لماذا تحتفظ أمريكا بوضع القيادة المنفردة للعالم؟
الاحد / 17 / محرم / 1447 هـ - 21:10 - الاحد 13 يوليو 2025 21:10
قد يبدو هذا المقال للوهلة الأولى وكأنه منقطع الصلة بزيارة نتنياهو للعاصمة الأمريكية والسعي لفرض اتفاق ظالم في غزة. وقد تبدو منقطعة الصلة بتحركات واشنطن / تل أبيب الحالية والخطيرة التي تتم لإعادة رسم شرق أوسط جديد على مقاس المصالح الأمريكية. لكن الحقيقة إنه شديد الارتباط بواحدة من أكبر المراحل التي تضع فيها الولايات المتحدة كل ثقلها وكل موارد القوة الشاملة لها كإمبراطورية مهيمنة على العالم لفرض واقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط مستغلة ما تعتبره ونتنياهو لحظة نصر نادرة لا يجب السماح لها بأن تضيع. فمن غزة إلى الشام القديم مرورا بإيران وطوقها في آسيا الوسطى وصولا لموريتانيا وغرب إفريقيا ومن قبله البحر الأحمر وشرق أفريقيا تتحرك إدارة ترامب - بكثافة لم تعرفها المنطقة منذ جولات كيسنجر المكوكية - على رقعة واسعة لتحويل الهندسة السياسية للشرق الأوسط التي صنعها كيسنجر إلى عمل مؤسسي مستقر. وعبر مؤسسات تحالف إقليمي تطبع وتدمج فيها إسرائيل في المنطقة تسعى القوة الإمبراطورية لتثبيت هيمنتها على العالم انطلاقا من الشرق الأوسط المؤثر الأكبر على شؤون الملاحة وطرق التجارة وإمدادات الطاقة في العالم. تسعى واشنطن في هذا السياق لرسم خريطة جيوسياسية جديدة للمنطقة بمؤسسات تحالف دفاعي تلغي الصراع العربي/الإسرائيلي وتصفي القضية الفلسطينية حتى لو اقتضى الأمر إلغاء دول وإنشاء دول جديدة تماما كما حدث قبل ما يزيد على قرن في اتفاقية سايكس -بيكو.
بعبارة أوضح إن ما يجري في الشرق الأوسط ما هو إلا تعبير عن سياق أكبر استطاعت وتستطيع الإمبراطورية الأمريكية الحفاظ على هيمنتها على العالم رغم أنها لم تعد القوة الاقتصادية الكبرى الوحيدة في العالم ولا القوة الكبرى المحتكرة للتكنولوجيا المدنية أو العسكرية.
وخلافا للصين المنافس الراهن وحتى للاتحاد السوفييتي المنافس السابق اتصفت الإمبراطورية الأمريكية بصفات عجز الآخرون عن مجاراتها فيها. هذه الصفات هي التي تفسر لنا لماذا يطرق الأمريكيون ومعهم تابعهم الإسرائيلي الآن بقوة على الحديد الساخن في الشرق الأوسط بينما يتفرج الصينيون والروس.
وعلى عكس ما يذهب إليه كثير من المحللين من ذكر عناصر القوة الأمريكية «الموقع الجغرافي الفريد المحصن بمحيطين طبيعيين هائلين، الموارد الطبيعية الهائلة، والحجم السكاني والسوق الواسعة والقوة العسكرية والريادة التكنولوجية والقوة الناعمة لنمط الحياة الأمريكية وإشعاع هوليوود «كسبب رئيسي لاستمرار الامبراطورية الأمريكية فإن هذا المقال يجادل بأن كل أو معظم هذه العناصر توافرت لإمبراطوريات سابقة في عصر هيمنتها ولكنها تدهورت وسقطت عندما تواجه منافسين وتحديات كالتي واجهتها الامبراطورية الأمريكية لكن الأخيرة صمدت ولا تزال على عكس الإمبراطوريات السابقة بما فيها الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس. لكن ما جعل أمريكا تستطيع البقاء الإمبراطوري وحرمان العالم من نظام دولي تعددي أكثر عدالة وإنصاف بدل النظام الإمبريالي الراهن هو كيف تستخدم أمريكا عناصر القوة المتاحة لديها وكيف يستخدم المنافسون عناصر القوة لديهم.
