هل اشتريت لابوبو؟
الاحد / 4 / ذو الحجة / 1446 هـ - 19:38 - الاحد 1 يونيو 2025 19:38
كنتُ في زيارة لجمهورية الصين مؤخرا، برفقة مجموعة من النساء، ومن اللحظة التي وصلنا فيها، بدأت رحلة البحث عن «لابوبو» في الأسواق، لم أكن أعرف طبعا ما الذي تتحدث عنه رفيقات السفر، ولم أشغل بالي بالسؤال، حتى عدن من رحلة التسوق ذات مساء، جذلات، والفرحة تكاد لا تسعهن، وقد عرفت أنهن قد عثرن على ضالتهن.
أُصبتُ بصدمة وأنا أرى العلب تُفتح، وتظهر منها دمية صغيرة قبيحة، بملامح غريبة، وشعر منفوش، وابتسامة بلهاء. كانت تلك هي «لابوبو»، الدمية الأشهر في العالم.
وفي اليوم الذي عدتُ فيه إلى سلطنة عُمان، قرأتُ خبر إغلاق المحل الذي يبيعها في العاصمة البريطانية (لندن)، بعد أن شاعت الفوضى منذ ساعات الصباح الباكر حول المحل. وفي مول دبي، اصطفت الطوابير منذ الصباح أيضا، مسبّبة زحمة لم يشهدها مركز التسوق من قبل، في تسابق وتدافع من أجل الحصول على الدمية القبيحة، التي حققت من خلالها الشركة المصنعة (بوب مارت) حتى اليوم أرباحا جنونية تتجاوز 15 مليار دولار أمريكي.
لعل من أهم أسباب انتشار مثل هذه الظواهر، ما يُعرف في علم النفس بـ«تأثير القطيع»، حين نرى عددا كبيرا من الناس يتجهون إلى شيء معيّن، سواء منتجا أو فكرة أو سلوكا، يبدأ العقل اللاواعي في التماهي مع هذه الموجة، خاصة إذا كان الشخص يشعر بالفراغ، أو يفتقر إلى شعور بالانتماء. وقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تضخيم هذه الظواهر، حيث تُصوَّر الدمية كرمز للسعادة أو كجائزة، مما يدفع الآخرين إلى تقليد السلوك دون تفكير.
اللافت أن كثيرا من مقتني «لابوبو» لا يكتفون بواحدة، بل يدخلون عالمًا من الشراء المستمر، والبحث عن الإصدارات النادرة، والمزادات. البعض يبرر الأمر بأنه «تجميع» أو حتى «استثمار»، ولكن الواقع أن هذا السلوك يدخل في خانة الاستهلاك العاطفي -حين نشتري بدافع شعور داخلي كالملل، أو الحاجة إلى الحب، أو التقدير، أو الفرح اللحظي، لا بدافع الحاجة الحقيقية.
وهنا يأتي دور الثقافة المالية في ضبط التوازن، إذ يجب أن نتعلم أن ليس كل ما ينتشر يستحق أن نشتريه، وأن المتعة اللحظية قد تكون على حساب أهداف أكبر وأكثر أهمية، وأن هذا المال أمانة نحن محاسبون عليه.
وقد نُقل عن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- قوله: «المال حلاله حساب، وحرامه عقاب»؛ فبعض هذه الصرعات تتنافى مع قيمنا ومبادئنا، وما يصلح لغيرنا لا يصلح لنا.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية
أُصبتُ بصدمة وأنا أرى العلب تُفتح، وتظهر منها دمية صغيرة قبيحة، بملامح غريبة، وشعر منفوش، وابتسامة بلهاء. كانت تلك هي «لابوبو»، الدمية الأشهر في العالم.
وفي اليوم الذي عدتُ فيه إلى سلطنة عُمان، قرأتُ خبر إغلاق المحل الذي يبيعها في العاصمة البريطانية (لندن)، بعد أن شاعت الفوضى منذ ساعات الصباح الباكر حول المحل. وفي مول دبي، اصطفت الطوابير منذ الصباح أيضا، مسبّبة زحمة لم يشهدها مركز التسوق من قبل، في تسابق وتدافع من أجل الحصول على الدمية القبيحة، التي حققت من خلالها الشركة المصنعة (بوب مارت) حتى اليوم أرباحا جنونية تتجاوز 15 مليار دولار أمريكي.
لعل من أهم أسباب انتشار مثل هذه الظواهر، ما يُعرف في علم النفس بـ«تأثير القطيع»، حين نرى عددا كبيرا من الناس يتجهون إلى شيء معيّن، سواء منتجا أو فكرة أو سلوكا، يبدأ العقل اللاواعي في التماهي مع هذه الموجة، خاصة إذا كان الشخص يشعر بالفراغ، أو يفتقر إلى شعور بالانتماء. وقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تضخيم هذه الظواهر، حيث تُصوَّر الدمية كرمز للسعادة أو كجائزة، مما يدفع الآخرين إلى تقليد السلوك دون تفكير.
اللافت أن كثيرا من مقتني «لابوبو» لا يكتفون بواحدة، بل يدخلون عالمًا من الشراء المستمر، والبحث عن الإصدارات النادرة، والمزادات. البعض يبرر الأمر بأنه «تجميع» أو حتى «استثمار»، ولكن الواقع أن هذا السلوك يدخل في خانة الاستهلاك العاطفي -حين نشتري بدافع شعور داخلي كالملل، أو الحاجة إلى الحب، أو التقدير، أو الفرح اللحظي، لا بدافع الحاجة الحقيقية.
وهنا يأتي دور الثقافة المالية في ضبط التوازن، إذ يجب أن نتعلم أن ليس كل ما ينتشر يستحق أن نشتريه، وأن المتعة اللحظية قد تكون على حساب أهداف أكبر وأكثر أهمية، وأن هذا المال أمانة نحن محاسبون عليه.
وقد نُقل عن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- قوله: «المال حلاله حساب، وحرامه عقاب»؛ فبعض هذه الصرعات تتنافى مع قيمنا ومبادئنا، وما يصلح لغيرنا لا يصلح لنا.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية