أعمدة

هذا الموت ضرب من ضروب الجشع

(1)

لن يذهب الفنار إلى أمنياته، ولن يخلد البحر إلى جراحاته، بعد هذه العاصفة.

(2)

أؤمن بالحروب الطَّويلة والثَّقيلة (السَّابقة، والتَّالية، وتلك التي أنخرطُ فيها من دون أن يعلم أي أحد، حتى أعدائي).

(3)

يستعيض الجرح بالفَرَاشات (والعكس صحيح، في حالات أخرى).

(4)

كلُّ الحياة أفَاعٍ وعبث.

شاهدت فيلماً سينمائيَّاً روائيَّاً قصيراً أحببته كثيراً (ولذا سأحوِّره بعض الشيء تالياً): سائق سيارة نقل موتى يوضَع في مساحة الشَّحن فيها جثمان، وفي الطريق يدرك السَّائق فجأة أن أهل الميّت لم يخبروه اسم المقبرة التي عليه أن يذهب بالجُثَّة إليها لتدفن هناك؛ فيتصِّل بهم هاتفيَّاً، ولكن ما من رد.

ترى، ما الذي يستطيع أن يفعل، وما الذي علينا أن نقوم به؟

(5)

يجلس التَّاريخ إلى المقعد المتحرك، وتضغط القراءة المشلولة على الزِّر.

(6)

لم يعد يداعبني الخيال. أعبثُ بهواء الخيال.

(7)

في كلِّ زَلَّة مَعْبَد، وفي كل معبد خطيئة.

(8)

صار الليل، والنَّهار، والنِّسيان، مُكتَظَّاً بالأرامل، والأطفال، والذِّئاب، والماء الأغبر.

(9)

كل شيء واضح أكثر مما ينبغي (وهذه هي الكارثة، بالضَّبط).

(10)

لديهم كل أنواع الأحذية، ولا يعرفهم الطَّريق.

(11)

تأخرت عليك (وأنت لا تجدي).

(12)

كل من نسي ميّت (وكل من يتذكَّر يموت).

(13)

لا يرتاح الأرباب في الموت. لا يذهب اللصوص إلى الحقول. لا تنبت الطَّماطم في المآتم.

(14)

معاً في الرَّكعة والسَّجدة، في البسملة والحوقلة، يا أيُّها الذي يغتالنا في الشَّهادة، وفي الشَّهيد.

(15)

الغفران آخر الذُّنوب.

(16)

يشربون لينسوا، وأسكَرُ لأتذكَّر.

(17)

سأموت في اللحظة غير المناسبة تماماً (خطَّطتُ لهذا، بدقَّة متطرِّفة، منذ زمن لا بأس به).

(18)

ليس في آخر العنقود سوى المكيدة.

(19)

الغُلوُّ شرط في الحب، والفضيحة، والانتصار، والهزيمة.

(20)

لا أؤمن بالقطارات. لا أثق في الوداعات. أصدِّق كف اليد المقطوعة من الرسغ، وأصابعها مفتوحة كالرَّجاء على سكِّة الحديد.

(21)

موجة واحدة (واحدة، فقط) في البحر لن تعود إلى الزُّرقة.

(22)

يجيء الأموات إلينا (وهذا لا يكفي).

(23)

الحياة تمضي، وأنت تتوقَّف (وهذا أفضل).

(24)

الموت مشروع نَفْسِه (فقط).

(25)

ذهبت القطط والفئران (وذَهَبت الأرانب، أيضاً).

(26)

قُل لي: من لي في هذه الليلة يا بروتوس؟

(27)

جثامين مصلوبة لا تنتظر يسوع، ولا المؤمنين، ولا القيامة.

(28)

«لقد قبضوا كلّهم» (خاصة أولئك الذين لا يحبون مظفَّر النَّواب لأنه «شاعرٌ سياسيٌّ مباشر»).

(29)

سيأتي الليل (بعد بعضٍ، في إثر مَضَضٍ، من هذا).

(30)

الاشتهاء تَنكُّرٌ كما هو حال السَّاحرات. وهذا من أسباب ما حدث، ومن حال النُّجوم.

(31)

في الخامسة من صباح كل يوم، وفي الثَّانية.

(32)

ما انفكَّ القَتَلَةُ يجدون الأعذار للقَتَلَةَ، حتى اقتنع المقتولون بالتَّبرير.