لسوء حظ العالم خاصة شعوب العالم الثالث يتفوق النظام السياسي - الثقافي الأمريكي في ممارسة القوة تفوقا واضحا على كل النظم المقابلة لمنافسيه على القيادة العالمية:
-التخطيط الاستراتيجي الأمريكي يقوم على إزاحة أي منافس دولي لهيمنة واشنطن مهما كان الثمن بخطط استباقية تجعل واشنطن متقدمة خطوة عن منافسيها العالميين. وميزة هذا التخطيط يكمن في مرونة النظام وقدرته على التكيف باستمرار مع التحولات والتغيرات الاستراتيجية ولكن مع الاستمرار في الحفاظ على هدفه الثابت عدم قبول تشارك القيادة مع أي طرف حتى لو كان حليفا. لهذا وعلى عكس الآخرين الذين تنحصر آمالهم في تقاسم التأثير على الشؤون الدولية مع واشنطن
ـ تقوم استراتيجية الإمبراطورية الأمريكية على الأقل منذ روزفلت وحتى الآن على فكرة التنافس والمواجهة وليس التعاون وتقاسم النفوذ مع كل قوة دولية تشرئب برأسها عبر حدودها وتفكر في التنافس وتقليص النفوذ الإمبراطوري الأمريكي. يرجى هنا تذكر حسرة تشرشل أهم حليف لأمريكا عندما فشلت محاولته بعد نهاية الحرب العالمية الثانية للإبقاء لبريطانيا على أي شراكة ولو صغيرة مع أمريكا في هيمنتها على العالم.
قبول المخاطرة وعدم التهيب والاندفاع لاستثمار الرياح المواتية في موقف أو تحطيم الرياح المواتية في موقف معاكس. فعلى عكس بكين وموسكو يتسم السلوك الأمريكي بعدم التردد أو الخضوع كثيرا لسلوك التحسب من العواقب ويعطي هذا السلوك الأمريكي الخارجي عادة زمام المبادرة أو ينتزعها من الخصم إذا حصل عليها هذا الخصم لفترة وجيزة. هنا وعندما تكون المسألة التي على المحك هي تثبيت نفوذها كقائد للرأسمال العالمي لا تقيم واشنطن وزنا كبيرا للآخرين أو للقانون الدولي.
هنا تكون المعركة بين نمط المجازفة الأمريكية والنمط الحذر للمنافسين. بين أسلوب استعمال كامل القوة وكامل الموارد دون تردد وحتى نهاية المدى مقابل أسلوب التقيد والتحفظ والاستعمال الجزئي والمتأخر للموارد. قارن بين سلوك إيران وباقي محور المقاومة في التردد والتقيد لاستثمار كامل موارده في لحظة نصر طوفان الأقصى وهزيمة إسرائيل في ٧ أكتوبر، والذي كان بإمكانه أن يقلص مساحة إسرائيل بعد ٦٧ وتهديد مشروعها بشكل وجودي وبين الاندفاع الأمريكي لدرجة التهور المخيف في دعم إسرائيل حتى قلبت نتائج الحرب لصالح الإسرائيليين قارن تلك النتيجة بما قاله خبراء إسرائيليون من أنه لو انضم حزب الله مدعوما من إيران للمعركة في ٨ أكتوبر لكانت قوات حزب الله من الشمال وقوات المقاومة من غزة والجنوب قد وصلت لحدود تل أبيب.
نمط استخدام القوة العسكرية وليس مجرد وجودها: فالأهم من حقيقة أن أمريكا هي القوة العسكرية الأولى في العالم، وأنها أداتها الرئيسية للإبقاء على استمرار النزح والنهب الغربي للجنوب منذ ٤ قرون تقريبا هو نشرها وتوزيعها المكثف حول العالم بطريقة تحاصر كل المنافسين وتخلق لهم مشكلات في محيطهم، فحول كل منافس دولي أو إقليمي معاد للإمبريالية توجد ٧٥٠ قاعدة أمريكية منتشرة في ٨٠ دولة.
الأهم من ذلك كله هو التوحش في استخدام القوة بمعنى عدم التفكير في التكلفة المالية (حروبها في العراق وأفغانستان فقط تكلفت نحو ٦ تريليونات دولار) وعدم التفكير في الخسائر البشرية بما في ذلك الخسائر من المدنيين العزل طالما أنها لشعوب أخرى. رغم التفاوت المذهل في التقديرات فإنه قتل في حربي أفغانستان والعراق وما تلاهما من حروب وفتن داخلية وأهلية بسبب الغزو الأمريكي لهما ما لا يقل عن مليونين من البشر. ووجود نحو ٢٠ مليون لاجئ للخارج أو نازح للداخل في حروب سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن، وجميعها كانت أزمات توجد واشنطن وقوتها العسكرية كطرف في حروبها وأزماتها.
