خاصة. وبدلا من ذلك، تظهر من جديد المسارات التقليدية التي ربطت الكتلة الأرضية الأوروآسيوية ببقية العالم.
بدلا من محاربة (الجغرافيا القديمة) الجديدة، ينبغي على الدول الحرة، من قبيل مجموعة الدول السبع الكبرى، أن تدفع العالم قدما، ففي نهاية المطاف، سوف يستفيد الجميع من منع الانزلاق إلى الممارسات الوحشية للإمبريالية أو الانعزالية القديمة. فالقيادة المستنيرة الحكيمة لا تدعو إلى دفع العالم نحو رؤية تقدمية دافوسية أو إلى نزعة تجارية تعديلية كالتي تروجها الصين، وإنما إلى نهج أكثر انضباطا وتكاملا إلى التطلعات والروابط الإقليمية.
لا يجب أن تكتفي سياسة الولايات المتحدة بدعم هذه الجهود بل يجب أن تقيم الهياكل المؤسسية التي تزيدها قوة، لتنشأ سلاسل توريد أكثر مرونة وأمنا وتنوعا، وكذلك المزيد من الفرص التجارية.
فضلا عن أن ترابط الفضاءات يعزز الأمن العالمي بتقليله فرص قوى الاضطرابات في السيطرة على المشتركات العالمية وتفكيكها، أو توفير نقاط اختناق استراتيجية، أو الاستيلاء على موارد طاقة وخامات وسلاسل توريد حيوية، وقدرة تصنيعية. والترابط الحر المنفتح بديلا للتنافس المناطقي، حيث ينبع الأمن من مقاومة التحالفات المتصلبة، وحيث تتيح الروابط المشتركة الحرة المنفتحة المحققة للرخاء المشترك استقلالية للدول في تحديد مستقبلها، بعيدا عن ضغوط التنافس بين القوى الكبرى.
والتواصل عبر المساحات الحرة المنفتحة يعزز القيادة المستنيرة التي تتيح فرصة معززة للازدهار البشري، بما يسمح للشعوب بالتمتع بثمار الحرية، بعيدا عن الإمبريالية أو العولمة.
خلافا للوعود التي لم تف بها العولمة ومبادرة الحزام والطريق، لا تقدم الفضاءات الحرة المنفتحة وعودا بنظام جديد قائم على القواعد، ولا تعد بيوتوبيا. لكن ما يمكنها عمله هو أنها تتيح للأمم الحرة ذات السيادة مزيدا من المساحة لاتخاذ قراراتها. فالدول التي تعلي من أولوية الحكم والانفتاح الفعالين هي التي ستجني أعظم الفوائد.
بناء جسور الفضاءات الحرة المنفتحة
حان الوقت للتفكير إبداعيا في كيفية تحقيق زخم وتعاون في المبادرات المناطقية المطروحة، باستعمال أطر دولية جديدة كلما اقتضى الأمر. ويتطلب هذا تأسيس شراكات مستدامة تتجاوز التعاون العسكري وتشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، من الأرجنتين إلى كوريا الجنوبية. والمهم، أن هناك داعيا ضروريا لإشراك إفريقيا وأمريكا اللاتينية ودمجهما في الروابط الناشئة بين الفضاءات الحرة المنفتحة عبر المنطقتين الهندهادية والهندمتوسطية.
حان الوقت لأن تمثل المؤسسات الدولية مصالح المنطقة الهندهادية وترابطها مع البحر المتوسط. ويجب أن تبدأ بتحويل مجموعة السبعة إلى مجموعة العشرة بضم الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية بأثر فوري. فمجموعة العشرة أفضل تمثيلا للمنطقتين الهندهادية والهندمتوسطية، بالتساوي في عدد الدول الديمقراطية الليبرالية من كل منطقة: فالمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا من منطقة المتوسط الأطلنطي، واليابان والهند وأستراليا وكوريا الجنوبية من المنطقة الهندهادية، مع انتماء الولايات المتحدة وكندا إلى كلتا المنطقتين.
وثمة حاجة إلى تجمع أكثر تركيزا والتزاما وذكاء لقوى العالم الاقتصادية الأربع الأساسية ـ أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والهند ـ وذلك لضمان المصالح الاقتصادية الأمنية الجماعية. والمصالح الأمنية الاقتصادية الجماعية لمجموعة الأربعة الجديدة هذه ـ وهي رباعية اقتصادية أمنية عالمية ـ تستوجب سلاسل توريد مضمونة بين المنطقتين الهندهادية والهندمتوسطية.
يمثل إطارا مجموعتي الأربعة والعشرة الجديدان خطي جهد مزدوجين يحفزان الترابط المضمون. وذلك، أولا، بتعزيز التقنيات الجديدة، من قبيل اتصالات الأقمار الصناعية المدعومة بالغواصات، لدفع الاقتصادات الرقمية في الفضاءات الحرة المنفتحة. وثانيا، بالتنسيق بين مؤسسات التمويل التنموي المعنية للاستفادة من رأس المال السوقي في استثمارات البنية الأساسية بما يعزز التواصل المضمون بين الفضاءات الحرة المنفتحة. وثالثا، بدعم منتديات للجهات الإقليمية الفاعلة كي تعرض وتوضح وتجسد فضاءات حرة منفتحة ذات خصائص وسمات محلية.
توفر الفضاءات الحرة المنفتحة مع الترابط المضمون استراتيجية بديلة للدول متماثلة العقليات كي تحقق الحرية والرخاء والأمن في عالمنا الحديث المفتت، وتجتنب فكرة النظر إلى الجغرافيا السياسية من منظور الكتل المتنافسة ومجالات النفوذ الصلبة، والتنافس بين القوى العظمى. ومن مصلحة أمريكا أن تتبع نهجا استباقيا يعيد إرساء مسارات التجارة والتواصل التاريخية، بعد أن مزقتها حروب القرن العشرين وتنافساته، وبوسعها أن تربط الدول الحرة في عصرنا الحديث.
كاوش آرها رئيس منتدى المحيطين الهندي والهادئ الحر والمفتوح، وزميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي ومعهد كراتش للدبلوماسية التقنية.
جيمس جاي كارافانو خبير رائد في تحديات الأمن القومي والسياسة الخارجية، والمستشار الأول للرئيس وزميل إي دبليو ريتشاردسون في مؤسسة هيريتدج.
ذي ناشونال إنتريست