(33)

يسعدُ المنسيُّون بالأخدود.

(34)

الليلة خمرٌ وأمر.

(35)

يخلع السَّارد القفطان، يلقيه في النَّار، ثم يلقي نفسه وراءه. والقُرَّاء أحد الاحتمالات، بعد ذلك.

(36)

أنساك في النَّخيل، وأنَبِّتُ كذبتي.

(37)

اللِّثام يتثاءب (وكذلك اللئام).

(38)

ليس الموت ضرباً من أنواع التَّعاطف.

(39)

الظُّنون، والوساوس، وأنا، نُحسِنُ ما يحدث (والأسوأ، هو أننا نُتْقِن ما لا يحدث).

(40)

الموت أسوأ الأعباء في السِّتارة المضيئة.

(41)

سبب آخر للشَّقاء: الذِّكريات تتحلَّق، وتتحرك، من تلقاء نفسها.

(42)

المعرفة أصغر.

(43)

لا تحدث الهدأة المُشتهاة في الموت، ولا في الكتابة، ولا في آخر الهمسات والوداعات.

(44)

أُصاب بالتَّنمل حين أفكِّر في البريد، والغابات، وعريش مهجور في أعالي الذَّاكرة.

(45)

يتقدَّم القَدر نحو من يخشاه.

(46)

الأصدقاء مغارة (وقد رَحَلَت الكهوف).

(47)

يؤدُّون الواجب إلى الحق (ولا يأخذون الحق إلى الواجب).

(48)

أنا الفَزَع. أنا سُمُّ الملاك. أنا خسارة أمِّي على الأرض وفي السماء. أنا الذي ليس هنا، وليس هناك.

(49)

نعم، ردَّة فعلي من ضروب الشَّفقة (ستسَّاقط الكواكب جنيَّاً على مريم حين تريد).

(50)

استباق العدوان بقتل الأشقَّاء.

(51)

سيكون القلب من الأعضاء اللاحقة (الاحتياطيَّة، تقريباً) في سُنَن النُّشوء والارتقاء.

(52)

إذا أحسنتَ الظَّن في الخَلق فهم مُصيبون دوماً، وإذا ما أسأت الظَّن في الناس فأنت مُصاب على الدوام.

لكن، «كُفر أهل الهِمَّة أسلمُ من إيمان أهل المِنَّة» (أبو يزيد البسطامي).

(53)

تسبَّبوا في أن تغادر المياه الوادي (ثم لم ينقذهم الطَّاعون).

(54)

أيتها الأم: في جَلَدي أن أغادر، وصار عليَّ أن أغادر.

(55)

هذا الأفق، تلك السَّماء، إدراكٌ مبدئي.

(56)

تنكُرني، كأنها القميص الرِّيفي الأمريكي الأزرق قصير الكُمَّين.

(57)

أحكُّ ظهري. أستوحشُ، وأستعدُّ، وأُستَبعِدُ.

(58)

كلُّ صمتٍ متأخِّر. كلُّ حديثٍ مبكِّر.

(59)

الآخرة خطواتٌ سَّابقة.

(60)

لا يذهب الموت إلى كل إمكاناته في هذه الليلة.

(61)

ينسون القَتَلَة في الأصوات.

(62)

يموتون في التَّساوي، وفي السَّاعات، وفي طلب الآلهة، وفي احتراف البلاهة.

(63)

لا أحد يتذَّكر، ولا أحد ينتظر.

(64)

يموتُ بعيداً عن القِلاع، والمخطوطات، والمعجزات، وتحوِّل الأسد إلى صخرة، والحصون التي بُنِيت في ثلاث ليال بمساعدة الجن، وغُرَف الشَّمس وحُجرات القمر.

(65)

بين الحكمة، والصَّمت، والنَّثر، والسُّكوت، والشِّعر، تتعذَّب الغيمة.

(66)

من الدور الأرضي، إلى الدور السادس والعاشر، والسَّماء الثانية، كل شيء ينتظر أروى صالح.

(67)

لم يعد الموت يستطيع أن يكون في مكانٍ آخر، حتَّى في الاحتياط.

(68)

الإدراك خسارة (مِثل عدم الإدراك).

(69)

يُدركونكَ في النُّطفة، والطفولة، والصِّبا، ويطاردونك في الآخرة (كيف يمكن لك أن تموت، إذاً)؟

(70)

هذا الموت ضرب من ضروب الجشع.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عُماني