تثبت أمريكا حتى الآن هيمنتها العسكرية والاقتصادية على العالم رغم التراجع النسبي في مكانتها الدولية بسبب حذر الآخرين وتقيدهم وخضوع أنظمة حكم دون مقاومة لها وليس بسبب أنها استثناء من قوانين التاريخ وسنة الله في كونه في صعود وأفول الإمبراطوريات. وتثبت أن المقاومة ورفض الاستسلام للهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية من قبل الأطراف الإقليمية والمحلية الساعية للتحرر والتحلي بالجرأة وعدم التحفظ من قبل القوى الصاعدة دوليا هما الكفيلان بتمكين حركة التاريخ التي تقول إنه لا خير في عالم تهيمن عليه قوة واحدة تنزح ثرواته لصالحها وأن الخير هو في عالم متوازن متعدد الأقطاب ينحو تجاه العدالة وتوازن المصالح.
حسين عبد الغني كاتب وصحفي مصري.
بعبارة أوضح إن ما يجري في الشرق الأوسط ما هو إلا تعبير عن سياق أكبر استطاعت وتستطيع الإمبراطورية الأمريكية الحفاظ على هيمنتها على العالم رغم أنها لم تعد القوة الاقتصادية الكبرى الوحيدة في العالم ولا القوة الكبرى المحتكرة للتكنولوجيا المدنية أو العسكرية.
وخلافا للصين المنافس الراهن وحتى للاتحاد السوفييتي المنافس السابق اتصفت الإمبراطورية الأمريكية بصفات عجز الآخرون عن مجاراتها فيها. هذه الصفات هي التي تفسر لنا لماذا يطرق الأمريكيون ومعهم تابعهم الإسرائيلي الآن بقوة على الحديد الساخن في الشرق الأوسط بينما يتفرج الصينيون والروس.
وعلى عكس ما يذهب إليه كثير من المحللين من ذكر عناصر القوة الأمريكية «الموقع الجغرافي الفريد المحصن بمحيطين طبيعيين هائلين، الموارد الطبيعية الهائلة، والحجم السكاني والسوق الواسعة والقوة العسكرية والريادة التكنولوجية والقوة الناعمة لنمط الحياة الأمريكية وإشعاع هوليوود «كسبب رئيسي لاستمرار الامبراطورية الأمريكية فإن هذا المقال يجادل بأن كل أو معظم هذه العناصر توافرت لإمبراطوريات سابقة في عصر هيمنتها ولكنها تدهورت وسقطت عندما تواجه منافسين وتحديات كالتي واجهتها الامبراطورية الأمريكية لكن الأخيرة صمدت ولا تزال على عكس الإمبراطوريات السابقة بما فيها الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس. لكن ما جعل أمريكا تستطيع البقاء الإمبراطوري وحرمان العالم من نظام دولي تعددي أكثر عدالة وإنصاف بدل النظام الإمبريالي الراهن هو كيف تستخدم أمريكا عناصر القوة المتاحة لديها وكيف يستخدم المنافسون عناصر القوة لديهم.
لسوء حظ العالم خاصة شعوب العالم الثالث يتفوق النظام السياسي - الثقافي الأمريكي في ممارسة القوة تفوقا واضحا على كل النظم المقابلة لمنافسيه على القيادة العالمية:
-التخطيط الاستراتيجي الأمريكي يقوم على إزاحة أي منافس دولي لهيمنة واشنطن مهما كان الثمن بخطط استباقية تجعل واشنطن متقدمة خطوة عن منافسيها العالميين. وميزة هذا التخطيط يكمن في مرونة النظام وقدرته على التكيف باستمرار مع التحولات والتغيرات الاستراتيجية ولكن مع الاستمرار في الحفاظ على هدفه الثابت عدم قبول تشارك القيادة مع أي طرف حتى لو كان حليفا. لهذا وعلى عكس الآخرين الذين تنحصر آمالهم في تقاسم التأثير على الشؤون الدولية مع واشنطن
ـ تقوم استراتيجية الإمبراطورية الأمريكية على الأقل منذ روزفلت وحتى الآن على فكرة التنافس والمواجهة وليس التعاون وتقاسم النفوذ مع كل قوة دولية تشرئب برأسها عبر حدودها وتفكر في التنافس وتقليص النفوذ الإمبراطوري الأمريكي. يرجى هنا تذكر حسرة تشرشل أهم حليف لأمريكا عندما فشلت محاولته بعد نهاية الحرب العالمية الثانية للإبقاء لبريطانيا على أي شراكة ولو صغيرة مع أمريكا في هيمنتها على العالم.
قبول المخاطرة وعدم التهيب والاندفاع لاستثمار الرياح المواتية في موقف أو تحطيم الرياح المواتية في موقف معاكس. فعلى عكس بكين وموسكو يتسم السلوك الأمريكي بعدم التردد أو الخضوع كثيرا لسلوك التحسب من العواقب ويعطي هذا السلوك الأمريكي الخارجي عادة زمام المبادرة أو ينتزعها من الخصم إذا حصل عليها هذا الخصم لفترة وجيزة. هنا وعندما تكون المسألة التي على المحك هي تثبيت نفوذها كقائد للرأسمال العالمي لا تقيم واشنطن وزنا كبيرا للآخرين أو للقانون الدولي.
هنا تكون المعركة بين نمط المجازفة الأمريكية والنمط الحذر للمنافسين. بين أسلوب استعمال كامل القوة وكامل الموارد دون تردد وحتى نهاية المدى مقابل أسلوب التقيد والتحفظ والاستعمال الجزئي والمتأخر للموارد. قارن بين سلوك إيران وباقي محور المقاومة في التردد والتقيد لاستثمار كامل موارده في لحظة نصر طوفان الأقصى وهزيمة إسرائيل في ٧ أكتوبر، والذي كان بإمكانه أن يقلص مساحة إسرائيل بعد ٦٧ وتهديد مشروعها بشكل وجودي وبين الاندفاع الأمريكي لدرجة التهور المخيف في دعم إسرائيل حتى قلبت نتائج الحرب لصالح الإسرائيليين قارن تلك النتيجة بما قاله خبراء إسرائيليون من أنه لو انضم حزب الله مدعوما من إيران للمعركة في ٨ أكتوبر لكانت قوات حزب الله من الشمال وقوات المقاومة من غزة والجنوب قد وصلت لحدود تل أبيب.
نمط استخدام القوة العسكرية وليس مجرد وجودها: فالأهم من حقيقة أن أمريكا هي القوة العسكرية الأولى في العالم، وأنها أداتها الرئيسية للإبقاء على استمرار النزح والنهب الغربي للجنوب منذ ٤ قرون تقريبا هو نشرها وتوزيعها المكثف حول العالم بطريقة تحاصر كل المنافسين وتخلق لهم مشكلات في محيطهم، فحول كل منافس دولي أو إقليمي معاد للإمبريالية توجد ٧٥٠ قاعدة أمريكية منتشرة في ٨٠ دولة.
الأهم من ذلك كله هو التوحش في استخدام القوة بمعنى عدم التفكير في التكلفة المالية (حروبها في العراق وأفغانستان فقط تكلفت نحو ٦ تريليونات دولار) وعدم التفكير في الخسائر البشرية بما في ذلك الخسائر من المدنيين العزل طالما أنها لشعوب أخرى. رغم التفاوت المذهل في التقديرات فإنه قتل في حربي أفغانستان والعراق وما تلاهما من حروب وفتن داخلية وأهلية بسبب الغزو الأمريكي لهما ما لا يقل عن مليونين من البشر. ووجود نحو ٢٠ مليون لاجئ للخارج أو نازح للداخل في حروب سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن، وجميعها كانت أزمات توجد واشنطن وقوتها العسكرية كطرف في حروبها وأزماتها.
تثبت أمريكا حتى الآن هيمنتها العسكرية والاقتصادية على العالم رغم التراجع النسبي في مكانتها الدولية بسبب حذر الآخرين وتقيدهم وخضوع أنظمة حكم دون مقاومة لها وليس بسبب أنها استثناء من قوانين التاريخ وسنة الله في كونه في صعود وأفول الإمبراطوريات. وتثبت أن المقاومة ورفض الاستسلام للهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية من قبل الأطراف الإقليمية والمحلية الساعية للتحرر والتحلي بالجرأة وعدم التحفظ من قبل القوى الصاعدة دوليا هما الكفيلان بتمكين حركة التاريخ التي تقول إنه لا خير في عالم تهيمن عليه قوة واحدة تنزح ثرواته لصالحها وأن الخير هو في عالم متوازن متعدد الأقطاب ينحو تجاه العدالة وتوازن المصالح.
حسين عبد الغني كاتب وصحفي مصري.